قاومت طويلاً وحاولت جاهدة التغلب على شعورها بالضعف. فجأة بدأ الخوف والحزن في التسرب إليها، بعد أن ازدادت مساحة اليأس والألم. هذا ما حدث لأم محمد ذات ال 50 عاماً، عندما وجدت نفسها فجأة مهددة بالطرد من المنزل لتأخرها في دفع الإيجار. وعلاوة على ما سلف تعاني العجوز الخمسينية من أمراض مزمنة فقدت معها طعم الحياة وغيبت لحظات السعادة عنها، في مقدمها السمنة المفرطة والربو الشعبي والسكري وارتفاع ضغط الدم والتهاب المفاصل، ناهيك عن استئصال ورم خبيث دهمها في الثدي الأيمن، إضافة إلى تكيس في الثدي الأيسر تحول إلى هاجس يقض مضجعها. أمام هذه الظروف وللتخلص من التعاسة التي تطاردها، قررت أم محمد أن تتزوج بعد انفصالها من زوجها الأول، خصوصاً بعد شعورها بحاجتها إلى من يهتم بها، إلا أن زواجها لم يستمر عاماً واحداً. وإذا كان كبر السن والأمراض المتتابعة أعجزاها عن تأمين الحد الأدنى من الضروريات الخاصة بها، واضطراها إلى هذه الزيجة، فإن عصبية زوجها الجديد عجلت بالطلاق، خصوصاً أنها كانت تريد من يخفف آلامها ومصائبها، لا إلى من يزيد أوجاعها ويحمّلها فوق طاقتها. الأمراض ليست هي المعضلة الوحيدة في الحياة، فالحزن بات رفيقاً لها حتى قبل طلاقها، فهي فقدت طفلتها ذات ال 10 أعوام نتيجة خطأ طبي، فيما هجرها ابنها وأشغلته الحياة عنها ولا تعلم ما الذي حلّ به، والمحصلة أنها لا تجد من يعولها في هذه السن. وبصوت لا يكاد يسمع، تقول أم محمد: «أنا وحيدة ولا أدري ماذا أفعل أو ماذا يمكن أن أكون أمام الظروف القاسية في هذه الحياة، ليس لي منزل أسكن فيه»، موضحة أنها باتت مهددة بالسكن في الشارع لعدم قدرتها على سداد الإيجار. ولا تخفي أم محمد أن أهل الخير يقفون إلى جانبها، «لكن كرامتي تجعلني أرفض مد يدي، خصوصاً أنني كنت موظفة في إحدى الجهات الحكومية وأتسلّم راتباً شهرياً»، مشيرة إلى أنها لا ترغب سوى في الاستقرار وعدم الحاجة إلى الناس. وتضيف: «بدأت رحلة المتاعب والآلام بعد أن اكتشف الأطباء وجود ورم في ثديي الأيسر، وأحتاج إلى تنويم في أحد مستشفيات الرياض لمتابعة حالتي»، مستدركة أنه سبق استئصال جزء من ثديها الأيمن بسبب الورم. لم تنفك أم محمد عن ترديد عبارة «الحمد لله على كل حال»، معتبرة أن ما تمرّ به هو ابتلاء من عند الله، «آلام المرض تحرمني النوم ولا أجد من يعولني أو يقف إلى جانبي أو من يساندني بعد أن انفصلت عن زوجي الثاني بسبب غضبه الشديد، الذي لم أستطع أن أتحمله، خصوصاً أنني مصابة بالسكر». وتؤكد أن العلاج الذي تستخدمه أسهم في زيادة وزنها، ما حولها إلى شبه مقعدة بسبب صعوبة حركتها، إضافة إلى تسبب ذلك في إصابتها بالتهاب المفاصل، لافتة إلى أن هذا الوضع أعجزها عن تأمين رزقها بعد أن أحيلت إلى التقاعد براتب شهري 1200 ريال يذهب معظمه للعاملة المنزلية. يذكر أن التقرير الطبي الصادر عن أحد مستشفيات الرياض في 27- 3- 1430ه يؤكد أن أم محمد تعاني من السمنة المفرطة والربو الشعبي المزمن وداء السكري وارتفاع ضغط الدم والتهاب المفاصل، إضافة إلى الورم الخبيث الذي تم استئصاله من الثدي الأيمن، لافتاً إلى حاجتها إلى معاينة استشاري جراحة عامة.