تتنافس الفرقة الموسيقة الكوبية «فرح» مع بقية الفرق التي تفترش شارع الاستقلال، أشهر شوارع إسطنبول، اذ تنهال الليرات على الفرقة التي تجذب السياح إليها، ولذلك يقول سنجار(عازف في فرقة فرح): «عندما تُجاورنا فرقة عربية نعرف أننا غالباً سنخسر جولة المنافسة». والسبب بحسب سنجار، أن العرب ينظمون حلقات دبكة تجذب السياح كثيراً، وهم غالباً ما يشجعونهم على الإنضمام إلى رقص الدبكة، ما يمكنهم من جمع دائرة كبيرة من المتفرجين الذين يرقصون ويصفقون. وفي محاولة منها لمنافسة الفرق العربية، بدأت فرقة «فرح» تقديم فقرات من الرقص الكوبي آملاً في إثارة اهتمام المارة. من خلال تفنن الفرق الموسيقية في تقديم عروض رقص جذابة، بات في إمكان رواد الاستقلال، التعرف على فنون الرقص والموسيقى العالمية، فكل فرقة تستغل الأمتار القليلة التي تحتلها في الشارع المرصوف بالحجارة القديمة للتعبير عن الثقافة التي تنتمي إليها. ويبدو أن هذا الأمر أكثر ما أثار صاحب متجر موسيقى فرنسي يدعى جاك، وهو يحرص منذ أكثر من ست سنوات على زيارة اسطنبول خلال إجازاته، لأنه يراها مدينة غنية ثقافياً. ويقول: «أعتقد أن «الاستقلال» هو المكان الوحيد في العالم الذي يتيح لزواره فرصة الاستمتاع بالموسيقى التراثية الشرقية، الممزوجة بأنغام إحدى الفرق الكلاسيكية الفرنسية، وإن كان لحوار الثقافات مسرح فإن «الاستقلال» هو المسرح الأمثل لذلك». ويبدي جاك إعجابه بالعجوز الذي يعزف كل مساء على الأوكورديون في منتصف الشارع، وترقص زوجته حوله بحركات استعراضية. ويقول: «يأخذ العجوز وزوجته المتفرجين في رحلة إلى القرون الوسطى»، ولذلك يحاول الفرنسي حضور عرض الزوجين كل مساء. ووفق جاك فإن مرور قطار «الترامواي» من منتصف الشارع ذهاباً يزيد المكان سحراً، خصوصاً أن بلدية اسطنبول حافظت على الهيئة التراثية للقطار. ويوضح: «تروّج بعض الفرق الموسيقية التركية لنفسها عن طريق وصل قاطرة مكشوفة في الترمواي، اذ يجتمع أفراد الفرقة في القاطرة ويعزفون بينما يمشي القطار وتصدح منه الموسيقى، وهذا ما يثير حماسة المارة فيرقص بعضهم تناغماً مع موسيقى الترامواي». وفي الجهة القريبة من برج «غلطة»، توجد أشهر متاجر الآلات الموسيقية، ما يجعل «الاستقلال» يفوز بجدارة بلقب شارع «الفن». فالمتاجر الموجودة فيه غنية بالآلات القديمة والمعاصرة، وتمتاز بمجموعة نادرة جداً من الآلات الشرقية التراثية التي يصعب العثور عليها في أي مكان آخر. ويقول التاجر سنان إن «الشارع التاريخي، احتضن أهم الفرق الموسيقية العالمية. نفتخر بالتلون الموسيقي والثقافي الذي يشتهر به الاستقلال»، موضحاً أن السلطات لا تفرض على العازفين الحصول على رخص للعمل، بل تسهل عملهم عبر السماح لهم باحتلال المكان الذي يرونه مناسباً. ويضيف سنان أن «الاستقلال يزدحم في ساعات الصباح بحركة الموظفين وأصحاب المحال، وفي الظهيرة تبدأ الفرق الموسيقية التسلل إلى أطراف الشارع، لتصدح الموسيقى منه مع غياب الشمس. وبعد الساعة الأولى فجراً تختلط موسيقى الفرق بالموسيقى الصاخبة الصادرة من النوادي الليلية، وعندها يشعر المار أنه وسط ازدحام موسيقي رائع». ولا يبخل «الاستقلال» على زواره الذين يصل عددهم إلى ثلاثة ملايين خلال نهاية الأسبوع، بالمطاعم التي تقدم أشهر مأكولات المطبخ التركي، إضافة إلى دور السينما والمكاتب والمتاجر الموسيقية. ولذلك تقول الشابة التركية إليف التي تعمل في أحد محال التجميل: « للشارع سحر خاص، فما أن تدخله حتى يأسرك تنوع أبنيته ومحاله، ناهيك بتنوع جنسيات المارين فيه. والجميل أنك تتعرف في الشارع على شعوب العالم وثقافاتها».