حين أُعلن فوز منتخب جزر الرأس الأخضر في رادس وخروج نسور قرطاج بيد فارغة وأخرى لا شيء فيها.. وسمعنا أمام الملأ ملاسنات حادة بين الوزير ومسؤولي الكرة في تونس، قلتُ حينها: «أهذه هي تونس التي تألقت في الأرجنتين قبل 35 عاماً مع طارق والكعبي وتميم والنايلي؟»، يبدو أن الأمور تغيرت بصورة جعلت هذا البلد الذي أنجب لاعبين لا يمكن لك إلا أن تتمنى مشاهدتهم في أمم أفريقيا والمونديال.. لكن حال السقوط السياسي انعكست في شكل واضح على مزاج اللاعبين والأندية، فدفع المنتخب الفاتورة أمام منتخب لم يكن له أي حضور على الصعيد القاري. بل أكثر من هذا، ففي الوقت الذي كانت تواجه فيه تونس منتخبات ألمانيا وبولونيا والمكسيك في مونديال بيونس آيرس 1978، لعب منتخب الرأس الأخضر أول مباراة له في تاريخه ضد أنغولا.. ليكون اليوم في المركز 44 عالمياً متقدماً تونس بمركزين، فهل هو تراجع النسور وتقدم أسماك القرش الزرقاء أم أن رفاق المساكني لم يأخذوا الأمر بالجدية اللازمة فسقطوا من برج قرطاج العالي؟ أم أن السبب له صلة بما تشهده تونس من تجاذبات سياسية ألقت بظلالها على موقعة رادس التي زادت من إحباط التوانسة، وهم الذين كانوا يمنون أنفسهم بمونديال آخر. هزيمة تونس فاجأت الجميع، لأن النسور لم يكونوا بحاجة إلى فوز عريض، ويكفيهم التعادل للتأهل، لكنهم وقعوا ضحية غرور أو لا مبالاة أو ربما مؤامرة كما يجزم البعض. وحتى أكون صريحاً، تساءلتُ عن سر انتصار قروش الرأس الأخضر، وكيف أنهم يزدادون قوة كل عام، فدفعني الفضول لمعرفة تاريخ هذا الأرخبيل الأفريقي الذي يبلغ عدد سكانه نصف مليون نسمة موزعين بين عدد من الجزر، وأن تاريخ البلد يُختزل في زعيمه التاريخي أملكار كابرال، صاحب مقولة: «الجزائر هي مكة الثوار»، الذي تم ترسيم يوم وفاته عطلة مدفوعة الأجر، بعنوان: «عيد الأبطال»، وهناك أيضاً يوم الديمقراطية.. فمثلما يسعى الجامايكيون إلى فرض سطوتهم على ألعاب القوى العالمية بقيادة بولت، فإن جزر الرأس الأخضر بدأت ترفع عقيرتها في وجه كبار أفريقيا، واستطاعت أن تطيح عدداً منهم وتفرض نفسها بقوة، لكنها تقع في الخطأ وترتكب الخطيئة.. وإلا كيف يفسرُ إدراج لاعب في مباراة حاسمة وهو معاقب، وكأن الحيلة بقيَ لها مكان في زمن الرقمنة. ففرحة الأرخبيل سقطت في الماء، وكان على الرئيس جورج فونسيكا أن يعلق المتسببين في هذه الفضيحة من أقدامهم في ساحة الثورة، ويدعو الشعب إلى معاقبتهم بالبصق في وجوههم.. لأنه من غير المعقول أن يحدث خطأ بهذه الدرجة، لكن مصائب قوم عن قوم فوائد. ومبروك لتونس العودة من باب الخطأ (..) ولكن هل سينجح النسور في تدارك هذه السقطة التاريخية؟ ومن يدري، فربما شاءت الأقدار أن تكون تونس رابعة أثافي العرب، مصر، الجزائر، تونس.. والأردن العائد من بعيد. ماذا لو.. أقول لو، وأعرف أنها تفتح أكثر من باب للأمل، لو يلعب الحظ لمصلحة العرب فيدخلون البرازيل برباعي تاريخي. وإذا كانوا ثلاثة سنفرح، ونرضى باثنين، ولا حيلة لنا إذا كان واحداً.. والكارثة إذا كان حظنا صفراً في ماراكانا. [email protected]