قبل أيام قليلة أبدى مهدي عاكف، المرشد العام السابع لجماعة «الإخوان المسلمين» في مصر، رغبته في عدم الاحتفاظ بمنصبه لفترة جديدة تبدأ في 14 كانون الثاني (يناير) 2010، وهو ما أثار ردود فعل واسعة داخل مصر وخارجها، بعضها يشكك في جدية هذه الرغبة، والبعض الآخر يراها محاولة من الجماعة لجذب الضوء باتجاهها بعدما خفت لبرهة بسبب أزمة البرنامج الحزبي الذي طرحته قبل عام ونصف العام. ولا يبدو إعلان عاكف مجرد «فرقعة» إعلامية، بقدر ما هو تعبير عن إحدى تجليّات عملية التحول التي تمر بها الجماعة منذ عام 2004 حين طرحت، ولأول مرة، وثيقة شاملة للإصلاح. وهو هنا جزء من استحقاقات كثيرة تنتظر الجماعة، ولا مناص من الاستجابة لها إن عاجلاً أو آجلاً. وعلى الرغم من عدم وجود بند في اللائحة التنظيمية ل «الإخوان المسلمين» يمنع عاكف من إعادة ترشيح نفسه مجدداً، إلا أنه يبدو مصراً على عدم الاحتفاظ بمنصبه، على الأقل حتى الآن. إشارات عديدة يمكن قراءتها في خلفية موقف مرشد «الإخوان»، بيد أن أهمها على الإطلاق هو تلك القدرة «السحرية» الكامنة لدى الجماعة على إحداث حراك حقيقي في الحياة السياسية المصرية، والتي تبدو معطّلة بفعل الحظر المفروض على الجماعة منذ أكثر من نصف قرن. فمنذ إعلان المرشد تخليه عن منصبه، وهو بالمناسبة ليس جديداً حيث صرّح بذلك مرات عدة كان أبرزها حين تولى المنصب خلفاً للمرشد السادس مأمون الهضيبي عام 2004، فإن ثمة تغيراً ملحوظاً قد طغى على ديناميات المشهد السياسي المصري الذي أصابه التكلّس والجمود منذ إجراء التعديلات الدستورية قبل عامين. صحيح أن جماعة «الإخوان» تبدو لوهلة ثقيلة الحركة وبطيئة النمو، ليس فقط مقارنة بأشباهها ونظرائها في العالم العربي، وإنما أيضا إذا ما وضعت في سياق نظيراتها من الحركات السياسية الكبرى في المنطقة، إلا أن خطواتها الإصلاحية تبدو أشبه ب «حصان طروادة» الذي ما أن يتحرك حتى تهزّ خطواته بنية المجتمع المصري بشكل مؤثر. حسب اللائحة الداخلية لجماعة «الإخوان المسلمين»، والتي تم تعديلها أخيراً، فإنه يجري اختيار المرشد العام ل «الإخوان» من خلال إجراء تصويت داخل مجلس الشورى العام للجماعة والذي يتكون من حوالي 100 عضو على الأكثر. حيث يُطلب من كل عضو أن يقوم بترشيح ثلاثة ممّن يراهم أهلاً للمنصب على ألا يختار نفسه من بينهم، وإذا حصل أحد الأعضاء على الأغلبية المطلقة يكون هو الفائز بمنصب المرشد العام. أي أننا واقعياً إزاء مئة مرشح لمنصب المرشد العام، وتلك إحدى نقائص اللائحة الجديدة للجماعة. بيد أنه عملياً سوف يتم تمرير قائمة بعدد محدد من الأسماء (قد يكون من بينهم المرشد الحالي)، من أجل اختيار أحدهم لمنصب المرشد العام، وهي عملية أقرب الى البيعة منها للانتخاب الحر المباشر، ولن تختلف كثيراً عما كان يحدث في الماضي. فقد جرى العرف أن يقوم أعضاء مكتب الإرشاد العام الذي يتكون نظرياً من 13 عضواً باختيار المرشد العام للجماعة عقب رحيل المرشد السابق، ويتم عرض الأمر بشكل ودي على أهل الثقة من كبار قادة الجماعة داخل مصر وخارجها، ثم تؤخذ البيعة للمرشد الجديد من قبل أعضاء مجلس شورى الجماعة وأعضاء التنظيم العالمي. ولم يحدث أن شهدت الجماعة خلافاً حول شخصية المرشد العام، باستثناء ما حدث عقب وفاة المرشد العام الرابع للجماعة محمد حامد أبو النصر الذي توفي عام 1996 وتمت مبايعة المرشد العام الخامس مصطفى مشهور من فوق قبر أبو النصر، في ما عرف وقتها ب «بيعة القبور»، التي جاءت رداً على مخاوف من إمكانية حدوث صراع بين مشهور ومأمون الهضيبي الذي أصبح لاحقاً المرشد العام السادس عقب وفاة مشهور عام 2002. وبشكل سريع يمكن رصد مجموعة من الملاحظات بخصوص اختيار المرشد العام الثامن للإخوان المسلمين، أولها أنه لن تجري انتخابات حقيقية من الناحية العملية، وسيكون التصويت أقرب الى التعيين، لأنه لن تكون هناك منافسة علنية بين مرشحين معروفين، ولن