مع اشتداد الأزمة الاقتصادية في تونس التي اعتبرها حاكم المصرف المركزي الشاذلي العياري غير مسبوقة منذ الاستقلال، تكثّف الحكومة، التي تقودها حركة «النهضة» الإسلامية، مساعيها للحصول على قروض من المؤسسات المالية الدولية ومن الشريك الأوروبي، بما يمكّنها من تجاوز المرحلة الراهنة. وأعلن وزير المال الياس فخفاخ أمس أن القسط الأول من القرض الائتماني الذي وافق صندوق النقد الدولي على منحه لتونس في حزيران (يونيو) الماضي سيُسحب مطلع العام المقبل، على رغم تأكيد رئيس الحكومة علي العريض لدى الحصول على القرض أنه إجراء احتياطي. وكشف فخفاخ أن تونس تتفاوض حالياً مع الاتحاد الأوروبي للحصول على قرض تراوح قيمته بين 300 و500 مليون يورو، من دون تحديد كيف سيُستخدم القرض. وتوقع أن يستقر عجز الموازنة في الفترة المقبلة عند نحو 6.5 في المئة، مرجحاً ارتفاع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي إلى 49 في المئة. وأكد مصدر مطلع في وزارة المال ل «الحياة» أن «وفداً من صندوق النقد أنهى أمس زيارة عمل إلى تونس ناقش خلالها مع مسؤولين في الحكومة نوع الإصلاحات الهيكلية التي يتعين تنفيذها لإنقاذ البلد من إفلاس اقتصادي». وأضاف أن «وفد البنك ركز على معرفة الوسائل التي لحظتها الحكومة للمحافظة على توازن الأموال العمومية حتى نهاية السنة، وأيضاً خلال السنة المقبلة التي تبدو عسيرة». صندوق التعويض وتطرّق الوفد إلى نتائج الإصلاحات التي تعهدت تونس تنفيذها اعتباراً من مطلع السنة، وأبرزها تصحيح أوضاع «صندوق التعويض» الذي يدعم أسعار المواد الأساسية ويُسبب عجزاً كبيراً في الموازنة، وإصلاح المنظومة الجبائية وتنقية أوضاع المصارف العمومية، ما سيضطر الحكومة لمعاودة رسملتها بمقدار 1.1 بليون دولار خلال العاملين المقبلين، وفق تقديرات الخبراء، أي 2.6 في المئة من الناتج المحلي. ويضخ المركزي التونسي حالياً ما بين 2 و3.3 مليون دولار يومياً في الجهاز المصرفي، كما أكد العياري، لمساعدته على الصمود في ظل تراجع الاستثمار وكساد المعاملات. وأوضح المصدر أن «فخفاخ تعهد للوفد بإطلاق استشارة وطنية لإصلاح المنظومة الجبائية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، ترمي لوضع خطة شاملة للقطاع واستكمال عملية تدقيق أوضاع المصارف العمومية الجارية حالياً مع نهاية السنة، وصولاً إلى وضع خطة لإصلاح القطاع المصرفي». وأضاف أن «وفد الصندوق حصل على تعهد من السلطات بإعداد دراسة شاملة لأوضاع ثلاث أكبر مؤسسات عمومية، وهي شركة الكهرباء والغاز الحكومية ومصفاة تكرير النفط في محافظة بنزرت والمؤسسة الوطنية للمشاريع النفطية، بهدف صوغ خطة لتحسين أوضاعها». ونفى فخفاخ الأخبار المتداولة عن احتمال عجز الدولة عن صرف رواتب موظفي القطاع العام الشهر المقبل، والذي يتزامن مع عيد الأضحى، واصفاً إياها ب «الإشاعات». وقال إن «تونس دولة حقيقية قادرة على الوفاء بكل تعهداتها» مؤكداً في الوقت ذاته أن «الاضطرابات السياسية وتراجع إنتاجية العمال بسبب كثرة الاحتجاجات الاجتماعية أربكت الاقتصاد وعمّقت أزمته».