طغت تداعيات تصديق الحكومة الإسرائيلية أول من أمس على مشروعَي قانون «القومية» اللذين قدمهما أربعة من نواب اليمين المتطرف ويتبنيان فكرة أن «إسرائيل دولة يهودية» وليست «يهودية ديموقراطية» وينفيان عن المواطنين العرب حقوقهم القومية، على السجال السياسي في إسرائيل، ودفعت مراقبين إلى محاولات استشراف دوافع رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو لطرح المشروعيْن على الكنيست للتصويت رغم إدراكه بأن الأمر قد يدفع إلى انهيار ائتلافه الحكومي، خصوصاً مع إعلان حزبَي «يش عتيد» و»الحركة» الوسطيين أنهما لن يصوتا إلى جانب المشروعين. واتهم وزراء سابقون في «ليكود» زعيمه نتانياهو بأنه يجرّ الحزب إلى أجندة قومية متطرفة. وتكلّلت مساعي زعيم «إسرائيل بيتنا»، وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان في التوسط بين نتانياهو وزعيمَي «يش عتيد» و»الحركة» الوزيرين يئير لبيد وتسيبي ليفني، بالنجاح عندما تم الاتفاق أمس بين أعضاء الائتلاف الحكومي على إرجاء التصويت في الكنيست مدة أسبوع ريثما يتم توافق الأطراف على صيغة معدّلة. وجاء الاتفاق بعد أن أكد لبيد وليفني أمس أيضاً أنهما ووزراء حزبهما لن يدعما مشروعيْ القانون اللذين كان مفترضاً التصويت عليهما في جلسة الكنيست غداً، حتى بثمن إقالتهم، علماً أن القانون يتيح لرئيس الحكومة إقالة وزراء من حكومته يصوّتون في الكنيست ضد قرار تبنته الحكومة، أو حتى يمتنعون عن التصويت. وفي حال استخدم نتانياهو هذه الصلاحية ضد وزراء «يش عتيد» و»الحركة»، فإن ائتلافه الحكومي سيسقط، ما يعني اضطراره لتشكيل ائتلاف حكومي جديد (مع المتديّنين المتشدّدين «شاس» و»يهدوت هتوراه)، أو تبكير الانتخابات العامة إلى الربيع المقبل. والمثير في كل الموضوع، أن نتانياهو نفسه لا يؤيّد مشروعَي القانون لنواب اليمين الأربعة، لكنه يريد إرضاء معسكر اليمين المتطرّف، فاتفق مع الأربعة على صفقة تقضي بدعم الحكومة مشروعيهما خلال التصويت في الكنيست بالقراءة التمهيدية، على أن يتم فوراً تجميد التصويت بالقراءات الثلاث، ليطرح نتانياهو لاحقاً مشروع قانون أكثر اعتدالاً، ويتم التصويت عليه في الكنيست، ويؤيده جميع نواب اليمين. ويؤكد لبيد وليفني أنهما لا يعارضان مشروع القانون الذي يعتزم نتانياهو تقديمه، بل يؤيدان «يهودية الدولة» (علماً أن ليفني كانت أول من طرح الفكرة قبل تسعة أعوام)، لكنهما يرفضان المشاركة في «اللعبة» بالتصويت إلى جانب مشروعَي قانون نواب اليمين الذي يتضمّن بنوداً متطرفة، مثل تفضيل «اليهودية» على «الديموقراطية»، وإلغاء مكانة اللغة العربية لغةً رسمية، وإخضاع الجهاز القضائي «لروح تعاليم التوراة» (ما يعني تكبيل يدَي المحكمة العليا التي يتهمها اليمين بالتدخل في قضايا سياسية)، وتشجيع البناء اليهودي في أنحاء أرض إسرائيل من دون التزام البناء للعرب، بينما ينصّ اقتراح نتانياهو على أن «يهودية الدولة وديموقراطيتها هما قيمتان متساويتان»، لكنه ينفي الحقوق القومية لمواطنين ليسوا من اليهود. وكانت ليفني، التي وصف معلقون علاقاتها بنتانياهو بأنها بلغت الحضيض، توقعت أن يبادر نتانياهو إلى إقالتها عند تصويتها ضد مشروع القانون لنواب اليمين «الذي يمسّ النظام السياسي الإسرائيلي ومبادئ الديموقراطية». ورحب زعيم حزب المستوطنين «البيت اليهودي» نفتالي بينيت بقرار الحكومة، معتبراً أن «قانون القومية سيرغم المحكمة العليا على أن تصدر قراراتها وفقاً لمبدأ أن إسرائيل هي البيت القومي للشعب اليهودي، وليس فقط بناء لقانون كرامة الفرد وحريته». ويتفق معلقون ان بيد نتانياهو دون سواه مفتاح الحل، سواء بحسم الموضوع والإصرار على التصويت في الكنيست، أو إرجاء التصويت إلى ما بعد التصديق على الموازنة العامة للعام المقبل لتفادي انتخابات مبكرة. وعزوا موقف نتانياهو إلى مجاراته بينيت لتزعم معسكر اليمين المتطرف. وهو ما لفت إليه أيضاً قياديان سابقان في «ليكود» بيني بيغن ودان مريدور اللذان أكدا أن «ليكود» اليوم «ليس ليكود الذي عرفناه في السابق حزباً وطنياً ليبرالياً، وهو ينجر منذ سنوات نحو اليمين القومي المتطرف». وقال مريدور إن الجدل ليس على «يهودية الدولة، وهذا أمر مفروغ منه، إنما على الاعتراف بحقوق الأقلية في الدولة». وقال بيني بيغين، نجل رئيس الحكومة السابق أبرز قادة «ليكود» مناحيم بيغين، منتقداً نواب الحزب على ما آل إليه وضع الحزب: «لست متأكداً من أن ليكود كان سيقبل والدي عضواً فيه». واعتبر زعيم المعارضة إسحق هرتسوغ أن طرح «موضوع القومية» في وقت أمني حساس «ينم عن انعدام المسؤولية، ويزيد من فتيل اللهب المشتعل في المنطقة... إنه فقدان بوصلة».