قبل أن تختار الجماعات المسلحة في الموصل الصحافيين العراقيين هدفاً للتصفية والاغتيال، كان أبناء مهنة المتاعب يعانون مصاعب جدية تعيق استمرارهم في العمل، أو تأدية الحد الأدنى منه. ويعمل غالبية مراسلي المحطات الفضائية والصحف ووكالات الأنباء في المدينة المضطربة، بأسماء مستعارة، بينما يحرص كثير منهم على صوغ تقارير متحفظة، توفر المعلومات الحقيقية عن الوضع في المدينة، لحماية حياة كتّابها. ويشكو محررون وصناع قصص من أداء خجول لمراسلي المدينة، لأنهم لا يستطيعون الحصول على معلومات وافية عن تفاصيل الوضع الأمني، مثلاً، ويقول هؤلاء إنهم لا يضغطون على مندوبيهم في الموصل، لأنهم يخافون على حياتهم، ولا يرغبون في المخاطرة بهم. وأخبر مصدر مطلع في محافظة نينوى، «الحياة»، بأن عدد الصحافيين العراقيين من سكان المحافظة، الذين يعملون بأسماء صريحة قليل جداً، لكنهم يقومون بتدابير مختلفة لتحاشي التعرض لاستهداف المسلحين. ويشرح المصدر بعض آليات عمل الصحافيين في الموصل بالقول، «إنهم ينقلون محلات سكانهم بين فترة وأخرى، ويخفون حقيقة نشاطهم ويدعون مهناً يقومون بها غير الصحافة، ولا يتواجدون في مكاتبهم، ويفضلون العمل في بيوتهم». ويؤكد أن التقارير الصحافية ذات الطابع الاستقصائي تكتب من قبل صحافيين من خارج المدينة، يحاولون دخولها لفترة زمنية محددة، يقومون خلالها بالاستعانة بصحافيين محليين يقدمون مقداراً معيناً من المعلومات. ودفعت هذه الأجواء صحافيين من سكان الموصل، إلى الاستقرار في مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان، والعمل من هناك على تغطية أحداث مدينتهم، وفي هذا يعتمدون على سلسلة من الاتصالات مع أشخاص نافذين في الحكومة المحلية. ويستند زياد العجيلي، المدير التنفيذي لمركز الحريات الصحافية، إلى مسح أجراه الشهر الماضي، حين أكد، في تصريح إلى «الحياة»، أن ما يقرب من 40 صحافياً وإعلامياً قاموا بهجرة جماعية من المدينة، بعد سلسلة الاغتيالات التي شهدتها المحافظة. وغادر 12 صحافياً المدينة متوجهين إلى تركيا، فيما غادر 6 آخرون إلى إقليم كردستان، وتوجه ما يقارب من 20 صحافياً إلى الأقضية والنواحي والقرى الواقعة تحت سيطرة إقليم كردستان، والتي تعدُ أكثر استقراراً. لكن هذا الضغط الذي يعانيه صحافيو الموصل، فرض نمطاً مغايراً من العمل الصحافي، ليس أقله البعد عن ساحة الحدث، ومصادر المعلومات. ولو صحت التسمية فإن تقارير صحافية تكتب «من بعد» في شأن الوضع في الموصل. سوى ذلك، فإن نجاحات صحافية حققها مراسلون وكتاب من حلال قصص استقصائية شنوا فيها حملة كشف منظمة عن رسوم الجباية القسرية التي تفرضها الجماعات المسلحة على رجال الأعمال في المدينة. وبدأ صحافيون عراقيون، بعضهم من الموصل، نشر قصص عن الأموال الطائلة التي تجنيها التنظيمات المتشددة من المراكز التجارية في المدينة، فيما تلقفت الصحافة المحلية هذه القصص وجعلتها مادة يومية لها. وعلى ما يبدو فإن الصحافيين الموصليين دفعوا ثمن شجاعتهم سريعاً، حين بدأت الجماعات المسلحة تنفيذ عمليات اغتيال ضدهم. ويقول ضابط في شرطة المحافظة إنه «اكتشف مع قوة أمنية خاصة وكراً لجماعة مسلحة تابعة لتنظيم القاعدة كان يحوي قائمة ل 40 صحافياً موصلياً مطلوبين للاغتيال من قبل عناصر الجماعة». لكن العثور على قائمة الصحافيين المطلوبين للقتل، لم يكن كافياً لحمايتهم. غزوان أنس، مقدم برامج رياضية وترفيهية في قناة «سما الفضائية، لم يكن في مهمة صحافية ذات طابع سياسي أو امني، لكن أربعة مسلحين اقتحموا منزله في 30 تموز(يوليو) الماضي، في حي سومر الذي يقع جنوب شرقي المدينة. المسلحون فتحوا النار على أنس وقتلوه على الفور، وأصابوا طفلته الرضيعة وزوجته ووالدته. ولم تأت الأيام اللاحقة في المدينة إلا بمزيد من الموت الذي لاحق أبناء مهنة المتاعب حتى في غرف نومهم. مراسل «رويترز» اختطف لساعتين قبل أن يطلق سراحه. مراسل «الشرقية» اغتيل مع مصوره يوم 5 تشرين الأول (أكتوبر)، وبعدها بأيام قتل إعلامي يعمل في الحكومة المحلية، وبالتزامن مع هذه الحوادث اعتدى مجهولون على مراسل قناة «المسار». ويقول العجيلي ل «الحياة»، إن «عام 2013 هو الأكثر فتكاً بالصحافيين العراقيين، إذ بلغت الانتهاكات 293 انتهاكاً، إلى جانب 68 حالة احتجاز واعتقال و95 حالة منع وتضييق و 68 حالة اعتداء بالضرب و7 هجمات مسلحة».