يقتحم الديوان الجديد للشاعر السعودي سعد الحميدين وعنوانه «سين بلا جواب» (دار بيسان للنشر - بيروت)، صميم اللحظة العربية الراهنة، متأملاً في مآلات هذه اللحظة التي لا تزال تلقي بظلال رهيبة على المشهد بكامله تارة، ومتهكماً على بعض صورها التي تتجلى كانعكاس باهت لحدث مضى، تارة أخرى. وبين التأمل والتهكم يعود الحميدين، الذي وصفه الأديب محمد حسن عواد ب «شاعر الرمزية والأداء الحر»، إلى زمن ماضٍ، بيد أنه بدا أشبه بحلم بعيد المنال بالنظر إلى ما يحدث اليوم، وكأنما ليفتش في الماضي القريب عن أسباب الإخفاق لما يحدث الآن واليوم، وليكتشف كم كان ذلك الزمن قريباً إلى الإنسان وأحلامه بالحرية والعدالة من اليوم. «ربيع الرماد» حيناً يأتي الاسم وحينا آخر «ربيع مجنون»، وفي المسافة بين الرماد والجنون يتعكز خريف «قرع عصاه يئن/ على حجر الطرقات/ ملتفاً بنشيج سعال مبحوح جاف». ضم الديوان، الذي يعد التاسع للحميدين، تسع قصائد، كتبت خلال عامي 2012 و2013 هي: ربيع الرماد، أنفاس، لا شيء مثل الشيء، كلمات تمشي، سين بلا جواب، صورة تمحو صورتها، رسمة على صفحة الوقت، زمن العجب، وتجويف. والقصائد كلها لا تخرج عن جو التشاؤم والخذلان، وترسخ شعوراً بالتيه وضياع الحقيقة التي تلح الأسئلة في طلبها، لكن لا إجابات تأتي. في الغلاف نطالع مقتطفات لعدد من النقاد والأدباء السعوديين والعرب حول تجربة الحميدين اللافتة لناحية الزمن والمنجز، إذ يقول عبدالله الغذامي: «في شعر كهذا يبرز انتماء من نوع مختلف، فهو ليس انتماء إلى الذات الفخورة بذاتيتها، وليس انتماء إلى العشيرة المدلة بعرقيتها، ولكنه انتماء للثقافة وإلى الإنسان». فيما يقول عبدالملك مرتاض: «استمتعت بقراءة النصوص الشعرية التي احتواها الديوانان الاثنان، والحق أن الديوان الأول اشتمل على قصيدة واحدة هي تجربة تكاد تكون فريدة من نوعها في الشعر العربي المعاصر». من أجواء الديوان: حلم يتشبث بالأمل المفقود/ منذ تنفس من يعرف بالإنسان/ وساد على بعض من مكنون المعمورة/ بالحكي تعمر فتدمر بالحكي الآخر/ يقول أناي/ فيقول الآخر أناي أنا/ تبقى منشفة الأزل المنشورة/ ف... «لي»/ شعار حياة محتكر ولتسقط كل ال «ليَات»/ فأنا أحيا.. «شعار»/ ولغيري طوفان وهلاك/ عجب احتار به ما احتار بحيرته/ يدور بدائرة مسلولة/ يربض في ليل شتوي/ والدفء بأنفاس حرى/ وشاهد قبر الأبدية/ ويحك الجرب المتورم بجدار يعلوه غبار الأنوية/ يتراكم، / مخدات ووسائد../ وأمان منتهيات المدة/ بقشور تفاهات قزمة/ وعلى كرسي مقولة أقوال/ «قعدت»/ قالوا ف.. قلنا/ في أثر قوافل الضياع/ تبعت آثار القطيع/ أمعنت في الخطى على آثارها/ وأرسم العلامة../ هنا الشمال../ ومن هنا اليمين../ حتى إذا ما شمّر الليل عن سواعده/ تأهباً لنصب خيمة المساء/ مثبتاً أوتادها..،/ وكشر السواد عن كهف عميق./ حفرت في مكاني واضطجعت/ ملتحفاً بكومة وكومة من التراب../ قامعاً خشم الصقيع/ إذا سمعت عطسة الصباح/ نفضت جبة التراب قبل ومضة الشروق/ عيناي تحفران كالمخراز في رسم الأثر/ إذا تحرك الركب مواصلاً مسيره/ تعالت النداءات والحداء/ من هنا/ من هناك../ لا../ من هنا../ ودارت دورة ال.. هنا.. هنا/ دورة أسطوانة قديمة/ «هم العرب: اتفقوا على غير اتفاق!!»