المملكة ترأس أعمال الدورة العادية الأولى لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب    الأخضر يبدأ استعداده لمواجهة اليمن ضمن خليجي 26    جامعة الملك خالد تحقق المرتبة الخامسة عربيًا والثانية وطنيًا    ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة يصلون مكة ويؤدون مناسك العمرة    السعودية تنظّم منتدى الرياض الدولي الإنساني فبرايل المقبل    لاجئو السودان يفرون للأسوأ    الجامعة العربية تعلن تجهيز 10 أطنان من الأدوية إلى فلسطين    تطوير واجهة الخبر البحرية    أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    إصدار النسخة الأولى من السجل الوطني للتميز المدرسي    القبض على شخص بمنطقة الحدود الشمالية لترويجه «الأمفيتامين»    اختتام أعمال منتدى المدينة للاستثمار    مشروعات علمية ل480 طالبا وطالبة    "كايسيد" يعزز من شراكاته الدولية في أوروبا    النفط يتراجع بسبب مخاوف زيادة المعروض وارتفاع الدولار    جيش الاحتلال ينتهك قواعد الحرب في غزة.. هل يُفشل نتنياهو جهود الوسطاء بالوصول إلى هدنة ؟    «مستشفى دلّه النخيل» يفوز بجائزة أفضل مركز للرعاية الصحية لأمراض القلب في السعودية 2024    "الشركة السعودية للكهرباء توضح خطوات توثيق عداد الكهرباء عبر تطبيقها الإلكتروني"    كافي مخمل الشريك الأدبي يستضيف الإعلامي المهاب في الأمسية الأدبية بعنوان 'دور الإعلام بين المهنية والهواية    د.المنجد: متوسط حالات "الإيدز" في المملكة 11 ألف حالة حتى نهاية عام 2023م    الأمير سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف.    النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع ووزير الداخلية بالكويت يزور مركز العمليات الأمنية في الرياض    أمين عام رابطة العالم الإسلامي يلتقي بابا الفاتيكان    «الحياة الفطرية» تطلق 66 كائناً فطرياً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    فعاليات يوم اللغة العربية في إثراء تجذب 20 ألف زائر    لا تكتسب بالزواج.. تعديلات جديدة في قانون الجنسية الكويتية    رضا المستفيدين بالشرقية استمرار قياس أثر تجويد خدمات "المنافذ الحدودية"    تجمع القصيم الصحي يعلن تمديد عمل عيادات الأسنان في الفترة المسائية    بلسمي تُطلق حقبة جديدة من الرعاية الصحية الذكية في الرياض    وزارة الداخلية تواصل تعزيز الأمن والثقة بالخدمات الأمنية وخفض معدلات الجريمة    وزارة الصحة توقّع مذكرات تفاهم مع "جلاكسو سميث كلاين" لتعزيز التعاون في الإمدادات الطبية والصحة العامة    أمانة جدة تضبط معمل مخبوزات وتصادر 1.9 طن من المواد الغذائية الفاسدة    نائب أمير مكة يفتتح غدًا الملتقى العلمي الأول "مآثر الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- وجهوده في الشؤون الدينية بالمسجد الحرام"    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    تجربة مسرحية فريدة    إن لم تكن معي    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    لمن القرن ال21.. أمريكا أم الصين؟    الطفلة اعتزاز حفظها الله    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حياد لبنان: إمكانية إقراره داخلياً ودولياً والحفاظ عليه
نشر في الحياة يوم 10 - 10 - 2013

في سلسلة المداخلات التي طرحها «مركز عصام فارس للمؤتمرات» تحت عنوان «إمكانية حياد لبنان»، وضع الدكتور عبدالله أبو حبيب أمامنا في الجلسة الثالثة (الأربعاء 9 الجاري)، التحدي الأكبر حجماً والأكثر حدّة: صيانة حياد لبنان في حال إعلانه. موضوع يتجاوز الأسباب الموجبة والمقتضيات المفترضة ليشمل سلسلة من التدابير تتناول صيانة وحماية واقع لبناني جديد. وهو واقع قد يبدو صعب المنال في الظروف الحالية لكنه في المقابل، ان اعتمد خيار الحياد، سهل التحقيق.
ولأنّ لبنان بلد فريد في العالم، لا بد من ابتكار صيغة فريدة وخاصة به تضمن وتصون قرار إعلان حياده وممارسة هذا القرار. لبنان ليس فنلندا ولا سويسرا ولا هو السويد ولا النمسا ولا كوستاريكا، علماً أن هذه الدول مرت جميعها بويلات الحروب والاجتياحات.
ولكن، إن سمح لنا أن نقتدي بتجربة معينة، وإن جزئياً، فأنني قد اختار التجربة السويسرية التي عبرت قروناً من الحروب المحلية والعالمية محققة بحيادها «المسلح» معجزة البقاء في منأى عن النزاعات، على رغم انقسام المواطنين سياسياً بين محورين وفق ولائهم الاثني وفي حالنا اللبنانية وفق الولاء المذهبي.
