السمع والطاعة يقودان أحياناً إلى المنع والاستئصال، و «مرسي راجع إن شاء الله» قد تتحول إلى «مرسي راجع في المشمش إن شاء الله»، والترغيب في الحرية التقريب إلى الديموقراطية وتجميل الثيوقراطية قد ينقلب رأساً على عقب بالتكريه في العتق والتعفف في الصندوق وكشف النقاب عن وجه الثيوقراطية الكريه بهتاف القواعد في رحاب الأزهر: «هنحرركم غصب عنكم! مش هنعيش عبيد علشانكم». «علشانك يا بلدي! معروف للكون مقامك في حروبك وفي سلامك وابنك لو مات علشانك بيموت فرحان علشانك». الأغنية واحدة، وكلماتها ذاتها، ومرددوها على يقين بأنها تمثلهم، لكن التمثيلين واقفين على طرفي مصر. أحدهما يعتقد إنه لو مات فذلك «علشانك يا بلدي وحدودك وكرامتك وعزتك وعزة مواطنيك على اختلاف طوائفهم وانتماءاتهم، باستثناء الإخوان ومن والاهم»، والثاني يؤمن إنه لو مات فذلك «علشانك يا بلدي وإسلامك الذي لا تمثله سوى الجماعة وكرامتك التي ضاعت بضياع كرامة الإخوة وعزتك التي فقدت بتبديد عزة المرشد ونوابه وعزة مواطنيك الذين يجولون في فلك الجماعة من أعضاء عاملين ومنتظمين وآخرين منتسبين ومحبين وربما فريق ثالث متحالفين دعماً للمشروع وهدماً لكل من لا يشبهونهم». الشبه بات وطيداً وثيقاً عميقاً بين صباحات كانون الأول (ديسمبر) الجاري في مربع مدينة نصر (شرق القاهرة) الذي تحول إلى مربع مثقل بذكريات «رابعة» المتأرجحة بين «عزتها وصمودها» في عرف الجماعة و «إرهابها وترويعها» في عرف بقية المصريين، ومحمل بوقائع الحرس الجمهوري حيث «مجزرة الساجدين وإرهاب الجيش الخائن» في أدبيات «الإخوان» و «جنون قواعد الجماعة والاعتداء الصارخ على منشآت عسكرية» في أدبيات غالبية المصريين، ومسيرات ليلية بهدف «تحدي حظر التجوال ودحر الانقلاب» حسبما يعلن «الناس بتوع ربنا» و «تظاهرات وفوضى وغوغائية ليلية بهدف ترويع الآمنين وإرهاب المصريين لإجبارهم على التخلي عن انقلابهم الشعبي على ذراع الجماعة الرئاسية ومشروعها التمكيني» حسبما عاصرها المصريون. أما الشبه الصباحي وأوجه التطابق ومصادر التماثل في مدينة نصر، فبات في المؤثرات الصوتية والحسية ومشاعر الترقب وأحساسيس الترهب المحتمل انقلابها إلى ترهيب وترويع والمرشح تحولها إلى ردود فعل عنيفة بين لحظة وأخرى. فالتصعيد «الإخواني» حيث تحريك قواعد الجماعة الشبابية من طلاب محبين وطالبات متعاطفات و «ألتراس» جاهزين وما تيسير من صبية متعاونين بات سمة يومية من سمات فعاليات محيط جامعة الأزهر حيث ترجمة فعلية وسمعاً وطاعة مثالية لأوامر الجماعة بأن يكون «الشباب عماد الثورة» لا سيما مع صدور الأوامر وتفعيل الخطط وتأجيج التحركات تزامناً وقرب بلورة المرحلة الأولى من مراحل خريطة الطريق حيث خلاص مصر الفعلي من قبضة الجماعات الدينية ونبذها العملي للشرق الأوسط الجديد وضربها عرض الحائط الحقيقي بالرؤى الموضوعة سلفاً والمحكمة تخطيطاً لتوازنات المنطقة ودور «رمانة الميزان» (مصر) في المرحلة المقبلة. دور مصر في المرحلة المقبلة حسبما تؤمن الجماعة وتترجمه قواعدها شخبطة جدارية وحرقاً إطارياً وتدميراً شرطياً وتعدياً شعبياً وترويعاً سكانياً يتلخص في محيط جامعة الأزهر، وهي المشاهد التي باتت متوقعة ومرتقبة للجميع. يستيقظ السكان منذ الصباح الباكر على أصوات «سارينات» سيارات الأمن المركزي المتوجهة إلى محيط الجامعة استعداداً للتظاهرات «السلمية» حيث حرق مدرعات الشرطة، وضرب أساتذة الجامعة، والتعدي على موظفيها، وترويع الطلاب والطالبات الذي يتجرأون على طلب العلم. ويتناول السكان إفطارهم على عجل أملاً في أن يحالفهم الحظ ويدلفون خارج بيوتهم متوجهين إلى أعمالهم ومدارسهم قبل بدء المنازلات الطلابية - الشرطية، وقبل انطلاق صفارة الحكم لمباراة إطلاق الخرطوش والقذف بالطوب والشتم بالأب واللعن بالأم من الطلاب للشرطة وإطلاق قنابل الغاز والقبض على ما تيسير من خطوط المعتدين الأمامية من الشرطة للطلاب. وبينما السكان يمضون ساعات يومهم في أعمالهم ويترقبون عودة أبنائهم من المدارس على مدار الساعة هاتفياً تحسباً لتعبير طلاب «الإخوان» عن المطالبة بالشرعية عبر تهشيم باص مدرسة أو إصرارهم على الشريعة من خلال تهشيم سيارات أفراد من «العبيد» (الشعب) أو إحراق مدرعات «البلطجية» (الشرطة) أو التخطيط للتعدي على منشآت «كتائب السيسي وميليشياته» (الجيش المصري)، تتأجج الفعاليات اليومية مكررة نفسها بقليل من التنويع والابتكار، فبدل قيام الأخوات بحبس الأستاذات المارقات المصرّات على التدريس، تقوم الحرائر المجاهدات بدور «الناضورجية» لمراقبة تحركات الشرطة لإبلاغ الإخوة، وبدل إصرار الإخوة على محاصرة الموظفين الفجار من عبدة البيادة والمعارضين لتعدي «الناس بتوع ربنا» على «الطلاب والأساتذة والعمال الانقلابيين» يقررون سرقة متاريس الشرطة والاستعانة بإشارات المرور واقتراض صناديق المياه الغازية لتأمين مداخل الجامعة ومخارجها لإشاعة أكبر قدر ممكن من الفوضى إعلاء للشرعية وترسيخاً للشريعة. شريعة الجماعة المتمثلة هذه الأيام مع اقتراب الإعلان عن تاريخ الاستفتاء على دستور ما بعد الجماعة، تعتمد اعتماداً كلياً على مبدأ «الإخوان» الراسخ في سمع القواعد لأوامر الكوادر وطاعتها طاعة عمياء. وتكمن مشكلة مصر الحقيقية هذه الأيام في أن القواعد على قناعة تامة بأنها تجاهد في سبيل الله عبر قطع الطريق، وتحارب من أجل الوطن من خلال تعطيل الدراسة، وتحرق الإطارات ابتغاء مرضاة الله، وتعتدي على أساتذة الجامعة أملاً في رفعة الإسلام، وتعادي الجيش والشرطة والشعب لأن الشهادة «أسمى أمانينا». أسمى أماني القواعد المتمثلة عبر أنشطتها اليومية في مربع مدينة نصر يترجم حرفياً، أو بالأحرى شخبطياً، عبر منتجها اليومي المتجدد على الجدران. فمن حداثة «اشغل وقتك في الانتظار بالدعاء على السيسي وبشار» إلى ثورية «الدراسة معطلة بأمر الطلاب» وأخيراً وليس آخراً «مرسي راجع إن شاء الله»، وهو ما بدأ بعضهم يذيله بعد انتهاء فعاليات «الهبد والرزع» اليومية ب «في المشمش» دلالة على الاستحالة لقصر عمر بزوغ المشمش وظهوره واختفائه في لمح البصر. وفي لمح البصر بات المصريون على دراية كاملة بأن ثمن مبدأ «السمع والطاعة» الذي تنصاع له الجماعة بقواعدها ومحبيها ومتعاطفيها بإفراط يكلف الجميع الغالي والرخيص. فالسمع والطاعة يؤديان إلى القمع، قمع الأمن لجنونهم وتقنينه شعبياً بمباركة تخليص البلاد من شرور «الإخوان»، وإبادة الحكم لفكرهم وتعضيده مصرياً بمطالبة إعلانها جماعة إرهابية استغلت الدين للقفز على مصر والاستئثار بالكرسي والاستحواذ على الأدمغة. جنون الفعاليات الصباحية الطلابية وترجمة المطالبات الفكرية بالسمع والطاعة عبر ترويع المصريين وترهيبهم يدفع ثمنه الجميع حيث الترحيب بالبديل، أي بديل، ل «حرية» الجماعة الإجبارية المفروضة غصباً بحكم «أستاذية الإخوان»، والاشتياق لوجه، أي وجه، يخلفهم في حكم البلاد بعدما أطبق على أنفاسهم حكم الجماعة ومآسي «مشروع النهضة» وكوارث «المئة يوم الأولى» وهزل «المحاور الخمسة المهمة» وخبل «الشرعية ثمنها دمي»، والتخوف من الصندوق، أي صندوق، بعد ما لاح وجه كريه للديموقراطية واتضح بُعد غريب للحرية وانكشف ناب عنيد للثيوقراطية.