أنجزت مجموعة خمسة زائداً واحداً وايران اتفاقاً لم يخطر في بال أحد من المراقبين الحاضرين قرب قاعات المفاوضات أو بعيدا منها أن يتم إبرامه في أقل من ثلاثة أسابيع، حول واحدة من أكثر القضايا تعقيداً وخطورة، حيث تتعلق ببرنامج نووي مشتبه باحتوائه بعداً عسكرياً وفق تقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ويُسِيل الإنجازُ، على رغم كونه اتفاقاً انتقالياً، الكثيرَ من الحبر، ويفتحُ صفحاتِ جدلٍ لن ينتهي قريباً بين الذين يرون في الصفقة اختراقاً سيعزز، بعد تنفيذه، أمن المنطقة ويخلصها من خطر الانتشار النووي وربما يشجع دعوات إخلائها من أسلحة الدمار الشامل، وآخرين يشكُّون في نيات ايران. وتحذر مجموعة ثالثة من الأحكام المسبقة على نيات الطرف الايراني والأجندات الخفية لهذا الطرف الدولي أو ذاك. ويعتقد ديبلوماسي غربي في بروكسيل، وثيق الاطلاع على تفاصيل المفاوضات، بأن «الاتفاق سيغيِّر علاقات ايران بالغرب حيث يبني الثقة مع المجموعة الدولية وفي مقدمها الدول المجاروة لإيران». ويردُ الديبلوماسي الغربي على وصف رئيس الوزراء الاسرائيلي الاتفاق الانتقالي بالخطأ التاريخي، بأن الاجراءت التي تم تدبيرها توقف وتيرة تطور البرنامج النووي الايراني. وتشك بعض الدول العربية في جدوى الاتفاق لأن ممثلي المجموعة الدولية لم يردوا على التدخل الايراني في سورية والعراق والبحرين واليمن. والاتفاق النووي بين مجموعة خمسة زائداً واحداً وإيران سيمكّن من تخفيف العقوبات ضد ايران، وليس تعليقها، بما يؤمّن استعادة جزء محدود من عائداتها المجمدة في البنوك الأميركية. وهي موارد حيوية تحتاجها القيادة السياسية الايرانية لتحسين الأوضاع المعيشية للطبقات الوسطى والفئات الضعيفة الدخل التي تضررت من وقف الدعم الحكومي. وهنا مربط الفرس وجانب من سر قبول ايران التفاوض بشكل جدي لإيجاد حل لمشكلة الملف النووي الإيراني. فالرئيس حسن روحاني نال غالبية أصوات الناخبين لأنه وعدهم بتحسين الوضع الاقتصادي وكسر العزلة التي ارتهنت ايران جراء السياسات النووية التي سلكتها حكومة الرئيس السابق احمدي نجاد. والتقطت مجموعة خمسة زائداً واحداً بقيادة منسقة السياسة الخارجية الأوروبية كاثرين آشتون الفرصة، غداة إعلان القيادة الجديدة عن الرغبة في حسم خلافات البرنامج النووي في أسابيع، وأكدت استعدادها الدخول مع ايران في مسار يضمن تنازلات متبادلة تبني الثقة وتقود تدريجاً إلى اتفاق شامل. ويعد الاتفاق إنجازاً ديبلوماسياً كبيراً بالنسبة الى الديبلوماسية الأوروبية والمنسقة آشتون في شكل خاص، حيث تمكنت من تأمين أكبر قدر من الانسجام بين مواقف فرنسية «متشددة» ومقاربات عملية من جانب بريطانياوالولاياتالمتحدة التي كانت تسلك من ناحيتها قناة سرية للتحاور مع ايران. وسجلت الجولة الثالثة من المفاوضات تغيراً في أسلوب التفاوض، حيث كانت آشتون تفاوض وزير الخارجية جواد ظريف ثم تعود إلى خبراء ومديري الشؤون السياسية ممثلي مجموعة خمسة زائداً واحداً، وهكذا إلى أن بلغت النقاشات مرحلة القرار السياسي الذي استدعى حضور وزراء الخارجية. وشاركت آشتون في كل الاجتماعات بين وزير الخارجية الأميركي ونظيره الايراني، وهي بذلك قامت بدور همزة الوصل بين مختلف الأطراف. وكان وزير الخارجية الايراني