لا خلاف على أن قناة «أورينت نيوز» السوريّة، كانت وما زالت السبّاقة في تبنّي خطاب الثورة السوريّة، عبر تغطية مجرياتها ميدانيّاً وعسكريّاً. ولا يمكن إنكار أن هذه القناة دخلت في تحدٍّ كبير مهم واستراتيجي في مواجهة آلة نظام الرئيس السوري بشار الأسد الإعلاميّة وملاحقها في لبنان والعراق، من قنوات تلفزة. ودفعت ضريبة ذلك، عبر استهداف مراسليها بالرصاص والخطف. وإذا كان انحياز القناة للثورة السوريّة مفهوماً، فإن انحيازاً من نوع آخر، بدت ملامحه تتوضّح تباعاً، يشوّش على الانحياز الإيجابي السالف الذكر. في برنامجي «تفاصيل» لمقدّمه عامر الرجوب، و«هنا سورية» لمقدّمته رولا حيدر، مثال على الانحياز ضدّ الكرد السوريين، وتكرار العزف على «أسطوانة الانفصال» و«النوايا الانفصاليّة» أثناء مناقشة الملفّ الكردي السوري وتجليّاته على خلفيّة الثورة السوريّة. وإذا كان «حزب العمال الكردستاني» ورديفه السوري «حزب الاتحاد الديموقراطي» يستحقّان الكثير من النقد على خلفيّة سياساتهما وممارساتهما المناهضة للثورة السوريّة، عمليّاً، والمؤيّدة لها لفظيّاً، فإن هذا الأمر، يجب ألا يدفع قناة إعلاميّة وإعلاميين سوريين إلى الانزلاق نحو الفبركة وتلفيق الاتهامات والغمز من القناة الطائفيّة، بفجاجة. ذلك أن تخصيص حلقة من برنامج «تفاصيل» تحت عنوان: «قادة حزب العمال الكردستاني بين الهوية العلوية والتبعية الشيعية» كان يلزمه الكثير من التدقيق والتمحيص والاستشارة من ذوي الاختصاص والاطلاع، قبل صوغ تقرير، مناقض للحقيقة، جعل «كل من قيادات الكردستاني (عبدالله أوجلان، جميل بايك، مراد قره ايلان، دوران كالكان...) من الطائفة العلويّة الكرديّة في تركيا». ولم يتساءل مقدّم البرنامج كيف لشخص، مثل عبدالله أوجلان، اسم والده عمر، واسم أمه عائشة، أن يكون علويّاً أو شيعيّاً، بالنظر إلى موقف العلويين والشيعة من زوجة الرسول وصاحبه الجليل الفاروق؟ ويضاف إلى ذلك أن بايك، مسلم سنّي من مواليد آلعزيز (الازغ) جنوب شرقي تركيا. ومراد قره ايلان، مسلم سنّي من محافظة أورفا. ولكن، هذا لا ينفي الحضور القوّي للعلويين في قيادة وقواعد الكردستاني. ويبدو أن مقدّم البرنامج وكاتب التقرير، سمعا بهذه المعلومة، وحاولا إعداد تقرير، كيفما اتفق، محشو بمعلومات غير صحيحة تماماً، بغية الاستحصال على أكبر مقدار ممكن من الشحن والتأليب الطائفي ضدّ الكردستاني خصوصاً، والكرد عموماً! وفي السياق ذاته، فإن المتابع لأسلوب مقدّمة برنامج «هنا سورية» رولا حيدر، أثناء تناولها الملف الكردي السوري، يرى أنها لا تتوانى عن تكرار اتهام الكرد بالنوايا الانفصاليّة، تصريحاً وتلميحاً. إضافة إلى محاولة الرجوب وحيدر، إحراق الكرد السوريين، بنيران سياسات وممارسات حزب الاتحاد الديموقراطي! ومن المؤسف القول: إن بعض من يُفترض بهم الدفاع عن وجهة نظر الحزب المذكور، وردّ الانتقادات الموجّهة إليه، يسيئون لأنفسهم وللكرد جميعاً، بدفاعهم الركيك والمرتبك، لجهة الأسلوب واللغة العصبيّة والتشنّج الطاغي على خطابهم. ويبدو أن الحزب الكردي، ميدانيّاً وسياسيّاً، يقدّم أفضل الخدمات للتوجّهات العنصريّة والشوفينيّة المعاديّة للكرد ومطالبهم العادلة، بينما يتولّى مثقفوه وإعلاميوه مهمّة الإسهام في تشويه الكرد السوريين وعدالة قضيّتهم وحقوقهم، عبر خطابهم الغوغائي والشعبوي على شاشات التلفزة. وبين انحياز الرجوب وحيدر الذي يقابله تشنّج وعصبيّة من يدافع عن وجهة نظر حزب الاتحاد الديموقراطيّ، يبدو أن كليهما متورّط في تقديم صورة مشوّهة للحال الكرديّة في سورية. ولئن استمر الوضع على هذا النحو، هذا يعني أن قناة «أورينت»، أناطت بنفسها القيام بدور الإساءة للكرد السوريين بجعل الحزب الأوجلاني السوري، مطيّة ودريئة وسلاح، في آن. وحينئذ، لن ينفع قناة «أورينت»، ولن يبرّئها من هذا السلوك، حتّى لو بثّت برامجها، 24 ساعة باللغة الكرديّة، هي التي أطلقت القسم الكردي أو نشرة خبريّة بالكرديّة، ودخلت بيوت 3 مليون كردي سوري.