استبعدت مصادر متعددة أن تتمكن التحركات الجارية حالياً من تذليل العقبات أمام تشكيل الحكومة خلال الأسبوع الطالع الذي يفصل لبنان عن انتقال رئيس الجمهورية ميشال سليمان إلى نيويورك الثلثاء المقبل في 23 الجاري للمشاركة في أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة، ولحضور اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان بمبادرة من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ومن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لمساندة الاقتصاد اللبناني وتقديم المساعدة المالية له من أجل تحمل أعباء تزايد أعداد النازحين السوريين على أرضه، إضافة إلى دعم الجيش اللبناني. وكان تراجع خيار الضربة العسكرية للنظام السوري دفع كبار المسؤولين إلى إعادة تحريك اتصالات التأليف، بعد أن كان قرع طبول الحرب دفع هؤلاء المسؤولين والقوى السياسية إلى التصرف على أن الانشغال باحتمال الضربة وارتداداتها على لبنان يؤخر التأليف، باعتبار أن الأطراف الرئيسة المعنية بولادة التركيبة الحكومية، لا سيما «حزب الله»، تفضل انتظار ما سيؤول إليه الوضع الإقليمي، لأن المنازلة السياسية والاستنفارات العسكرية المتقابلة لها الأولوية عند الحزب على أي شيء آخر. إلا أن التوافق الأميركي - الروسي على وضع السلاح الكيماوي السوري تحت إشراف دولي، خلط الأوراق، ورأى المعنيون بتأليف الحكومة أن المسار الديبلوماسي الحالي المتعلق بهذا السلاح قد يأخذ وقتاً طويلاً، وبالتالي لا يجوز انتظار التطورات الخارجية أكثر، بل يجب تسريع التأليف. وفضلاً عن أن الرئيس المكلف تأليف الحكومة تمام سلام يحرص على الإفادة من أي فرصة لتحريك الأمور، كان للرئيس سليمان أيضاً مبرر إضافي، هو أنه يفضل الانتقال إلى الأممالمتحدة في ظل وجود حكومة جديدة، خصوصاً أنه وفريقه سمعوا من سفراء غربيين وأوروبيين تفضيلهم أن يُعقد اجتماع المجموعة الدولية لدعم لبنان في ظل وجود حكومة كاملة الصلاحية، نظراً إلى أن المساعدات التي ستقدم إلى لبنان في مجالات عدة، يحتاج صرفها إلى آلية حكومية - إدارية واضحة لتلقي الأموال لمصلحة صندوق ائتماني يكون للبنك الدولي دور في الإشراف على استقبال المبالغ المالية وإنفاقها. إلا أن المحاولات التي بذلت لتذليل العقبات من أمام ولادة الحكومة لم تفلح مرة أخرى. واصطدمت بإصرار «حزب الله» وحلفائه في قوى 8 آذار على الحصول على الثلث الضامن في الحكومة، مقابل تجديد سليمان وسلام طرحهما الصيغة الحكومية القائمة على التمثيل المتساوي ل8 آذار و14 آذار والوسطيين، أي 8+8+8. ولم تنجح محاولة بذلها رئيس «جبهة النضال الوطني» النيابية وليد جنبلاط مع زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بتسمية الوزير الشيعي الخامس في تشكيلة من 24 وزيراً بشكل مشترك من سليمان وقيادتي «حزب الله» وحركة «أمل»، هذا فضلاً عن أن سليمان وسلام بقيا على رفضهما التسليم بالثلث الضامن في شكل مقنّع عبر وزير ملك. وتقول مصادر معنية