بلغ السجال الديبلوماسي بين المغرب والجزائر بسبب النزاع المتجدد بشأن قضية الصحراء الغربية، ذروته. وبعد خطاب ملك المغرب محمد السادس مساء الاربعاء والذي اتهم فيه «الخصوم» ب»شراء أصوات ومواقف بعض المنظمات المعادية» للمغرب، رد رئيس الحكومة الجزائرية عبدالمالك سلال أمس، قائلاً إن بلاده «لا تريد أن تعطي أي درس لأحد من الجيران وتريد فقط أن تعيش في هناء». وقال سلال: «الجزائر رفضت لعب دور الدركي في المنطقة، كما أنها تنأى بنفسها عن إعطاء الدروس للآخرين». ولمّح في الكلمة التي ألقاها أثناء اجتماعه بأعيان ولاية أدرار (جنوب غرب) إلى تطورات الأزمة الديبلوماسية بين بلاده والمغرب. وقال: «الجزائر تبحث عن الهناء والإستقرار وتريد تصدير الإستقرار لكل المنطقة، وستقدم المساعدة لمن يطلب عونها، لأن الجزائر، رسمياً وشعبياً، تريد الخير وليس الشر». ولفت إلى أن الجزائر «لم يمسها الربيع العربي لأن شعبها واحد متماسك ومتضامن». وأضاف: «صحيح أن الشعب الجزائري يرفض الاقصاء والظلم لكنه شعب متآزر»، مؤكداً بأن الدولة «تعمل كل ما في وسعها لمحاربة الاقصاء». وكان الملك محمد السادس انتقد بشدة موقف السلطات الجزائرية، من دون أن يسميها، من قضية الصحراء. واتهمها ب»إهدار ثروات وخيرات شعب شقيق» في قضية لا تعنيه. وقال في الخطاب الذي ألقاه في الذكرى ال38 لانطلاق المسيرة الخضراء التي مكنت المغرب من استرداد المحافظات الجنوبية، إن السبب الرئيس في التعامل غير المنصف مع المغرب، يرجع بالأساس لما يقدمه الخصوم من أموال ومنافع، في محاولة لشراء أصوات ومواقف بعض المنظمات المعادية لبلادنا»، في إشارة إلى منظمات حقوقية قال أنها تتخذ من بعض التصرفات المعزولة «ذريعةً للإساءة لصورة المغرب وتبخيس مكاسبه الحقوقية والتنموية» عبر تقارير «جاهزة». وركز ملك المغرب على الجانب الحقوقي في تداعيات خلاف الصحراء، موضحاً أن هناك مَن «يصدقون ظلماً وعدواناً، أي شخص يدعي أنه تم المس بحق من حقوقه، أو أنه تعرض للتعذيب، ولا يأخذون بعين الاعتبار أحكام العدالة»، مؤكداً أن كل الدول ترفض تعريض أمنها واستقرارها لمخاطر «لأن حقوق الإنسان تتنافى مع العنف والشغب وترهيب المواطنين». وصرح الملك محمد السادس بأن «مصدر سوء التفاهم الحاصل أحياناً بين المغرب وبعض شركائه الإستراتيجيين في ملف حقوق الإنسان، يحتم طرح السؤال: هل هناك أزمة ثقة؟ أم أن هناك شيئاً غير طبيعي في هذه المسألة؟». وأوضح أن «بعض الدول يكتفي بإبقاء موظفين لرصد الأوضاع في المغرب. ويكون من بينهم مَن له توجهات معادية لبلادنا، أو متأثرون بطروحات الخصوم، وهؤلاء هم الذين يشرفون على إعداد الملفات والتقارير المغلوطة التي على أساسها يتخذ المسؤولون بعض مواقفهم». واتهم الجزائر من دون أن يسميها بالمسؤولية إزاء التعاطي غير المنصف مع المغرب، من خلال تمويل بعض التنظيمات التي لم يسمّها أيضاً. وقال أن المغرب «ليست له أي عقدة في التجاوب الإيجابي مع التطلعات المشروعة لمواطنيه أينما كانوا، وهو أنشأ بهذا الصدد مؤسسات وآليات لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها، تتمتع بالاستقلالية والصدقية، كما تنص عليها المعايير الدولية. لكنه يرفض تلقي الدروس في هذا المجال، بخاصة من طرف مَن ينتهكون حقوق الإنسان بطريقة ممنهجة». وقال: «مَن يريد المزايدة على المغرب، فعليه أن يهبط إلى تيندوف، ويتابع ما تشهده المناطق المجاورة من خروقات لأبسط حقوق الإنسان». وهذه هي المرة الأولى التي يتحدث الملك محمد السادس عن انتهاكات في تيندوف التي تؤوي مخيمات «البوليساريو» جنوب غربي الجزائر. وشدد على استمرار التزام بلاده التعاون مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والمبعوث الشخصي للأمين العام إلى منطقة الصحراء كريستوفر روس، والدول الصديقة، «من أجل إيجاد حل سياسي ونهائي للنزاع المفتعل». ورهن ذلك بمبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب منذ عام 2007. وعرض الأوضاع في منطقة الساحل جنوب الصحراء وتعزيز علاقات بلاده ب»الأسرة الإفريقية»، مؤكداً أن الرباط «لن تدخر جهداً في سبيل إرساء السلم والاستقرار بمختلف مناطق القارة الإفريقية، والمساهمة في حل النزاعات بالطرق السلمية والمشاركة في عمليات تحفظ السلام برعاية الأممالمتحدة». وحضّ حكومة رئيس الوزراء عبدالإله بن كيران على التنسيق والتعاون أكثر مع الدول الإفريقية مع مختلف المجالات وإبرام اتفاقات التجارة الحرة وتحقيق اندماج اقتصادي إقليمي. كما أعلن عن بلورة سياسة جديدة في التعاطي وملفات الهجرة القادمة من بلدان إفريقية، وفق مقاربة إنسانية شاملة.