وسط حال من عدم اليقين، يترقب الأردنيون تشكيل لجنة وزارية بعد انتهاء عطلة عيد الأضحى لدراسة خيارات تعديل قانون الانتخابات التشريعية، بحسب ما أمر الملك عبدالله الثاني الأربعاء الماضي، في خطوة متوقعة أعقبت مفاجأة حل مجلس نيابي انحدرت شعبيته إلى أدنى مستوى بعد ولادته المشوهة قبل عامين. و «الانتخابات النيابية المبكرة» بموجب القانون - أي في غضون أربعة أشهر من حل المجلس - مع أنها قابلة للتأجيل، باتت عنوان الوعد الذي قطعه الملك عشية العيد وسط ترحيب الشارع والنخب، بعد أن أظهرت استطلاعات «المعهد الجمهوري الدولي» أن اثنين من ثلاثة اردنيين لا يعتقدون أن مجلس النواب الاخير يمثّلهم. خلال الأسابيع الماضية، كرّر الملك مصطلح «انتخابات مبكرة» في لقاءات تشاورية مغلقة مع سفراء دول غربية، بحسب ما أسرّ ديبلوماسيون ل «الحياة». وهؤلاء أبدوا تفهماً لدوافع إحباط الملك من تصرفات المجلس النيابي «بعدما خرج عن نطاق السيطرة لتصفية حسابات شخصية ضيقة»، وأخذ يعطل عمل الحكومة، ويفشل برامج إصلاح اقتصادي، لا سيما معارضته مشروع قانون ضريبة دخل عصري وآخر لتحصين أموال الضمان الاجتماعي الصيف الفائت، ما استدعى فض الدورة الاستثنائية للمجلس وتأجيل الدورة العادية شهرين حتى مطلع كانون الأول (ديسمبر). في الأثناء، أقرت الحكومة تعديلاً موقتاً لبند من قانون الضمان لوقف استنزاف المدخرات ضمن مسعى القيادة لتنويع الخيارات بعيداً من مطبات المجلس التشريعي. لكن من المستبعد أن يتغاضى ديبلوماسيون غربيون، شأنهم شأن بعض الساسة، عن تغييب الحياة البرلمانية لأبعد من صيف 2010، مع اللجوء الى إقرار قوانين موقتة كما حصل بين 2001 و 2003. في ذلك الوقت أقرّت السلطة التنفيذية ما يزيد عن 200 تشريع موقت لتسريع عملية عصرنة أطلقها عبدالله الثاني بعد أن اعتلى العرش عام 1999. واليوم يتوقع أن ترفض هذه الجهات تعطيل مجلس الأمّة، في غياب توافق وطني حول هوية الأردن الحديث وشكله، ما سيعمّق حدة الأزمة السياسية الداخلية كما حصل سابقاً. يطالب هؤلاء بأن تكون خطوة حل مجلس النواب محطة انتقالية تعبر منها البلاد الى مرحلة تحديث سياسي قائم على اصلاح الاطار القانوني للعملية الانتخابية على نحو يعزز تمثيل الأردنيين جميعاً بغض النظر عن الأصل والفصل في بلد نصف سكانه من أصول فلسطينية، وهؤلاء لطالما اشتكوا من التهميش السياسي لمصلحة الشرق اردنيين، العمود الفقري للدولة. كما يريدون تفعيل دور مجلس الأمّة كسلطة تشريعية ورقابية من خلال كتل سياسية وأحزاب لها برامج عمل واضحة تتمثل في الحكومات القادمة وتكون قادرة على منح أو سحب الثقة من دون تدخلات القصر او الأجهزة الامنية. ولم يستبعد وزير عامل إجراء انتخابات متعددة الطبقات، لا مركزية، وبلدية، وتشريعية. مداولات اللجنة الوزارية المقبلة ستقيس جدّية توافر الإرادة السياسية العليا حيال إدخال تعديلات جوهرية لتطوير أساليب إدارة الحكم السياسي ضمن مشروع متكامل يوازن بين استحقاقات الإصلاح وحماية هوية الدولة ومؤسساتها بعد انسداد أفق قيام دولة فلسطينية مستقلة تعيش الى جانب إسرائيل، ما فتئ الأردن يراهن عليها كثيراً لضمان أمنه الوطني. فخطاب الاصلاح السياسي فقد رونقه بعد سنوات من الوعود والمماطلة والتسويف، معطوفة عليه خيبة أمل من تراجع مسار العودة إلى الاصلاحات الديموقراطية الذي أعقب أحداث شغب عام 1988. ويظل السؤال: هل سيتواصل الدفع باتجاه تعديلات شكلية تطور كل إجراءات العملية الانتخابية مع الإبقاء على «قانون الصوت الواحد المجزأ» الذي بدأ العمل به عام 1993، لكسر نفوذ التيار الاسلامي المعارض معاهدة السلام الاردنية – الإسرائيلية؟ على هذا المسار سيستمر الثقل التمثيلي لمناطق نائية ذات غالبية شرق أردنية او للتيارات المحافظة والقوى العشائرية على حساب المدن المكتظة والمختلطة. وقد يستنسخ مجلس نيابي جديد بمواصفات الطبعة القديمة ذاتها، أو ربما أسوأ؟ أم أن الحراك الملكي سيدشن مرحلة مختلفة لتكريس بناء دولة عصرية قائمة على أسس المواطنة والمساواة في الحقوق المدنية، من خلال صوغ قانون انتخابي جديد يؤثر جذرياً في تقسيم الدوائر الانتخابية على أسس أكثر عدالة تضمن المساواة النسبية بين تلك الدوائر وتمنع نقل الأصوات بين الدوائر وتضمن سرية التصويت، وبالتزامن، إنشاء هيئة وطنية عليا مستقلة تتمتع بالحياد والنزاهة للإشراف على مراحل العملية الانتخابية، على ان يكون للسلطة القضائية الدور الأكبر في إدارتها وزيادة حصّة المرأة فيها؟ بهذه المعادلة، يتوافر مفتاح ذهبي لمعالجة إشكالية الهوية السياسية والتمثيل الأردني - الفلسطيني الذي ظلّ محصوراً في القطاع الخاص، بغض النظر عن مستقبل التسوية السلمية المعلقة، التي كان يفترض ان تساعد هذا المكوّن على حسم أمر الولاء والانتماء السياسي بوضوح عبر التطبيق القانوني وليس السياسي لحق العودة والتعويض. ولا بد من حسم خيارين لا ثالث لهما، بحسب رأي حزبيين. فإما ان تحلق المغامرة السياسية بقانون انتخاب يتجاوز الحد الادنى الذي عبّرت عنه لجنة ملكية صاغت أجندة وطنية عام 2006؛ أي صوتين: صوت فردي وصوت للقائمة! أو العودة الى القانون الدستوري وهو القائمة على مستوى المحافظة... وغيره من الخيارات. وقد يكون ذلك بداية تفضي بعد عقود الى تعميق الملكية الدستورية على النمط البريطاني او الإسباني الذي تحدث عنه الملك في مقابلة صحافية عام 2001، وإن غيبت مضامينها عن الرأي العام الداخلي. وزير حالي رأى أن أمام اللجنة الوزارية «سلّة من الأفكار على طاولة النقاش»، على أمل الوصول إلى قناعات مشتركة من دون خلخلة الأسس الحالية. على أن سياسيين يطالبون بأن يتحدد هدف القانون الجديد بوضوح لضمان النتائج النهائية ممثلة بمجلس أمّة جديد يحوي كتلاً وتيارات تؤسس لحياة سياسية وحزبية جديدة بعيداً من فتح ملف المحاصصة السياسية الذي يدفع إليه البعض، ما قد يفجر الاستقرار الداخلي الحالي. الملك طلب أن تكون الانتخابات المقبلة مثالاً في «الشفافية والعدالة والنزاهة»، لكن لذلك كلفة سياسية. فالقلق الشعبي لا يمكن فصله عما يدور على مسرح المشهد السياسي الداخلي المحتقن بسبب استحضار استحقاق سيناريو «الوطن البديل» القديم/الجديد على وقع المماطلة الإسرائيلية لشراء الوقت وتسمين المستوطنات وسط عجز أميركي واضح. النتيجة ستكون دولة فلسطينية هزيلة منزوعة السيادة غير قابلة للحياة على أجزاء مبتورة من الضفة الغربية من دون القدسالشرقية ومن دون حل عقدة اللاجئين. هذا يعني ان الاردن سيكون الوطن الفعلي للفلسطينيين الذين لن تتسع لهم الدولة الناقصة، ما سيهدد الهوية الشرق أردنية. يقول سياسي وسطي: «إن الملك يجد نفسه كمن يسير على حبل مشدود لحماية النظام وهويته السياسية. فالشرق أردنيون قد يصبحون الخاسر الاكبر لمصلحة الاردنيين من أصول فلسطينية والاسلاميين وغالبيتهم من الموالين لحركة حماس». ويرى وزير سابق ان «المطلوب مجلس أمّة جديد متوازن في الأداء لحماية النظام والوطن والمجتمع من خلال شخصيات لا تمارس دور من يبصم لمصلحة الحكومة وإنما تتمثل فيه معارضة موالية لمصلحة الدولة من دون أن تشكل تهديداً للنظام الملكي الهاشمي الذي يظل محل إجماع وطني ومحصن بشرعية