وسأكون صريحاً في تناولي البعد الفلسطيني لهذا الحياد. إن موقفنا من إسرائيل موقف موحّد لا يحتمل التجاذب، إلا أن التكاذب حول تزاوج الحياد مع تحمّلنا أعباء ومسؤولية تحرير فلسطين بغير الوسائل السياسية والاقتصادية والإعلامية سيقضي حتماً على الحياد. إن عودة لبنان إلى مرتبة الدولة المساندة وعودته أيضاً عبر الأمم المتحدة إلى اتفاقية الهدنة التي تعتبر ترجمة متقدمة للقرار 1701 لا تنفصلان عن حماية الحياد ديبلوماسياً وفرض احترامه إقليمياً ودولياً.
لا ل «فتح لند» ولا ل «دويلة حزب الله» ولا ل «ملاذ القاعدة». هذه مداميك يجب أن يستند إليها منطق طاولة الحوار لتؤسس لقرارات إنقاذية وإلاّ على لبنان واستقلاله وربما على كيانه السلام.
قلت: الظروف قد تكون ملائمة. سأشرح لماذا.
في أحد مقالاته الحديثة وتحت عنوان «الحروب المسلوبة» يتوقع الكاتب الإسرائيلي أوري أفنيري أن تختار إيران، في عهد روحاني وبدعم ورعاية من السيد علي خامنئي، مساراً أكثر سلمية تغلّب فيه المصلحة الاقتصادية والتنمية الاجتماعية على الأحلام الامبراطورية وهوس السلاح النووي. تطور كهذا سيقطع طبعاً الطريق على هواة الحروب العبثية في الغرب والشرق. فمع تراجع الحرب المحتملة بين إسرائيل وإيران وسقوط خيار التدخل الأميركي في سورية، ستجد قوى الممانعة أنه لم يعد هناك سبب أو مجال للممانعة أو للممانعة المضادة. بذلك قد يجد لبنان ثغرة في جدار العصبية التي تنادي بالحصول على كل شيء (تدمير إسرائيل مثلاً) أو رفض أي شيء (حتى دولة فلسطينية قابلة للعيش والتطور عاصمتها القدس الشرقية). فرض الحل الشامل والعادل المبني على المبادرة العربية، وكف إيران عن استغلال المأساة الفلسطينية يعبدان إذاً طريق الحياد اللبناني.
إن العقلية التي أبقت مزارع شبعا «قميص عثمان» في مسرحية السلاح المخصص لتحرير أرض سورية ولبنان وفلسطين حتى القدس، من لبنان حصراً. هذه العقلية ستتبدّد مع الحقائق الإقليمية والدولية المستجدة فتعيد لبنان إلى صفة دولة المساندة، أي مساندة القضية، وتنزع عنه طابع المواجهة الميدانية أي مواجهة أي عدو، حقيقياً كان أم افتراضياً، في أي وقت من الأوقات وفي أية بقعة من بقاع العالم.
الحياد اللبناني سيكون إذ ذاك وليد هذا الواقع، فيما يفترض أن تعمّ نظرية النأي بالنفس على الدول المجاورة أيضاً لكي يصبح النأي بنفسنا، نحن، قابلاً للحياة.
لكي يحمى الحياد اللبناني ويصان لا يجوز أن يكون ظرفياً. من هنا فإن إعلان بعبدا الذي يشكل خطوة أولى في الاتجاه الصحيح ليس كافياً. فإذا ارتضى لبنان لنفسه أن ينضم إلى اتفاقية لاهاي في شأن حقوق الدول المحايدة وواجباتها وأراد أن يتمتع بما تنص عليه، خصوصاً في موادها الأولى (لا تنتهك حرية أراضي القوى المحايدة) والعاشرة (لا يعد عملاً عدائياً كلّ عمل تقوم به الدولة المحايدة لصد محاولات النيل من حيادها، حتى وان كان ذلك بالقوة) والحادية عشرة (على الدول المحايدة التي تستقبل على أراضيها قوات تابعة لجيوش مقاتلة أن تعتقلهم في معسكرات تبعد، قدر الإمكان، مسافة، عن مسرح العمليات) الخ الخ... من مواد تفصّل حقوق الدول المحايدة ومواجباتها، فعلى لبنان أن يطوّر قدراته الذاتية العسكرية بشكل منظم ومشروع. أي أنه لا بد من تقوية الجيش وتزويده كل أنواع الأسلحة الرادعة وإعادة العمل بالتجنيد الإجباري من أجل الانصهار الوطني الشبابي من جهة، وحل الميليشيات والتنظيمات المسلحة واستيعابها من جهة أخرى لتوفير العديد اللازم لبلد يريد فرض احترام حياده.
لا مجال لبقاء صيغة «الشعب والجيش والمقاومة» التي تنتفي حتماً «بصيغة» الحياد الشرعي المسلح. شعبنا واحد، جيشنا واحد، ومقاومتنا نابعة من وحدة الشعب والجيش ولا كيان مستقلاً لها ولا قيادة متمايزة ولا مرجعية خاصة إلا السلطة الشرعية، أي أنها، كجزء من القوات المسلحة، تخضع لقرار مجلس الوزراء مجتمعاً ويكون قائدها الأعلى رئيس الجمهورية.