يتم الاختيار بناء على برامج المرشحين وإنما استناداً الى أوزانهم داخل التنظيم. ثانياً، لن تحدث مفاجآت في ما يخص أوزان التيارات داخل الجماعة، وبوجه عام يمكن القول إن جناح المحافظين هو الذي سيحصل على منصب المرشد العام الثامن للجماعة، وذلك على حساب الجناح الإصلاحي، وذلك لسبب بسيط هو أن معظم أعضاء مجلس شورى الجماعة الذين سيتولون اختيار المرشد الجديد ينتمون الى الجيل الثاني والثالث للجماعة والذي يتميز بطبيعته المحافظة وعدم جرأته على التغيير. ثالثاً، سوف تنحصر المنافسة داخل التيار المحافظ بين جناحين أولهما هو الجناح المحافظ القُطبي (نسبة إلى سيد قطب) والذي يمثله الأمين العام للجماعة الدكتور محمود عزت، وثانيهما هو الجناح المحافظ البراغماتي الذي يمثله محمد حبيب النائب الأول لمهدي عاكف، والذي يميل لتغليب العمل السياسي على العمل الدعوي. وإذا ما حدث تقارب في النتائج بين كلا المرشحَيْن، فقد يتنازل عزت لمصلحة حبيب الذي يحظى بقبول لدى الجماعة ولدى القوى السياسية وربما النظام، وذلك بسبب هدوئه وعدم صداميته ومهاراته السياسية. رابعاً، سوف يلعب المرشد العام الحالي مهدي عاكف دوراً مهما في اختيار المرشد الجديد، وذلك من خلال دوره في ضبط التوازنات في عملية اختياره بين المحافظين والإصلاحيين ومنع حدوث خلافات قد تؤثر على صورة الجماعة. خامساً، لن يكون هناك أي تأثير للإصلاحيين في عملية اختيار المرشد العام الجديد للجماعة، وذلك ليس فقط بسبب ضعفهم التنظيمي وعدم صلابتهم في مواجهة المحافظين، وإنما أيضا بسبب عدم رغبتهم في التأثير على تماسك الجماعة وعدم هزّ صورتها أمام المجتمع والنظام. سادساً، لن يكون هناك أي دور لجيل الشباب في اختيار المرشد الجديد، وذلك لعدم امتلاكه قدرة تصويتية وعدم امتلاكه لتيار متماسك يمكن أن يفرض رؤيته على قادة الجماعة. ونحن هنا إزاء مفارقة غريبة، ففي الوقت الذي سيتم فيه اختيار مرشد عام جديد للجماعة، إلا أن هذا الاختيار لن يعكس الرغبة الحقيقية لكل أعضاء جماعة «الإخوان المسلمين». وإذا كانت الجماعة تريد أن تحدث نقلة نوعية في بنائها التنظيمي من خلال تفعيل آلية انتخاب المرشد العام للجماعة، فقد كان أجدر أن يتم ذلك من خلال تعديل اللائحة التنظيمية للجماعة كي تعطي الفرصة أولاً لممثلين عن الشرائح العمرية كافة للمشاركة في عملية انتخاب المرشد بما فيهم الجيل الشاب، وثانياً أن يتم فتح باب الترشيح لجميع أعضاء الجماعة ممن تجاوز عمرهم الأربعين عاماً وأن تجري منافسة حقيقية بين المرشحين. وذلك من دون التذرع بالعوائق الأمنية، التي تبقى لاحقة على الجرأة في إنجاز التغيير بغض النظر عن أدواته. وتبقى ملاحظتان مهمتان، أولاهما أنه لا مبرر للضجة الإعلامية التي أثارها تصريح مهدي عاكف بعدم ترشحه لولاية جديدة، حيث أن جميع الفروع الإقليمية لجماعة «الإخوان المسلمين» تشهد انتخابات دورية لمنصب المراقب العام للجماعة، مثلما هي الحال في الأردن والجزائر واليمن والكويت والمغرب، وبالتالي فإن قيام الجماعة الأم بإجراء مثل هذه الانتخابات لن يعد سابقة تاريخية ضمن سياقها الإقليمي. وثانيهما، أنه من الصعب أن يتم انتخاب مرشد عام ل «الإخوان المسلمين» من خارج مصر حسبما تردد مؤخراً. حيث يطالب البعض بضرورة أن يتم الفصل بين منصب المرشد العام للجماعة الذي من المفترض أن يكون مسؤولا عن إدارة التنظيم الدولي، وبين منصب قائد «الإخوان» في مصر، وذلك من خلال استحداث منصب جديد هو منصب «المراقب العام» للجماعة في مصر وذلك على غرار الحال في الأردن، وهو أمر غير وارد لأسباب كثيرة تتعلق بمكانة الجماعة الأم في مصر، وبمدى محورية دورها في إدارة التنظيم الدولي بوجه عام. واختصاراً، فإن إعلان عاكف عدم ترشّحه لولاية جديدة قد يمثل علامة بارزة فى مسيرة جماعة «الإخوان المسلمين»، بيد أنها تظل خطوة واحدة ضمن طريق طويل ينتظر إصلاح الجماعة العتيقة. * كاتب مصري.