سياسية ودينية». ويضيف: «ليس شرطاً أن يحقق القانون الجديد كل الاصلاحات المطلوبة. لكن على الاقل عليه ان يحقق طموح الغالبية، وأن تكون العملية الانتخابية نزيهة، تضع الأردن على سكة التحديث السياسي المطلوب بدلاً من استمرار التدخل الرسمي الفظ». في هذه الأثناء يتواصل الصراع الذي اشتد حول تعزيز المكاسب والنفوذ بين تيارين سياسيين متناقضين: المحافظ التقليدي المتنفذ المدعوم من جهاز البيروقراطية والمؤسسات الامنية من جهة؛ وتيار الليبرالية الاقتصادية وليس السياسية المقربة من الملك والتي بات ينظر اليها على انها تقود حملة مبرمجة لفكفكة الدولة وأجهزتها وإداراتها تمهيداً لتغيير هويتها السياسية وهضم تحديات الانخراط في دعم حل الدولتين بطريقة براغماتية وعبر هندسة «هوية ثالثة» بعيدة من عصبية الشرق أردنيين او الاردنيين - الفلسطينيين»، بينهما يقف تيار إصلاحي وطني مشتت يعبر عنه بعض المسؤولين الحاليين والكتّاب الصحافيين يسعى لشق طريق ثالثة تعيد ترتيب البيت السياسي الداخلي وفقاً للأسس الدستورية، أي مجلس نواب يولد من رحم قانون عصري، ولا مركزية إدارية على مستوى المحافظات، وحكومة ذات وزن سياسي ثقيل قادرة على استرجاع الولاية العامة ورد الاعتبار الى مبدأ سيادة القانون وسلطة قضائية مستقلة وإعلام وطني وليس حكومياً». وبموازاة التخبط في السياسة الداخلية، تعمقت أزمة اقتصادية ومالية بعد عقدين على إطلاق إصلاحات اقتصادية تحت مظلة صندوق النقد الدولي، ما ينذر بأيام عصيبة مقبلة على الأردنيين، يعمقها انحسار تحويلات المغتربين والمساعدات الخليجية. القرار الاخير جاء بعد خمسة اشهر من وعد رأس الدولة بإجراء عملية مراجعة لسنوات العشرية الاولى من عهده، لتصويب الأخطاء وتحصين مسيرة التحديث في كل جوانبها وصولاً إلى تنمية شاملة لجميع المواطنين. محلل سياسي يرجع القرار الأخير إلى «رغبة ملكية في تغيير قواعد اللعبة وسط متغيرات داخلية متسارعة وحال عدم توازن تمر بها أجهزة الدولة على وقع إحباط سياسي داخلي». بدأت ملامح التغيير الشهر الماضي باستبدال رئيس مجلس القضاء الأعلى. ومن المتوقع إجراء تعديل على حكومة الرئيس نادر الذهبي للإشراف على إجراء انتخابات مبكرة. الذهبي شكّل حكومته في خريف 2007 وأجرى عليها تعديلاً شكلياً ربيع هذا العام. وتشير التوقعات إلى تغيير في شخصية رئيس مجلس الأعيان بعدما صدرت الارادة الملكية الخميس بالتجديد لزيد الرفاعي، السياسي المحافظ، رئيساً لمجلس الأعيان اعتباراً من تاريخ 29/11/2009 فيما تم الإبقاء على تشكيلة المجلس الذي يعينه الملك. الرفاعي يتولى رئاسة المجلس منذ 8 حزيران (يونيو) 1997 ولغاية الآن، فيما تشير التوقعات الى إمكانية استبداله بشخصية مساندة للخيار الديموقراطي مثل طاهر المصري، رئيس الوزراء السابق الذي فضّل الاستقالة عام 1991 بدل حل مجلس النواب المناوئ. نهاية العام الماضي أقال الملك رئيس دائرة المخابرات العامة الجنرال محمد الذهبي، وقبله بشهور رئيس ديوانه باسم عوض الله، الشخصية السياسية الاكثر إشكالية في عهده بعدما خرج صراع الرجلين، الى العلن وشطر المجتمع. وقال معروف البخيت، رئيس الوزراء السابق الذي أشرف على الانتخابات الاخيرة وما زال يصر على نزاهتها في «حدود علمه»، انه يرحب بقرار حل مجلس النواب «إذا كان مقترناً بمبادرة إصلاحية، وأن يكون هناك وضوح في الرؤيا بحيث لا يقتصر الاصلاح على الجانب السياسي فقط وإنما يطاول الجوانب الاقتصادية والاجتماعية». وتابع: «لكن من المبكر الحديث عن نوعية الارادة السياسية ونوعية الخطوط العريضة التي تستهدفها».