من هنا تتضمن الخطوات العملية لخريطة الطريق المقترحة اتخاذ قرار في هيئة الحوار تحت بند درس الاستراتيجية الدفاعية يحسم نهائياً هذه المسألة، فيلغي الثنائية أو أي تلازم آخر ويوحد مرجعية السلاح في كنف الشرعية. ويحال القرار على المؤسسات الدستورية، حكومة ومجلساً، ويعتبر مجلس الدفاع الأعلى الهيئة الاستشارية الدائمة وخلية الإعداد لكل القوانين والقرارات والتدابير المفترضة لتأمين صيانة الحياد والدفاع عنه.
لا بد لنا إذاً من طرح خريطة طريق توصلنا إلى اعتماد الحياد والأهم منه، تطبيقه وصيانته. ولهذه الخريطة مستلزمات مسبقة وملازمة ومتابعة.
أولاً: بالوفاق الداخلي، فلا حياد يقرّ ولا حياد يفرض على الغير، ولا حياد يحترم من الغير إن لم يقترن أو بالأحرى يستند إلى بند جديد في الميثاق الوطني يحدّد الموجبات المستحدثة في ضوء التطورات الداخلية والإشكاليات الخارجية.
«اللاممر واللا مقر» يجب أن تعاد صياغته إلى «لا انحياز ولا انجرار عسكرياً أو أمنياً وحتى سياسياً أو إعلامياً، فلا معنى للحياد إذا دارت الحرب على الشاشات الصغرى أو في عواميد الصحف لينتقل الرأي العام أو قسم منه من التعاطف السياسي إلى التشنج الفئوي إلى العمل الميداني.
لهذه الغاية لا بد من إضافة فقرة إلى البند الثاني من المبادئ العامة الواردة في الفصل الأول من وثيقة الوفاق الوطني، تعلن انضمام لبنان إلى معاهدة لاهاي للدول المحايدة من دون الحاجة إلى إزالة فقرات أخرى في الوثيقة، فيبقى اتفاق الطائف كما ميثاق 1943 وثيقتين مؤسستين لقيام لبنان وديمومته عبر حياده. كما يفترض إضافة بند إلى مقدمة الدستور يحدد هذا القرار وموجباته ويطلق ورشة عمل - دستورية، قانونية، نظامية، عسكرية وأمنية، لتطبيق المبدأ المعتمد، تؤدي إلى إلغاء جميع المعاهدات أو الاتفاقات المناهضة للحياد، بدءاً بالتعاون والتنسيق مع سورية إلى معاهدة الدفاع العربي المشترك الخ.
ثانياً: بالاعتراف العربي الصريح المعبّر عنه في تعديل على ميثاق الجامعة أو إقرار الجامعة باستثناء لبناني خاص يؤكد صفة لبنان المساندة «حقوقياً وسياسياً» وعزوفه عن خيار المواجهة العسكرية أو انتسابه إلى أي محور إقليمي أو دولي.
ثالثاً: بالاعتراف الدولي المبني على وثيقة رسمية صادرة عن الدولة اللبنانية بمؤسساتها الشرعية، مع إيداع هذا الإعلان الأمم المتحدة وتسجيله لديها، ثم بدعوة مجلس الأمن الدولي إلى إحياء وتأكيد الهدنة بين لبنان وإسرائيل بانتظار حل سياسي شامل وعادل للنزاع العربي – الإسرائيلي. على أن يتمتع هذا القرار الأممي بقوة الفصل السابع لفرض الهدنة التي ترفض إسرائيل إحياءها وحماية حياد لبنان بالقوة من قبل قوات الأمم المتحدة المعتمدة لهذه الغاية بموجب القرار 1701، فتؤمن بذلك استثمارنا الآمن لثرواتنا النفطية.
رابعاً: بالحماية الذاتية:
- التأكيد على أن الحياد يفرض على لبنان امتلاك قوة ذاتية قادرة على الردع.
- تغير طبيعة الجيش ليصبح جيشاً متحركاً.
- استيعاب المقاومة في الجيش وإلغاء فرديتها.
- إعادة التجنيد الإجباري، ولكن في شكله المحقق للغاية المنشودة أي تعميمه ورفع مستواه وتحسين تقنيات التدريب.
خامساً: بالدعم الشعبي: طرح الموضوع على الاستفتاء أو إجراء انتخابات نيابية تتخذ الأكثرية النيابية، في ضوئها وبأغلبية الثلثين الحكومية المطلوبة وفق المادة 65 من الدستور، قراراً بإعلان الحياد. (وربما تعود وتطرحه على الاستفتاء الشعبي).
بهذا الخيار لن تكون قوة لبنان بضعفه أبداً إنما بقوته الذاتية، المقرّة في الداخل والمحترمة من الخارج.
هذه هي طريق الخلاص الوحيدة من محنة القتل والتدمير التي قد تنتقل إلينا في أي لحظة، إذا ما استمر بعض اللبنانيين في حشر أنوفهم في صراعات إقليميه أكبر منهم وأكبر من أن يتحمل نتائجها السلبية الوطن الصغير.
* نائب في البرلمان اللبناني. وزير سابق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.