بالتأليف إنه عندما طرحت فكرة تأليف حكومة جامعة (بعد أن وافق الجميع ومن ضمنهم فريق 14 آذار على أن الحكومة الحيادية لم يعد خياراً صالحاً إثر التفجيرات التي حصلت في الضاحية الجنوبية وطرابلس الشهر الماضي) يختار سليمان وسلام وزراءها من دون ثلث معطل ويوقعان مرسوم تأليفها من دون الوقوف عند اعتراضات قوى 8 آذار، بعث «حزب الله» إلى من يعنيهم الأمر بأنه سيسحب وزراءه مع حلفائه منها وكرر رفضه تسليم الوزارات. وفيما كان التوجه إلى إعلان الحكومة يشمل تسمية 4 وزراء شيعة للحزب وحركة «أمل»، و4 مسيحيين للتيار الوطني الحر وقوى 8 آذار، على أن يعاد توزير الوزيرين الحاليين للحزب محمد فنيش وحسين الحاج حسن. إلا أن جواب الحزب ومعه الرئيس نبيه بري كان الرفض الكامل للفكرة، أولاً بالإصرار على أن يسميا الوزير الشيعي الخامس (ما يجعل وزراء 8 آذار تسعة أي الثلث المعطل) من دون تقاسمه مع أحد، وثانياً رفض مبدأ تسمية الوزراء الشيعة من سليمان وسلام، لأن هذا «يعيدنا إلى الثنائية المارونية - السنية، فيما العرف كرّس منذ أكثر من عقدين «دور الترويكا»... وثالثاً الاعتراض على تسمية فنيش والحاج حسن، لأن الحزب قد يختار غيرهما «عملاً بمبدأ المداورة الحزبية، ورئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي فضّل بقاءهما في حكومته وفرضهما علينا واضطررنا للقبول تسهيلاً لمهمته». 3 خلاصات وخلص المعنيون بالاندفاعة نحو استيلاد الحكومة قبل سفر سليمان إلى نيويورك، إلى 3 استنتاجات: 1 - أن تزخيم الاتصالات لإيجاد مخرج لعقد صيغة الحكومة عبر التوافق بين الفرقاء سيأخذ وقتاً لحلحلة العقد يتجاوز موعد سفره. 2 - أن إعلان الحكومة الجامعة من قبل سليمان وسلام وفق مفهومهما ومبادئهما مع تمثيل جميع الأحزاب، سيقابَل برد فعل رافض لها يتسبب بإجهاضها وانسحاب من ينسحب منها، ما يعني سفر الرئيس في ظل وجود مشكلة في التمثيل الحكومي، وهذا غير مناسب في ظل الاجتماع الدولي لدعم لبنان. 3 - ازدادت القناعة لدى سليمان وسلام بأن الحزب يفضل بقاء الحكومة الحالية على تقديم التنازلات، لأنها مناسبة لسياساته وخوضه الحرب في سورية أكثر من أي حكومة جديدة. وتعزز الانطباع بصعوبة ولادة الحكومة قبل سفر سليمان مع تصاعد السجال على إعلان بعبدا الذي اضطر الرئاسة الأولى إلى إصدار بيان تفصيلي حول الإجماع على إقراره في حزيران (يونيو) العام الماضي، ردت عليه الأحزاب الحليفة ل «حزب الله» بأنه غير صالح ليكون أساساً للبيان الوزاري للحكومة، مقابل الإصرار على تشريع «المقاومة» عبر صيغة «الجيش والشعب والمقاومة» التي ترفضها قوى 14 آذار، ويعتبر سليمان وسلام أن مشاركة الحزب في القتال في سورية باتت تتطلب معادلة غيرها في ظل استمرار البحث بالاستراتيجية الدفاعية للإفادة من المقاومة فعلياً. وهل يساعد تفعيل الرئيس بري مبادرته الحوارية عبر زيارة وفد من كتلته النيابية الرؤساء والقوى السياسية، خصوصاً أن الوفد طمأن سليمان إلى أن النقاط الست في مبادرته أخذت من إعلان بعبدا وأنها ليست بعيدة منه ولا تهدف إلى المس بصلاحياته وسلام، في تأليف الحكومة؟ بري واعلان بعبدا مصادر سياسية بارزة مواكبة لاتصالات تأليف الحكومة اعتبرت أن كلام بري عن إعلان بعبدا إيجابي، فهو يدرك حساسية الموقف ولا يريد أن تموت مبادرته في المهد، هذا فضلاً عن أن الحزب يترك له هامشاً من الحركة نظراً إلى حاجته إليه في مرحلة مقبلة، لكن يفترض استكشاف نتائج تحرك وفد كتلته ليبنى على الشيء مقتضاه ومعرفة ما إذا كان هذا التحرك سيجد مخرجاً للبيان الوزاري. وخلال زيارة وفد «كتلة التحرير والتنمية» للرئيس سلام أول من أمس، عرض الوفد تفاصيل مبادرة الرئيس بري بتعداد نقاطها التي كان اقترح أن تبحثها هيئة الحوار الوطني، بدءاً بالاستراتيجية الدفاعية مروراً بالوضع الاقتصادي ودعم تطويع الجيش خمسة آلاف جندي مروراً بوقف التدخل اللبناني في سورية وصولاً إلى اقتراحه أن يبحث الحوار في شكل الحكومة وبيانها كبند أخير (هي الأولى في نص المبادرة التي أعلنها بري في 1 آب / أغسطس)، وأكد الوفد لسلام أن ما قصده الرئيس بري في شأن الحكومة هو مساعدة الرئيس المكلف وليس الافتئات على صلاحياته، لأنه وفق الدستور هو الذي يؤلف الحكومة. وأوضح الوفد، استناداً إلى ورقة كان يحملها، أن ما تنص عليه المبادرة أُخذ من إعلان بعبدا. وذكرت أوساط اطلعت على جزء من وقائع الاجتماع، أن الرئيس سلام كان مستمعاً وعندما انتهى الوفد من عرض افكاره علّق بالقول إنه يقدّر الرئيس بري ودوره، مشيراً إلى أنه قام بمبادرات عدة ومحاولات في السابق لتسهيل تأليف الحكومة، وأكد سلام حرصه على أفضل الصلات مع بري نظراً إلى دوره الوطني والحاجة إلى هذا الدور في التقريب بين وجهات النظر. وذكّر بأنه سبق للرئيس بري أن حاول المساعدة حين قال عندما تعقّد تأليف الحكومة بسبب الخلاف على قانون الانتخاب، إنه «بمجرد الاتفاق عليه والانتهاء من بحثه فإنه سيساعد على تسريع تأليف الحكومة فوراً»، ثم أعلن أنه لم يعد هناك من مبرر للثلث المعطل في الحكومة نظراً إلى أنه سيفاوض على حصته و «حزب الله» من دون التفاوض على حصة العماد ميشال عون. وقال سلام للوفد إن دعوة بري إلى الحوار مهمة، وعلى الدوام كان محبذاً للتلاقي والتفاعل بين الفرقاء، وهذا موضع تقدير الجميع. إلا أن المصادر المطلعة نفسها أشارت إلى أن سلام مع امتداحه دور بري الحواري لم يعلّق على بنود المبادرة أو تفاصيلها، وحين سأله أعضاء الوفد عن «مباركتك للتحرك الذي نقوم به»، اكتفى بالرد: «ما يمكنني قوله هو أنني تبلغت»، وعندما ألح عليه أعضاء الوفد أن يوضح أكثر، خصوصاً أنه كان زار سليمان الذي رحب «بكل دعوة للحوار»، ردّ سلام بالقول: «أنا تبلغت ولن أقول أكثر». وتعليقاً على إصرار سلام على عدم البحث المسبق بالبيان الوزاري قبل التشكيل، تقول المصادر المطلعة على موقفه إنه يعتقد أن استحقاق البيان الوزاري يحصل بعد تأليف الحكومة ولا يمكن أن يتم بحثه قبل ذلك، لأنه سيكون كمن يضع الأحصنة قبل العربة.