يتباهى كثيرون من أكراد تركيا بأن عددهم في إسطنبول يفوق عددهم في دياربكر، عاصمة جنوب شرقي تركيا ذي الغالبية الكردية. لكن هذا الإحصاء الذي يفتقر إلى دليل ملموس، وطالما استُخدِم لنفي أي نية انفصالية لدى الأكراد، لم يحفّز أي سياسي كردي على التفكير جدياً باحتمال فوزه برئاسة بلدية إسطنبول الكبرى التي يحتكرها الإسلاميون وحزب «العدالة والتنمية» الحاكم، مُذ ظفر بها رجب طيب أردوغان العام 1994 حين كان عضواً في حزب «الرفاه» الإسلامي. لكن النائب الكردي سري سريا أوندار قد يرشّح نفسه للمنصب، على أمل اعتلاء أسوار هذه القلعة الحصينة، علماً أن تقديم «حزب السلام والديموقراطية» الكردي (الذي ينتمي إليه سري)، مرشحاً لرئاسة بلدية إسطنبول، كان يُعتبر أمراً رمزياً، بسبب احتدام المنافسة دوماً في المدينة بين أبرز ثلاثة أحزاب: «العدالة والتنمية» و «حزب الشعب الجمهوري» الأتاتوركي و «حزب الحركة القومية». لكن سري يتسلّح هذه المرة بظروف جديدة ومعطيات قد تجعله خصماً لا يستهان به في الانتخابات المقررة في آذار (مارس) 2014، أمام قدير طوباش رئيس البلدية الحالي مرشح الحزب الحاكم، واليساري المستقل مصطفى صاري غل الذي انشق قبل سنوات عن «حزب الشعب الجمهوري» ويغازله الآن مجدداً. سري بطل احتجاجات حديقة «غازي» في إسطنبول التي اندلعت في حزيران (يونيو) الماضي، وهو النائب الوحيد الذي اهتم بقضية أشجار تلك الحقيقة ووقف أمام الجرافات ليمنع اقتلاعها، قبل انطلاق زخم الاحتجاجات بعد مباغتة الشرطة المتظاهرين، وحرق خيم اعتصامهم فجراً وطردهم من الحديقة. كما أن سري شخصية معتدلة معروفة باستقامتها، ويُعتقد بإمكان فوزه برئاسة بلدية إسطنبول، إذا نال دعم «حزب الشعب الجمهوري»، مستفيداً من مناقشة أحزاب المعارضة مشاريع تعاون في ما بينها في الانتخابات البلدية، من أجل إقصاء مرشحي الحزب الحاكم. وأفادت معلومات بأن الأصوات التي سينالها حزب «العدالة والتنمية» في المدن الكبرى (أنقرةوإسطنبول وأضنة وإزمير) تراوح بين 24 و40 في المئة على أبعد تقدير، وأن الحزب قد يخسر تلك البلديات التي تُعتبر بموازناتها، أضخم من وزارات في الحكومة، إذا تعاونت الأحزاب الثلاثة المعارضة في ترشيح شخصية واحدة تمثلها في تلك المحافظات. أما «حزب الحركة القومية» فلا حظ له في الانتخابات البلدية، بسبب سوء أدائه واعتماده على الأيديولوجيا القومية فقط، كما يُستبعد أن يدعم مرشحاً كردياً التقى زعيم «حزب العمال الكردستاني» عبدالله أوجلان في سجنه. ويبدو أن «الغزل» بين صاري غل و «حزب الشعب الجمهوري» قد ينتهي، بعد إصرار كل طرف على أن يبدأ الطرف الآخر بطلب الصلح، ما يهدد بتشتت اليسار وقد يصبّ في مصلحة سري الذي يسعى إلى استحضار حماسة «انتفاضة غازي».