يزور وفد من صندوق النقد الدولي المغرب نهاية الشهر الحالي، في إطار استطلاع الوضع الاقتصادي والمالي وطبيعة الإصلاحات التي تعتزم الحكومة اعتمادها لمعالجة العجز المالي في الموازنة العامة وميزان المدفوعات الخارجية، الذي تجاوز 7 في المئة من الناتج الإجمالي، لتكون النسبة الأعلى المسجلة منذ ثلاثة عقود. وأفادت مصادر مطلعة، بأن البعثة ستطلب من الحكومة الإسراع في تنفيذ التزامات سابقة تقضي بتقليص العجز المالي، ومعالجة الخلل في بعض الصناديق الاجتماعية، التي سبق للمؤسسة الدولية بموجبها منح الرباط خطاً ائتمانياً بقيمة ستة بلايين دولار، لتعويض الخسائر عن تراجع الإيرادات من دول الاتحاد الأوروبي بسبب الأزمة الاقتصادية. وأشارت المصادر، إلى عدم استخدام الخط الوقائي المالي بعد، لأن الأزمة الاقتصادية ليست عميقة، كما لا يستدعي الوضع المالي التشاؤم، على رغم تجاوز العجز التوقعات الحكومية. ودفع ذلك إلى اقتطاع جزء من نفقات الاستثمار لتوفير نقطة مئوية من الناتج استعداداً لمقابلة بعثة صندوق النقد، وقيمتها 15 بليون درهم (نحو 7.1 بليون دولار). وسيحضّ الصندوق الرباط، على الإسراع في إصلاح صندوق المقاصة الذي يستنزف 50 بليون درهم (نحو ستة بلايين دولار) سنوياً، وتجنّب الضرر الذي يمكن أن يمسّ مصالح الطبقات الوسطى، في حال رفع الدعم عن بعض السلع الأساسية، مثل المحروقات وغاز الطهي التي تستنزف 83 في المئة من نفقات دعم الأسعار، و5 في المئة من الناتج الإجمالي. ويبدو أن الخلاف السياسي بين مكوّنات الحكومة التي يقودها «حزب العدالة والتنمية» الإسلامي، يعرقل خطوات إصلاح صندوق المقاصة الضاغط بقوة على نفقات الموازنة ويزيد تأزمها. ويعارض «حزب الاستقلال»، الذي يهدد بالخروج من الحكومة، فكرة توزيع نفقات الصندوق مباشرة على الفئات الفقيرة، إذ يعتبرها طريقة غير مقبولة لاستمالة الناخبين في أي انتخابات مقبلة. وهو يقترب في هذا المنحى من أحزاب المعارضة التي تقاطع جلسات البرلمان التي يحضرها رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران. كما تختلف أحزاب الحكومة حول معالجة أزمة الصندوق المغربي للتقاعد المهدد بالإفلاس نهاية العقد الحالي، ومشكلة الضرائب وإمكان فرضها على القطاع الزراعي، الذي يمثّل المصدر الأساس لمعيشة 34 في المئة من السكان. وأكد مصدر حكومي من «حزب العدالة والتنمية» ل «الحياة»، التمسّك بإصلاح صندوق المقاصة حتى لو كان على حساب الائتلاف الحكومي، إذ رأى أنها «قضية محورية بالنسبة إلى حزبه الراغب في تحويل جزء من أموال الصندوق إلى الطبقات الفقيرة في المجتمًع». وشدد مصدر من «حزب الاستقلال»، على ضرورة أن يكون الإصلاح المالي والاقتصادي «محط إجماع المكونات الحكومية ورأي المعارضة والمجتمع المدني، لأنه موضوع كبير ويمكن أن تكون له تداعيات اجتماعية خطيرة، مثل التضخم وارتفاع الأسعار والقضاء على الطبقات الوسطى. وأعلن محللون، أن وضع الحكومة «سيكون ضعيفاً أمام بعثة صندوق النقد التي تنصح بألاّ يكون الخلاف السياسي سبباً لتأجيل الإصلاح، أو زيادة العجز المالي المحتمل أن يصل إلى ثمانية في المئة من الناتج نهاية هذه السنة، في حال لم يتغيّر الوضع. واتجهت وزارة المال المغربية نحو الخارج للتغلب على نقص السيولة المالية في العملات الصعبة. واقترضت الأسبوع الماضي 750 مليون دولار من السوق الدولية، لتخفيف الضغط المالي على الموارد المحلية، والتحكم في معدلات الفائدة المتجهة نحو الارتفاع بسبب وضعية المصارف التي تواجه ضعفاً في الإيرادات ونقصاً في المدخرات. واللجوء إلى السوق المالية هو الثاني خلال ستة أشهر، وبلغت قيمة القروض المحصلة منها نحو أربعة بلايين دولار. وارتفعت المديونية المغربية إلى أكثر من 60 في المئة من الناتج، وهي السقف المحدد من المادة الرابعة لصندوق النقد الدولي. ويُنتظر أن يزور المغرب وفد من مؤسسات التصنيف الدولية لتجديد تصنيف الوضع المالي والاقتصادي، الذي تضرر بالخلافات السياسية أكثر من تأثره بالأزمة الأوروبية، التي قلصت العائدات من العملات الصعبة، وزادت متاعب ميزان المدفوعات الخارجية، وخفّضت الاحتياط النقدي إلى أربعة أشهر من الواردات.