استنتج بعد الجولة الثانية أن التفاوض مع ممثلي المجموعة ككل لم يمكّن من التوصل إلى تفاهمات، ويبدو أنه طلب أن تكون كاثرين آشتون المفاوض باسم المجموعة ككل، وهو ما تم إلى حد كبير حيث تحظى آشتون بثقة الشركاء ومنهم ممثلا روسيا والصين اللذان كانا بدورهما يلتقيان الوفد الإيراني على صعيد ثنائي. ويقتضي الحكم على الاختراق الذي سُجلَ في جنيف التعرف قبل كل شيء إلى التفاصيل والقيود الملزمة للجانب الايراني. وتعلم الدول الغربية، خلال ماراثون المفاوضات الشاقة، أنها لن تكسب شيئاً إن هي لم تظهرْ مرونة كافية في التعامل مع المفاوضين باسم الرئيس روحاني، بل إن تخييب الوفد الإيراني في ظل الظروف الجارية سيؤدي آلياً إلى تقوية سطوة المحافظين جداً ومواقف الحرس الثوري الذي تنسب اليه إدارة البرنامج النووي. ولم يتأخر الرئيس روحاني عن استثمار فوائد اتفاق جنيف الانتقالي حيث استقبل الايرانيون الوفد المفاوض استقبال الأبطال الذين ثبَّتوا حق ايران في التخصيب وفتحوا أمامها نوافذ تخفيف العقوبات. ولا يهُم رجل الشارع تفاصيل الاتفاق وقبول ايران وقف تطوير البرنامج النووي وفتح منشآته أمام مراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتسليمهم المعطيات والمعلومات الضرورية مثلما يتضح لاحقاً في المقابل. وإذا استُثنِيَ عنصر المفاجأة واحتمال الكشف عن مواقع سرية مثلما حدث في حال مفاعل فوردو، فإن الاتفاق قد يمكّن ايران والدول الغربية من بدء مرحلة انفتاح تعود فيها الشركات الأوروبية والأميركية إلى السوق الايرانية وتعيد طهران من ناحيتها فرش السجاد لزوارها من الديبلوماسيين والسياسيين ورجال الأعمال من الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة. قيود ملزمة لإيران والناظر في تفاصيل الاتفاق الذي أبرمته مجموعة خمسة زائداً واحداً فجر الأحد 24 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 في جنيف يجد أن الجانب الدولي قد انتزع من الوفد الايراني الموافقة على ترسانة اجراءات صارمة من شأنها كبح جماح البرنامج النووي والحؤول دون بلوغ ايران نقطة اللاعودة أو مرحلة التفجير النووي. وإذا نُفِذ الاتفاق الانتقالي مثلما يفسره المصدر الغربي، فإن الاتفاق النهائي الذي قد يبرم بعد ستة أشهر أو سنة، سيكون اتفاقا تاريخياً. ويقول المصدر إن الاتفاق الانتقالي «يمثل خطوة أولى مهمة لأن انعدام التوصل إلى ابرامه سيعني استمرار ايران في تطوير البرنامج النووي. وإذا هي فعلت بوتيرة النشاط الذي سجلته في الأشهر الأخيرة، فإنها ستخطو نحو نقطة اللاعودة». وآنذاك قد يستيقظ العالم يوماً على نبأ تفجير نووي في أعماق ايران. وينص الاتفاق الانتقالي في ورقة من أربع صفحات بعنوان «خطة العمل المشتركة» على أن المفاوضات تهدف إلى التوصل إلى «حل شامل يضمن أن يكون البرنامج النووي الايراني سلمياً صرفاً. وتلتزم ايران بأنها، وتحت أي ظرف، لن تسعى ولن تطور أسلحة نووية». وهي بذلك تقبل ضمناً الكشف عن طبيعة النشاطات النووية في مختلف المنشآت وإجراءات تجميدها، وتقبل أيضاً عمليات التفتيش التي يتولاها خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وتبدو العبارات واضحة ولا تقبل تفسيراً آخر سوى أن ايران ملزمة بفتح منشآتها النووية لتأكيد ما التزمت