كشفت الساعات ال 48 الماضية «مأزقاً» تعيشه الكتل النيابية الأردنية في شأن اختيار رئيس الوزراء الجديد بعد أن أسند العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إلى كبار مساعديه مهمة استشارة أعضاء البرلمان ال 17 في شكل الحكومة المقبلة. وأخفقت كتل نيابية كبيرة في التوافق على هوية الرئيس، في حين اكتفت أخرى بتداول قوائم صغيرة من الأسماء لا يتعدى عدد المدرجين فيها أصابع اليد الواحدة، ناهيك عن أن بعض المرشحين من جهة النواب «لا يرغب أصلاً في تشكيل الحكومة». وكشفت هذه التطورات اعتقاد بعض النواب، إلى جانب شخصيات سياسية فاعلة ومؤثرة في قرارات الدولة، ب «محدودية» الخيارات أمام كتل «هلامية» سرعان ما تلاشت مع انقضاء أول انتخابات جرت في صحن البرلمان قبل أيام وأفرزت رئيساً جديداً للبرلمان هو سعد هايل السرور، وزير الداخلية السابق، ما دفع البعض إلى القول بضرورة التسليم ب «الأمر الواقع»، والالتزام بالآليات «التقليدية» نفسها لتكليف الحكومة. ومثّل هذا الرأي الوزير السابق طاهر العدوان الذي رأى أن «الساحة البرلمانية لم تتهيأ بعد لاختيار رؤساء الحكومات، خصوصاً أن الانتخابات الأخيرة لم تأت إلا ب 9 نواب حزبيين من أصل 150 نائباً مستقلاً». ولا تلزم مواد الدستور الأردني الملك عمل استشارات مع النواب أو التزام نتائجها، إذ تمنحه حق تعيين رئيس الوزراء وإقالته، وحل البرلمان، والدعوة إلى الانتخابات. وقال النائب جميل النمري ل «الحياة» إن «الكتل لم تتوصل حتى اللحظة إلى أي ترشيحات توافقية». وأضاف: «قبل أن نقدم ترشيحاتنا، نريد أن نفهم الآلية الجديدة في شأن اختيار الرئيس، وهل سيقدم النواب رزمة أسماء مقترحة لغايات التكليف، أم ستخضع المشاورات إلى التفاوض على اسم معين يمثل ائتلاف الغالبية الذي قد يتشكل لاحقاً». وتحدث النمري عن «كيانات نيابية تحت القبة لا تؤمن بجدوى الحكومات البرلمانية». ورغم أن مشاورات الديوان الملكي مع النواب ستنطلق اعتباراً من الغد في قصر «بسمان» وسط العاصمة الأردنية، فإن أحداً لا يعرف الآلية التي سيتبعها رئيس الديوان فايز الطراونة مع النواب للتداول في خيارات الرئيس المقبل، وهل سيطلب من كل كتلة تسمية رئيس وزراء، أم سيفعل ذلك مع النواب كأفراد، ثم يضع ملخصاً بالأفضلية لجهة تأييد النواب لأشخاص الرؤساء المقترحين للحكومة. أم أن الآلية تعني أن الديوان سيعرض على النواب مجموعة شخصيات مقترحة ليختاروا أحدها، ثم يتم اختيار من ينال تأييد العدد الأكبر منهم. في المقابل، يرى النائب محمد الحجوج الذي سرعان ما لمع نجمه في البرلمان ال 17 مناكفاً لحكومة عبدالله النسور المستقيلة، ضرورة أن يقدم النواب شخصيات «غير تقليدية» لمواجهة «تحديات المرحلة»، لافتاً إلى أن الحكومة المقبلة «تحتاج إلى شخصيات ذات وزن ثقيل». ويطرح بعض النواب الجدد أسماء لقيادة الحكومة، أبرزها عبدالكريم الكباريتي، وفيصل الفايز، ومعروف البخيت، وهي أسماء محسوبة على التيار «المحافظ» داخل الدولة، وسبق لها أن تولت منصب رئاسة الحكومة. لكن هناك من يدفع بقوة لترشيح رئيس الوزراء السابق عون الخصاونة الذي سبق أن استقال من المنصب نفسه احتجاجاً على تدخل مؤسسات سيادية في حكومته. لكن هذا الأخير، ووفق بعض المحيطين به، اشترط لقبول العرض الحصول على تعهدات من مرجعيات عليا تضمن منحه الولاية الكاملة لتسيير أمور البلاد. جاء ذلك فيما رأى بعض الأوساط الرسمية أن إخفاق الكتل في التوافق على شخص الرئيس الجديد، سيدفع مؤسسة الديوان إلى اختياره من داخل «النادي التقليدي» لرؤساء الحكومات السابقين، أو التجديد للنسور الذي يعتقد أنه لا يزال الخيار الأفضل حتى اللحظة. لكن ثمة من يرى أن الخروج من «عقدة» الرئيس تحتاج إلى توسيع دائرة الترشيحات لتشمل شخصيات سياسية توافقية لم تتسلم مواقع متقدمة في السابق، إضافة إلى اعتماد معايير متفق عليها لمن يتولى الموقع السياسي الأرفع في البلاد. وبعيداً عن «مأزق» اختيار الرئيس، نجحت جاهة «سياسية» نادرة مثلت وفداً برلمانياً قاده السرور مساء أول من أمس، في إعادة الجنرال «العجوز» عبد الهادي المجالي إلى القبة التي استقال منها احتجاجاً على رسوب قائمته الانتخابية، ونجاحه منفرداً في انتخابات الشهر الماضي. وكان المجالي الذي عمل جنرالاً سابقاً لدى المؤسسة العسكرية، ومديراً للأمن العام، ووزيراً ورئيساً للبرلمان لدورات عدة، سجّل الأسبوع الماضي سابقة عندما كان أول شخصية «محافظة» تتقلد عشرات المناصب الرسمية تتغيب عن جلسة افتتاح البرلمان وخطاب العرش الذي تلاه الملك. وتمكنت الجاهة التي ضمت عدداًَ كبيراً من أعضاء البرلمان، إقناع المجالي بالعدول عن استقالته بقرار من المكتب التنفيذي لحزب «التيار الوطني» الذي يرأسه. كما نجحت جاهة أخرى غلب عليها الطابع السياسي والعشائري في احتواء «أزمة» كادت أن تتعمق بين عشيرتين كبيرتين شمال شرقي الأردن، تسبب بها شريط فيديو «فضائحي» أثار تسريبه من جهة غير معلومة خلافاً حاداً بين أركان البرلمان السابق والحالي. وأظهر الفيديو الذي سرب على نحو مفاجئ قبيل الانتخابات الأخيرة بساعات، جلسة خاصة ضمت نخبة من أركان البرلمان والدولة فيما كان بعضهم يتناول الكحول، بينما ظهر رئيس البرلمان السابق، النائب الحالي عبدالكريم الدغمي وهو يكيل شتائم غير لائقة بحق نائب رئيس الوزراء، وزير الداخلية السابق نايف القاضي، ما خلف موجة «غضب» عارمة داخل قبيلة الأخير التي تعتبر من كبرى القبائل الأردنية. واستقبلت قبيلة «بني خالد» التي يتحدر منها القاضي مساء أول من أمس جاهة شارك فيها عدد كبير من رجالات الدولة البارزين، يتقدمهم رئيس الديوان الملكي، إلى جانب رئيس مجلس الأعيان طاهر المصري، ورئيس الوزراء السابق والعين الحالي عبد الرؤوف الروابدة الذي قدم والدغمي اعتذاراً صريحاً إلى القاضي وقبيلته عما ورد في الشريط المسرب.