تتخذ موقفاً حاداً ورافضاً لمحاولات أقلام الرجال ادعاء كتابة مشاعر أنثى، وتشكك في قدرتهم على تحقيق اقتراب، مؤكدة أن الأنثى «شفرة» لا يستطيع قلم ذكوري فكها، لذلك ولأجل إيضاح وجود النقص نشرت إصدارها الأول «مزاج أنثى». كتبت السعودية لبنى الغلاييني على الغلاف الأخير رسالتها للرجال بوضوح: «حينما يتداول الذكور مشاعر الأنثى بطريقتهم، تجلس الأنثى وسط كل هذا الضجيج تراقب وتتأمل، لا يعنيها سوى ما تعرفه عن نفسها بعيداً عن كل التحليلات»، ثم بعد العودة إلى 163 صفحة سابقة، تبدأ الغلاييني بفك شفرات متلاحقة في مزاج الأنثى الموجودة تحت جلبابها أو ربما كل أنثى. يكشف «مزاج أنثى» عن تورط لبنى الغلاييني بنهج فلسفي خاص بها، يجبرها يومياً على أن «أمشط أفكاري» - كما تقول - ويدفعها لخوض حرب شرسة لأجل « تقديم العقل على الجسد»، فجزء كبير من أوراقها يصر على أنها تمارس بتراتيبية «هندمة بعض معتقداتي» من خلال « فتح حقيبة أدمغتنا وتنقيح محتوياتها و تهوئتها». يوجد بين غلافي «مزاج أنثى» سيدة مثقفة تحاول نزع قلبها بيدها رغبة في نزع حبيبها من صدرها ورميهما في البحر، لأنها «امتهنت الشوق فلم يبقى لي وقت لامتهان وظيفة أخرى مرموقة»، ولأنه تركها هشة لدرجة لا تستطيع معها الاستماع لأغنية كانت تلتف حولهما ذات ليل في مقهى، ولأنهما « لبنى و بطلة مزاجها» تملكان ذات الصوت: «أنا امرأة أرفض منطق القوامة في العشق، لن أنساق كرد فعل». يأخذ الحبر عين القارئ نحو جزر جديدة في بحر الأنثى، أولها ديمومة التوجس «من أي شيء مجاني وجماعي توجسي من المهانة»، وكذلك التصاق كبير للأنثى بالحزن حدّ أنها «عندما تحزن تخشى أن تضحك لئلا تفقد هيبة حزنك»، وأيضاً اعتبار«الكلمة قابلة للتأويل، قابلة للاستخدام، لكن الموسيقى غير قابلة للتأويل». هكذا تسعى الغلاييني لتفكيك شفرات بنات جنسها، وتكشف أن - مزاج أنثى - ليس مرهوناً للحب، فلبقية الحياة أمزجتها وبخاصة تجاه الولاية الفكرية، تكميم البصيرة قبل البصر القادم من عقول يصر أحادها على «انتقاد الآخرين، يحجر على عقولهم ليكتفوا بما اكتفى هو به»، لذلك تجدهم يصرخون بصوت الغيرة لأجل حماية قناعات تورطوا فيها ولم يسعوا لترقيتها. تستمر لبنى الغلاييني في «مزاج أنثى» بركض نحو إثبات أن تطفل الرجل على عالم مشاعر النساء قادم فقط من محاولات تربط سبباً بنتيجة اعتماداً على دراسات أطباء نفسيين أو مشعوذين معالجين، واختلال هرمونات، بينما تؤكد الغلاييني على أن النساء ببساطة «مخلوق مزاجي»، وتحب من دون تفكير، وتعطي من دون تردد، وتغامر من دون وجل، وتعشق من دون خوف، وتكره من دون تبرير، وتهجر من دون ندم، وتبكي من دون سبب، وتغضب من دون مقدمات، وتنسحب من دون إنذار، وترقص وتغني وتثرثر من دون توقف، وتفرط تأملاً، وكذلك حزناً من دون فهم، وتكرر أخطاءها من دون جدوى. إلى نص الحوار: هل سبق وأصدرتِ كتاباً قبل «مزاج أنثى»؟ - نعم، رواية وعمل آخر أجهل خانة تصنيفه اسمه «يوميات عامل سنترال»، لأنه لم يكتمل، كما أجد ما يجعلني أعيد كتابته مرات عدة أدرك أنها لن تنتهي ما لم أرسله لدار النشر. كيف كانت رحلة النشر؟ - لست الشخص المناسب للسؤال وذلك لميلي لتبسيط الأمور رأيتها سلسة وبسيطة، تعلمت منها الكثير كأهمية أن أراجع تفاصيل كتابي بدقة شديدة حيث لا تتحمل الدار مسؤولية الخوف على منتجك مثلك، فلا بد من ضبط الهوامش والفراغات والتشكيل وعلامات التنقيط، كل ذلك لابد أن تقوم به بنفسك، إضافة لإخراج الشكل الفني للتأكد من وضوح توقعاتك لدى الدار. لماذا طبعتِ كتابك في بيروت؟ - حقيقة لم أفكر أين يجب أن يطبع، فلست من النوع المدقق المستقصي فلم أبحث عن أماكن أخرى، الدار الوحيدة التي تواصلت معها هي الدار العربية للعلوم واتفقنا، ولم أحاول البحث عن بدائل، اخترتها كونها داراً عريقة لها تاريخها وسمعتها، كما أن اثنين من منشوراتها تم ترشيحهما العام الماضي للبوكر التي حصدتها ساق البامبو، السؤال هنا أين غير بيروت؟ لماذا اخترتِ «مزاج أنثى» عنواناً؟ - المرأة نوع بشري، بينما الأنثى أفكار وشعور والمزاج كما أراه ممارسة خاصة بالأنثى لا بالمرأة، فالأنثى متربصة بتقلباتها تضبط إيقاعها تأملاً وانطلاقاً واستمتاعاً وانقباضاً وانبساطاً، فتخلق حولها تلك الهالة الفيرمونية الجاذبة. الأنثى التي تدهشك برقتها تدهشك أيضاً بصلابتها، وهذا سر من أسرارها، قد يكون اختيار العنوان من أدق المراحل التي تجعلني مشدودة متوترة غاية في الحيرة، الاسم يختار نفسه ويبقى عليك ككاتب المفاضلة بين الأسماء التي تخطر ببالك، يهديك إياها النص والقدر. لماذا النشر الورقي في زمن سهولة النشر الإلكتروني؟ - اعتقدت أني أكتب لقارئ يشبهني إذ أعتبر نفسي امرأة كلاسيكية فيما يتعلق برائحة الورق، فأنا «حسية» في ممارسة تقليب الكتاب، وكتابة الهوامش والتخطيط بحدة على جملة، كذلك شهقة مع كلمة أعجبتني، وهو ما لا يتسنى للكتاب الإلكتروني، ومع ذلك سيتاح كنسخة إلكترونية بإذن الله قريباً. هل يوجد في «مزاج أنثى» انكشاف على حياتك الخاصة أو جزء منها؟ - أعيش كل شخصيات كتاباتي التي تحمل شخصيتي وشخصيات نساء يشبهنني. السفر والترحال حازا مساحات في كتابك، فهل هما في حياتك كذلك؟ وإلى متى الترحال؟ - نعم روحي ملولة تواقة، أذبل حين تُحد حركتي وانطلاقتي، أشعر كأني في إقامة جبرية، الترحال يحرك مساراتي الراكدة، نكهة المطارات ورائحتها المختلطة بالسيجار والعطور والقهوة تجعل الأدرينالين يصل أقاصيه، الرتابة تقتلني حرفياً على رغم أني أحب النظام والهدوء وروتيني الخاص، شرط أن أتحكم فيه ولا يحكمني، هل هناك أمتع من الاستيقاظ في مكان لا تعرفه فترتدي حذاءك وسترتك الشتوية لتتناول قهوتك في أجواء جديدة، ثم تتناول روحك بالتأمل، وخالق هذا الكون بالتفكر والتدبر، لدي شعور دائم بأني أبحث عن شيء لم أحدد ملامحه بعد، أعتقد أنه تكوين لا نهاية له. الكتابة بالنسبة لك مزاج أم احتراف؟ - التقيت كاتباً محترفاً شهيراً يوماً وسألته عن الحال الشعورية والأجواء التي يكون فيها ليكتب، فضحك طويلاً ثم قال: أنا أكتب في أي وقت دون أجواء، علمتُ بعدها أني هاوية. إهداء الكتاب مبهم فهل تراودين فيه أكثر من اسم؟ - هو اسم واحد. ماذا تصنفين كتابك؟ مذكرات أم مكاشفات أم غيرهما؟ أو ربما رسالة طويلة؟ أم مجرد «مزاج أنثى»؟ - لا أميل للتصنيف في حياتي ولا أنشغل بتصنيف ما أكتب، أنا أكتب فقط وليصنفه القارئ كما يحب. هل تضمينك لكتابك بعض مقولات مشاهير القلم مثل باولو ومستغانمي يحمل إشارات محددة أم يسد ثغرة؟ - باولو كويللو ساحري وملهمي ومعلمي الأول والأخير، وابن عطاء مسكني الروحي، أما أحلام مستغانمي فهي كاتبة نسائية من النوع الفاخر، كتبهم تقبع بجانب سريري وفي حقائب سفري، وقرأت إصداراتهم كلها أكثر من مرة. فيك جنوح نحو الفلسفة كبير، فما أسبابه؟ - لا أدري، لكن ربما تكون خلطة مضمونة النتائج تتكون من حب للمغامرة وشجاعة التجربة والفضول المعرفي والتساؤل الدائم والتأمل والاسترخاء، وصداقات من مختلف الأعمار والثقافات مع انفتاح على الآخر من دون اعتقادات مسبقة تعوق التواصل والتعلم، وقراءات كثيرة في كل الاتجاهات، وأسفار كثيرة وخبرات معقولة. دمشقوبيروت وأوروبا حققت حضوراً أكبر من مدينتك جدة، فهل من تبرير؟ - أحب المدن العتيقة، والتواءات الحارات والأزقة تثير شهيتي للاكتشاف، وعلى رغم حداثة بيروت إلا أنها لم تفقد تراثها وماهيتها، أما دمشق فزيارتي لها جاءت متأخرة جداً، ولأنها كذلك فقد كانت زيارة تعويضية مكثفة لأبوابها السبع، وأسواقها القديمة وحاراتها التي تفوح منها رائحة الصابون جنباً إلى جنب مع الياسمين على خلفية فيروز حيث يتقن الدمشقيون استقبال صباحهم بمتعة باختلاف طبقاتهم، أما جدة فمعايشتي الدائمة لها قد تكون سبباً في فقدان دهشة الاكتشاف فيها، ولكنها الحبيبة التي شهدت مراحلي وتحولاتي ونجاحاتي وإخفاقاتي، أنا صناعة «جدة الرخا والشدة». تضمين الكتاب صوراً شخصية لك ولأسرتك يحمل دلالات، هل تمنحيننا رؤية بعضها؟ - ليست صوراً بقدر ما هي أوعية شعورية طازجة لنظرة عين وتجويف تجعيدة، تشنج يد وانفراجة فرحة، بما فيها الغلاف الذي يلتقط حالاً شعورية عفوية مستغرقة. ترفضين تدخل القلم الذكوري في منطقة أحاسيس الأنثى، لماذا؟ - صمت المرأة لا يفهمه الرجل، ما يعتقدهُ هو أن تقلب مزاجها امتعاض واعتراض مكبوت لا يفهمه الرجل، تسميته لبوحها ثرثرة.. لارتباكها.. لخجلها لاستيحاشها.. ولرفضها. للأنثى وليس المرأة طريقة تفكير ومسار إدراكي متشعب وممتد كمهاراتها المتعددة وقدراتها اللامحدودة وبخاصة في حالات انفعالها، حباً وعشقاً وكرهاً ونفوراً، لا يستطيع رجل فهم هذه التجليات لأنه حين يكتب فهو يكتب ما يعتقده حقيقتها لا حقيقتها، بما يعرفه عنها وما تسمح هي بمعرفته كبرياء أو خوفاً أو أو... وما يسمح هو به «شجاعة وثقة وحواراً ونضجاً»، لكن ما أقرأه من كتاباته لم يشف غليلي بما أعرفه عنها وما لم أكتبه بعد. أشم رائحة القلوب.. كيف هي؟ - حين أتحدث مع أحدهم لا أرى وجهه فقط، بل قلبه وهالته وخريطته الشعورية. أنا امرأة أرفض القوامة في العشق: هل هذا صوت القلم أم صوتك؟ - في لحظات الاستغراق تتداخل الأصوات، ولا أستطيع الفصل بينهما كما سبق وذكرت، إلا أن مكوث المرأة في الدور التقليدي للمفعول به لا يناسبني ولا يناسب النمط الذي يشبهني، والجملة على رغم أن لها سياقاً إلا أنها تعبر عن نمط أنثوي يبوح ويعبر، ويرفض أو يقبل حال الانقضاض والقنص التي يمارسها نوع من الرجال لطريدة قرر أنها له. تقولين: «لم أعد أستطع صناعة بداية جديدة، كبلتني البدايات السابقة».. ماذا خسرت لبنى أخيراً؟ - خسرت حظ المبتدئ. كيفية اندماجك أو انسلاخك في/ من مجتمع جدة؟ ولماذا؟ - انتقائية الوسط الذي تنسجم معه ضرورة حتمية لاستمتاعك وسلامك الداخلي، مجتمع جدة كبير ومتنوع لطبيعة جدة المنفتحة على الثقافات كأهلها. أنتقي فأندمج وأبتعد بحسب مزاجي ومسؤولياتي، لكني بطبعي وبحكم مشاغلي لا أحضر في التجمعات المزدحمة إلا بقدر. هل النشر فعل أصعب من الكتابة؟ - ليس النشر بل متابعته كعملية إدارية ولوجستية. لماذا كان النشر من دون ضجيج؟ - أذكر حين عدت من لندن بشهادة حصلت عليها كأول سيدة في الشرق الأوسط في مجال عملي كان معي ثلاثة رجال حصلوا على الشهادة نفسها، ففوجئت بعائلاتهم تستقبلهم بالورد والسيارات المزينة! وعلى رغم أن المنظر كان مفاجئاً ومبهجاً إلا أنه أخجلني، وحين ركبت سيارتي بهدوء كنت أتساءل لمَ لمْ تطلبي استقبالاً كهذا؟ لم يخطر ببالي أن أفعل ولا أعرف كيف أثير ضجيجاً، وأخجل من إثارة الضجيج لإنجاز قمت به لنفسي. أتقبل كل احتفاء بامتنان شديد لكني لا أسعى له، بفضل الله حققت إنجازات يعرفها مجتمعي ومن هم في مجالي على الصعيدين الشخصي والمهني ترضيني وتفرض نفسها ببطء ثابت. لا أحب النجاح الهوليودي ولا الأفلام البوليودية، وأفضل أوروبا على أمريكا حيث التاريخ تراكمي. ذاكرتك فوتوغرافية، هل يسبب ذلك لك شقاء؟ - شجن.. حنين.. وحشة.. وجع.. وليس شقاء. السفر وحيدة، اضطرار أم خيار؟ - من فضل الله علي أن مفردة «مضطرة» ليست في قاموسي. هو خيار فلا أمتع من العزلة والضياع في بلد جديد كل مرة، لكنه يكون بصحبة آخرين أحياناً شرط الانسجام والتقارب.