بتنفيذه، وذلك بمجرد دخول الاتفاق حيز التنفيذ، أي في غضون أسابيع قليلة. وتضيف الوثيقة في المقدمة أن «الاتفاق الشامل سيمكّن ايران من التمتع بحقها الكامل في استخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية بمقتضى البنود الفاعلة في معاهدة حظر الانتشار النووي». وتثير مشكلة التخصيب عند مستوى 5 في المئة تأويلات متناقضة بين قول وزير الخارجية الايراني ان الاتفاق يضمن حق ايران في التخصيب وقول ممثلي الدول الغربية إن الاتفاق يخلو من أية إشارة إلى زعم ايران ضمان حقها في تخصيب اليورانيوم، وهذه التأويلات تثير شكوك الأطراف الاقليميين الذين لا يشاركون في المفاوضات. وتذكر مقدمة خطة العمل المشتركة أن «الاتفاق الشامل يقود إلى وضع برنامج تخصيب يحظى بموافقة جميع الأطراف وتحكمه قيود عملية في نطاق اجراءات الشفافية من أجل ضمان طبيعته (البرنامج) السلمية. وتمثل بنود الاتفاق خطة متكاملة وفق مبدأ أن لا اتفاق على شيء قبل الاتفاق حول كل شيء»، أي أن الاتفاق يخضع لمبدأ خطوة خطوة وأن كل خطوة تقابلها خطوة من الطرف الآخر، وأن كل خطوة يتم تنفيذها تكون قابلة للتراجع ما لم يتم الاتفاق حول بقية بنود الصفقة وتنفيذها كاملة. التزامات إيران الأولى وتقتضي الخطوة الأولى من الاتفاق الانتقالي سلسلة التزامات ستؤدي بعد تنفيذها إلى وقف برامج التخصيب العالية الجودة. وقد قبلت ايران وقف نشاطات تخصيب اليورانيوم عند مستوى 20 في المئة وتحويل نصف المخزون إلى اوكسيد سيجرى تحويله إلى وقود. كما يتم تحويل الكمية المتبقية إلى مادة لا يفوق معدل تخصيبها 5 في المئة. وهو معدل غير عسكري. وتلتزم ايران عدم تجاوزه خلال ستة أشهر، هي أمد الاتفاق الانتقالي. وتلتزم ايران أيضاً بألا تقوم بأي عمل من شأنه تطوير النشاط النووي في مفاعلات نتانز وإراك وفوردو، وفق توصيات الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ولتفادي كل مفاجأة قد تكشف عنها جهات ايرانية في المستقبل من قبيل المفاعلات السرية، تلتزم ايران في الاتفاق الانتقالي «عدم بناء أي موقع جديد للتخصيب». وفي المقابل «سيكون في وسع ايران مواصلة برامج الأبحاث والتنمية (العلمية)، منها النشاطات الجارية في المجال نفسه والتي لا تصنف ضمن نشاطات انتاج اليورانيوم المخصب». وتعني ترسانة الاجراءات أن ايران قبلت وقف نشاطات التخصيب في مختلف المحطات النووية زيادة عما تسمح به الوكالة الدولية لأغراض بحثية. ويعني الالتزام قبولها وقف نشاطات أجهزة الطرد المركزي ومنها الجزء الحديث جداً. وهناك التزام بأنها لن تنشر أجهزة جديدة سوى ما هو ضروري لتعويض الجهاز المعطب. الالتزامات الواردة في اتفاق جنيف الانتقالي ليست بيان نيات حسنة. فإيران لم تقبل تصدير مخزونها من اليورانيوم العالي التخصيب إلى الخارج، لكنها قبلت تحويله داخلياً. ورفضت ايضاً تفكيك أجهزة الطرد المركزي المتطورة جداً مثلما طالب بعض الأطراف الاقليميين وبخاصة اسرائيل. لكن طهران قبلت وقف نشاطها في مفاعلات نتانز وإراك وفوردو وعدم زيادتها وتعويض القديم منها فقط، وسيتم كل ذلك تحت نظر مراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. والتزمت ايران في اتفاق جنيف «تزويد الوكالة الدولية للطاقة الذرية المعلومات في شأن المصانع النووية، ووصف