شكل استبعاد رئيس مجلس الأعيان (مجلس الملك) في الأردن طاهر المصري عن المشهد السياسي أول من أمس، صدمة للمكون الفلسطيني الأكبر في البلاد بعد المكون الأصلي الذي تمثله العشائر الأردنية، على اعتبار أن الأخير الذي يتحدر من مدينة نابلس الفلسطينية والمعروف بميوله الإصلاحية، ظل لسنوات طويلة أحد أهم رجالات الدولة القريبين من مؤسسة اتخاذ القرار. وكان الملك عبد الله الثاني أقال مساء الخميس المصري من منصبه، وعين بدلاً منه رئيس الوزراء السابق عبد الرؤوف الروابدة الذي يتحدر من مدينة إربد، ثاني أكبر المدن الأردنية، ويعتبر أحد أبرز رجالات الدولة المحسوبين على التيار المحافظ. كما صدر مرسوم يقضي بحل مجلس الأعيان (البوابة الثانية للبرلمان) وتعيين مجلس جديد تغلب عليه الصبغة المحافظة، التي مثلها في التشكيلة الحديثة رؤساء وزارات ووزراء سابقون محسوبون على التيار الذي رفض بقوة خلال العامين الماضيين كل الخطابات التي أفرزتها انتفاضات «الربيع العربي» ودعت إلى إصلاحات جذرية على الدستور من شأنها المس بصلاحيات العائلة المالكة. وعلمت «الحياة» أن تياراً قوياً داخل صنع القرار سعى طيلة الفترة الماضية إلى إطاحة المصري، بعدما وجّه الأخير جملة انتقادات لأداء الحكومات ولخريطة الإصلاح التي أعلنها الجانب الرسمي. وأن الأخير تفاجأ بقرار إقالته، ولم يعلم باستبعاده من المنصب إلا بعد الإعلان الرسمي. وكان المصري انتقد مراراً القانون الذي أجريت على أساسه الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وأدى إلى تعزيز قبضة المحافظين على سدة المؤسسة التشريعية. وقال المصري في مقابلة سابقة مع «الحياة» إن هناك «قوى ظلامية تبحث عن مصالحها بعيداً من هموم الشعب الأردني، وتسعى إلى القتل والذبح، وتفتيت الوحدة الوطنية». وسبق للمصري أن عمل وزيراً للخارجية في حكومات سابقة، وتولى رئاسة الحكومة عام 1991، ورئاسة البرلمان عام 1993. ولم تتردد شخصيات من داخل المكون الفلسطيني عن انتقاد التشكيلة الجديدة لمجلس الأعيان، فضلاً عن استبعاد المصري. وفي أول تصريح علني، قال النائب الأول لرئيس مجلس النواب، خليل عطية الذي يتحدر من أصول فلسطينية «بتنا أمام تشكيلة جديدة لمجلس الأعيان من دون الرجل التوافقي الإصلاحي طاهر المصري، ومن دون أسماء كنا متأكدين أنها يجب أن تكون موجودة كعبد الكريم الكباريتي وعون الخصاونة، ولا نعلم ما هي الرسالة من وراء ذلك». وقال المحلل السياسي المطلع كثيراً على تفاصيل القرار الأردني، فهد الخيطان، إن استبعاد المصري «كان متوقعاً من ناحية سياسية، لا سيما أنه كانت هناك محاولات حثيثة لإطاحته من وراء الكواليس». وأضاف في اتصال مع «الحياة»: «المؤكد أن المصري لم يكن مرغوباً لدى الحرس القديم، إذ ينظر إليه على أنه إصلاحي أكثر من اللازم، وأنه غيّر من دور مجلس الأعيان بما يخالف التقاليد الأردنية المعروفة، والتي كانت تجعل من هذا المجلس مجرد مدافع عن سياسية الحكومة». في المقابل، نفى الوزير السابق في الحكومة الأردنية سميح المعايطة، وهو أردني الأصل، أن يكون المصري تعرض للاستبعاد، وقال ل «الحياة»: «طاهر المصري رجل سياسي مثله مثل غيره، ومن الممكن أن يدخل مرة أخرى في مواقع رسمية مختلفة، وقد يأتي رئيساً للوزراء على سبيل المثال». وتابع: «تشكيلة الأعيان الجديدة تحوي خبرات كبيرة تمثل في غالبيتها الجانب البيروقراطي الأردني، ومعظم الشخصيات التي تم تعيينها تملك نزعة محافظة، وهذا ليس مثلبة كما يروج له البعض. التيار المحافظ في الدولة ليس معادياً للإصلاح إنما يملك وجهة نظر مختلفة في تفاصيل العملية الإصلاحية». وضمت التشكيلة الجديدة شخصيات محافظة من طراز رؤساء وزارات سابقين، مثل معروف البخيت وفيصل الفايز، إضافة إلى وزير الداخلية السابق نايف القاضي. واللافت أن هذه التشكيلة استبعدت تماماً أياً من رموز المعارضة أو جماعة «الإخوان المسلمين»، التي حرصت الدولة مراراً على حجز مقعد رمزي لها، شغله المراقب السابق، عبد المجيد ذنيبات لدورتين متتاليتين. وكان لافتاً أيضاً، أن التشكيلة احتوت على 9 نساء، وعلى لمسة يسارية مثّلها الوزيران السابقان موسى المعايطة وبسام حدادين. وكان العاهل الأردني قال قبل أيام إن أداء الإدارة الأردنية «شهدت تراجعاً في الأداء وترهلاً غير مقبول، يجب العمل على تداركه، خدمة لصالح البلاد».