سجلت القناة الرابعة البريطانية (C4)، لسبعة ايام متتالية، بواسطة كاميرات وضعت في غرف جلوس بيوت عادية، عادات مشاهدة وردود فعل بريطانيين ينتمون الى طبقات اجتماعية وفئات أعمار مختلفة، على برامج تلفزيونية. النتيجة أن البريطانيين الذين شملتهم التجربة، ما زالوا، وعلى رغم سعة المشهد التلفزيوني في بريطانيا وتعدد منافذه، يضحكون ويتألمون ويغضبون ويتأثرون ويذرفون الدموع في اللحظات ذاتها تقريباً أثناء مشاهدة برامج، معظمها بريطانية، تقدم قضايا إنسانية محلية. «عشرون مليون بريطاني يقضون مساءاتهم أمام شاشات التلفزة كل يوم تقريباً، ويشاهدون ما معدله أربع ساعات يومياً»... بهذه الأرقام المستندة إلى إحصائية حديثة يفتتح برنامج «غوغل بوكس» حلقته الاولى. ما زال جهاز التلفزيون يجمع العائلات والأزواج والأصدقاء والصديقات أمام شاشاته كل مساء تقريباً، في فعل أصبح من شدة تلقائيته، بعيداً من المساءلة والتفحص والدراسة، على رغم ما يتضمنه هذا «الفعل» والتفاعل بين المشاهد وما يعرض على الشاشات، من أهمية للقنوات التلفزيونية، بخاصة التجارية منها، من جهة تحديد البرامج والأوقات الزمنية التي تصلح لوضع الإعلانات التجارية. الزاوية التي صورت بها غالبية مشاهد البرنامج، غير مألوفة وليست شائعة كثيراً، فالكاميرا وضعت خلف جهاز التلفزيون باتجاه فضاء الغرفة، والجالسون بدوا في جلساتهم اليومية، مختلفين أيضاً، بسبب زاوية التصوير تلك. كما ان معظم الانتباه في تلك المشاهد اتجه الى أجهزة التلفزيون التي لا تظهر في المشهد، فيتحدث الجالسون الى تلك الأجهزة، أحياناً بغضب ومرات بحميمية، كما يتوجهون الى أصدقائهم... حتى عندما يرغب الجالسون الحديث معاً، لا يتوقفون عن التحديق بشاشاتهم التلفزيونية، كما بدا انهم نسوا أحياناً وجود الكاميرات ليظهروا على سجيتهم. أثار مرض الملكة البريطانية اليزابيث الثانية قبل أشهر، والذي نقلته بجدية نشرات الأخبار، كثيراً من التعاطف من غالبية المشاركين في البرنامج، فهي تملك مكانة بين البريطانيين لا يمكن إنكارها، حتى بالنسبة الى الذين لا يحملون الكثير من الوّد للعائلة المالكة. تتحدث بعض النساء المُسنّات عن ملكتهن، وكأنها فرد من العائلة، فهن لم يعرفن ملكة سواها في حياتهن، وعندما يعود موضوع الملكة في الحلقة الثانية من البرنامج، عندما تعرض قناة «الاي تي في» برنامجاً تسجيلياً لمتابعة يوميات الملكة، يثير البرنامج اهتماماً كبيراً، حتى بالنسبة الى جيل الشباب. اللافت أن البرامج التسجيلية التي ترافق بريطانيين عاديين في عملهم وحياتهم، حازت الاهتمام الأكبر لدى عيّنة المشاهدين التي اختارها البرنامج التلفزيوني، وتفوقت على المسلسلات والأفلام، فمثلاً حصل برنامج تسجيلي رافق فريق توليد في أحد المستشفيات على تعاطف المشاهدين واهتمامهم الكبيرين. ووصلت ذروة التعاطف مع لحظات الولادة لنساء ذلك البرنامج، كما تفجرت لحظات من الحنين والحب من الآباء والأمهات المشتركين في التجربة التلفزيونية وأعادتهم الى أزمان ولادة أبنائهم، فالأب الآتي من باكستان التفت الى ولده الشاب الجالس بقربه وهمس في أذنه: «لا شيء يُعادل أن تحمل طفلك الذي ولد للتو، لا شيء يعادل جمال تلك اللحظات في الحياة». يمكن القنوات التلفزيونية أن تجني بعض الفائدة من مراقبة سلوك مشاهدي برامجها، لكن برنامج «غوغل بوكس» يملك قيمته الترفيهية الخاصة، كما أن هناك مقداراً من الكوميديا المسلية ولحظات عاطفية محببة عن الحياة اليومية لعائلات عادية، والتي وجدت في أجواء الألفة بين العائلة او الأصدقاء في غرف جلوسهم المناخ المناسب لكي تنطلق من دون قيود. البرنامج البريطاني يكشف من جانب آخر أن بريطانيا كحال دول أخرى أوروبية، ما زالت بعيدة من هيمنة القنوات التلفزيونية الدولية العابرة للقارات، والتي تقدم البرامج الأميركية بكثافة، كما أن الأخيرة لا تحجز معظم ساعات البث في قنوات تلفزيونية محلية كما يحدث في عدد من دول العالم.