لكل بناية في كل موقع نووي، ووصف حجم كل عملية في كل موقع في شأن كل نشاط نووي، وتزويدها أيضاً المعلومات حول مناجم اليورانيوم ومصادر المواد الخام» ذات الصلة بالنشاطات النووية. وتلتزم ايران بمقتضى الاتفاق توفير هذه المعلومات في غضون ستة أشهر. ولا يستثني الإجراء أياً من المحطات النووية ومنها مفاعل «اراك» لإنتاج البلتونيوم. وقد قبلت ايران ضمان حرية عمل المراقبة التي يتولاها مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى المحطات النووية ومناجم اليورانيوم من دون استثناء. وسيمكّن الاتفاق الانتقالي من خلال التزامات تنفيذه تدريجاً من الكشف عن طبيعة البرنامج النووي الإيراني، وسيوفر المفتشون الدوليون الأدلة التي تحتاجها المجموعة الدولية للرد على المخاوف من احتمال أن يتضمن البرنامج النووي الايراني أجزاء عسكرية خفية. حزمة تخفيف العقوبات وفي مقابل انفتاح ايران بقيادة الرئيس روحاني، فإن مجموعة خمسة زائداً واحداً التزمت من ناحيتها في جنيف بدء مسار تخفيف العقوبات ولكن بوتيرة تدريجية. ويقتضي الاتفاق تمكين إيران من مواصلة بيع النفط في مستوى صادراتها الحالية واستعادة العائدات المالية المجمدة. وتتراوح التقديرات بين 4.5 و7 بلايين في غضون ستة أشهر. والتزمت الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي «تعليق العقوبات المتصلة بالائتمان على النفط الايراني وخدمات النقل ذات الصلة». كما التزم الجانبان الأميركي والأوروبي تعليق العقوبات التي فُرضت على منتجات البتروكيمياء وقطاع الخدمات ذات الصلة وكذلك تعليق العقوبات المسلطة على تجارة الذهب والمعادن الثمينة. وسترفع الولاياتالمتحدة القيود التي كانت فرضتها على صناعات السيارات الأميركية وقطاع غيار اسطول النقل الجوي المدني والخدمات التي تحتاجها الناقلات الايرانية في الخارج. والتزمت الولاياتالمتحدة وأوروبا ايضاً عدم فرض عقوبات إضافية أو اللجوء إلى مجلس الأمن لفرض عقوبات إضافية ضد ايران. وعلى الصعيد المالي، حصلت ايران على مضاعفة تراخيص التحويلات لأغراض استيراد الغذاء والأدوية وتمكين الطلاب الإيرانيين، خصوصاً في الجامعات الأميركية من الحصول على منح الدراسة من ودائع ايران المجمدة. الاتفاق النهائي وتأمل مجموعة خمسة زائداً واحداً وإيران بالتوصل إلى حل شامل في ظرف لا يتجاوز تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، على أن يضمن «حق الأطراف والتزاماتها في معاهدة حظر الانتشار النووي، رفع العقوبات التي فرضها مجلس الأمن والعقوبات الأحادية الجانب التي فرضتها الولاياتالمتحدة وأوروبا، والاتفاق حول برنامج تخصيب محدود يتناسب مع الحاجيات الفعلية والقدرات وكميات اليورانيوم التي يتم تخصيبها والأجل الزمني لإنجاره». وسيضمن الاتفاق النهائي حل مشكلة مفاعل اراك بصفة نهائية. ومع تنفيذ ترسانة الإجراءات، يتبقى أمام ايران المصادقة على البروتوكول الاضافي لمعاهدة حظر الانتشار النووي وتنفيذه، مع التنصيص على دور كل من الرئيس والبرلمان الايراني في القرارات المتعلقة بالبرنامج النووي والتي تنسب إلى المرشد الأعلى علي خامنئي. وآنذاك، ستكون ايران والمجموعة الدولية في وضع يمكّن من بدء التعاون النووي في الكثير من المجالات، ومنها تزويد إيران بمفاعلات