لم يعد الأطباء غُرباء عن نجومية التلفزيون، كما لم تَّعد برامجهم مُمّلة جامدة، تعرض لجمهور متخصص في أوقات تنخفض فيها بالعادة مُعدلات المشاهدة التلفزيونية، بل إن بعضهم مثل الدكتور فيل والدكتور اوز، تحوّلوا الى أهم نجوم تلفزيون الظهيرة في الولاياتالمتحدة، وبرامجهم أضحت تجذب جمهوراً من كل الأنواع، ليس فقط بحثاً عن المعلومة الطبية، بل عن الترفيه أيضاً، والذي صار يشكل جزءاً من بناء هذه البرامج وهويتها. وإذا كانت البرامج الطبية التلفزيونية الأميركية لم تَخرج في مجملها من حدود الاستوديو، مقتربة في شكلها الفني من برامج الحوارات التلفزيونية المعروفة، ولكن مع فارق أن المقدمين والذين يقودون النقاش ويقدمون النصيحة هم من الأطباء المتخصصين، فإن برامج الطب البريطانية مثلاً، لم تتأثر بهذا الاتجاه الآتي من أميركا، ربما خوفاً من المنافسة مع البرامج الأميركية ذاتها، والتي تعرض على الشاشات البريطانية، او رغبة في كَسر رتابة الشكل التلفزيوني المعروف، والإنطلاق خارج الاستوديو بحثاً عن اتجاه تلفزيوني خاص. يأتي البرنامج التلفزيوني البريطاني الجديد «ثق بي فأنا طبيب» الذي تُقدمه القناة الثانية ل «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) وكأنه إستجابة لردود الفعل الشعبية غير الراضيّة عن تضارب البحوث الطبية التي تخص الغذاء والدواء، والتي تتغير كل بضعة أعوام تقريباً. فالبيض الذي تم التحذير من أكله بكثره قبل عقد من الزمان، عاد بحث جديد وشجع على تناوله، وكذا الحال مع اللحوم والأسماك، وممارسة الرياضة او تناول حبوب النوم وغيرها. َيعد «ثق بي فأنا طبيب» مشاهديه بأنه سيقدم لهم كل ما يودون معرفته عن صحتهم، مستنداً هذه المرة الى خبرة فريقه من الأطباء المعروفين، وأيضاً الى آخر البحوث الطبية التي أجري بعضها بتكليف من البرنامج. وتناول في حلقته الأولى موضوعة تناول حبوب الفيتامينات، وإذا كانت أجسامنا تحتاجها فعلاً، وللتحقيق في هذا الأمر، قام أحد أعضاء فريق التقديم، بتناول ما اعتاد على تناوله من فيتامينات، ثم جرى تحليل دمه. وكشفت النتائج إن من يتناول الطعام المُعتدل ليس في حاجة الى حبوب إضافية. وضمن فقرة التحقيق في الأساطير الشعبية عن صحة الإنسان والأمراض، بحثت الحلقة الأولى في ما يعتبره كُثر حقيقة لا جدال فيها، أي أن الخروج بشعر مُبلل ممكن أن يزيد من فرص التعرض لنزلات البَرِّد. وأكد البرنامج هذه «الإسطورة» معتمداً على تفسيره الطبي الخاص. يأخذ البرنامج فترات بحث أطول مع بعض الموضوعات التي يتناولها، منها الأخطار الصحية للجلوس الطويل، والتي شغلت الرأي العام الاوروبي الشهر الماضي، بسبب بحث أخير أكد ان الجلوس الطويل قاتل للإنسان (تفرض الحكومة الدنماركية منذ بداية هذا العام على كل شركة في البلد توفير مكاتب لموظفيها من التي يمكن تعديلها لتُمكن من العمل وقوفاً). وطلب البرنامج من موظفي شركة بريطانية صغيرة تجريب العمل اليومي المعتاد ولكن من وضعيات الوقوف، لمدة اسبوع كامل، وتسجيل ضربات القلب وفحوص أخرى. النتيجة جاءت لتؤكد ما ذكرته البحوث الطبية الاوروبية من أن فترات الجلوس الطويلة شديدة الخطورة على المدى البعيد وتُقَصّر الأعمار. مع الحيوية الشديدة وبعض الكوميديا التي يقدمها البرنامج، هناك أيضاً التفاني الواضح لفريق التقديم من الأطباء، ومنهم طبيبة بريطانية من أصول باكستانية، واجتهادهم في التحقق من المواضيع العلمية التي يتعرضون لها، حتى لو أدى ذلك الى كشف بعض خصوصياتهم، كالأمراض والأدوية التي يتناولونها بأنفسهم. لكنّ البرنامج، لا يمكن أن يكون المرجعية الوحيدة والنهائية للمشاهد (كما أوحى البرنامج بذلك)، فالعلم الذي يتقدم كل يوم، يمكن أن ينظر بعد عام الى الخلاصات التي وصل اليها برنامج «ثِّق بيّ فأنا طبيب» على إنها حقائق من الماضي.