بحثية متطورة تعمل بالماء الخفيف وتأمين حصولها على التجهيزات الحديثة والوقود النووي. خطوة أولى في رحلة سياسية طويلة تلقت «الحياة» الرأي الآتي بتوقيع «مجموعة الأزمات الدولية» في بروكسيل: نرحب بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في تشرين الثاني(نوفمبر) بين إيران ومجموعة ال 5+1 (الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا). يشكّل الاتفاق - الذي دعت «مجموعة الأزمات» إلى توجهاته الرئيسية منذ بعض الوقت - دليلاً على فعالية الديبلوماسية عندما تجري في مناخ إيجابي. وعلى رغم أن الاتفاق يشكّل خطوة أولى، إلاّ أنه ينطوي على مضامين مهمة، فهو ينص بشكل خاص على تجميد نواحٍ جوهرية من نشاطات إيران النووية - مخزونها من اليورانيوم المنخفض التخصيب، عدد أجهزة الطرد المركزي العاملة، والعمل في منشأة آراك التي تعمل بالماء الثقيل، وقف عمليات التخصيب في مستويات أعلى من التركيز، ووضع آليات تفتيش صارمة. والنتيجة النهائية هي فعلياً إلغاء أي احتمال لتحول البرنامج إلى برنامج عسكري من دون الكشف عن ذلك. إيران من جهتها حققت مكاسب اقتصادية وإنسانية ملموسة في شكل رفع جزئي للعقوبات، والتزام بعدم تعرضها لإجراءات عقابية إضافية في الوقت الراهن، وقبول ضمني بوجود برنامج تخصيب يورانيوم شفاف ومقيّد على أراضيها. سيكون التوصل إلى اتفاق شامل عملية أكثر صعوبة وتعقيداً. وسيكون التنفيذ الكامل للإجراءات القصيرة الأجل التي تم الاتفاق عليها؛ والالتزام بالأهداف البعيدة المدى التي اتفق عليها الطرفان؛ وبذل الجهود للمحافظة على المناخ الحالي، كلها ضرورية لتعظيم فرص النجاح في الأشهر القادمة. ويشير منتقدو الاتفاق إلى أن ثمة أخطاراً بانهيار نظام العقوبات، وأن إيران نجحت في ترسيخ برنامج تخصيب اليورانيوم وأنها ستشعر بدرجة أكبر من الجرأة للتوسع في نشاطاتها الإقليمية، إلاّ أن هؤلاء لا يقدمون بديلاً عملياً؛ ففي غياب مثل هذا الاتفاق، كان من شبه المؤكد أن برنامج إيران النووي سيتسارع، وفي هذه الحال سيكون الخيار إما القبول بتوسّعه أو الاندفاع إلى مواجهة عسكرية سيكون لها تبعات خطيرة يصعب التنبؤ بها. إلاّ أن هذا لا يبرر الانخراط في الأوهام. فعلى رغم التركيز الشديد على البرنامج النووي، لا يبدو جوهر المسألة تقنياً، أو مسألة سيطرة على التسلّح بقدر ما أن القضية جيوسياسية واستراتيجية، أي دور إيران ومكانتها في المنطقة. وهنا يكمن أكبر التحديات البعيدة المدى، وتكثر الأطراف التي يمكن أن تفسد الاتفاق خارج ايران وداخلها أيضاً. وفي المحصلة، فإن اتفاقاً نووياً شاملاً بين إيران والغرب سيكون مستداماً، فقط إذا كان مصحوباً بتقدّم يتم تحقيقه على الجبهة الاستراتيجية الأوسع، خصوصاً تسوية مختلف الصراعات التي تهدّد الشرق الأوسط. ولا يبدو هذا أكثر أهمية أو إلحاحاً مما هو في سورية، حيث عمّقت إيران من انخراطها العسكري. في النهاية، فإن صفقة يتم التوصل إليها في الشأن النووي لن تفضي بحد ذاتها إلى وضع حد للتوترات الإقليمية؛ بل ينبغي أن يتم التخفيف من حدة هذه التوترات بالتوازي مع التقدم الحاصل في المفاوضات حول البرنامج النووي. هذه مهمة بالغة الصعوبة، لكنها ضرورية إذا كان لهذه الخطوة الجديرة بالثناء أن تمهّد الطريق نحو تقدّم أكثر ديمومة.