تتحوّل ساحات مدينة فيرّارا في شمال إيطاليا، في آب (أغسطس) سنوياً، إلى مسارح للعروض الموسيقية والفنّية، حيث يقدّم «فنّانو الشارع» نحو 100عرض فنّي مجانّي يوميّاً لجمهور من مختلف الأعمار. ويحتلّ مئات الفنانين الذين يتقاطرون من دول مختلفة، ووالى 200 ألف متر مربع من ساحات المدينة. إنّه مهرجان فيرّارا لموسيقييّ الشارع (Ferrara Buskers Festival) الذي انطلقت نسخته الأولى العام 1988، ويُعتبر أحد المهرجانات الأكثر شهرة لموسيقى الشارع في إيطاليا. وهو نوع من «نزهة فنّية حول العالم» تجري في ساحات فيرّارا الضيّقة، وأشبه بمسيرة «للبحث عن الكنز» واكتشاف المواهب والأنغام المرهفة والصاخبة على حد سواء، إضافة إلى الآلات الموسيقية الإيطالية والعالمية. وانطلقت في المدينة النسخة ال 27 للمهرجان الذي تشارك فيه دولة منغوليا كضيفة شرف هذه السنة، وتُحيي أربع مجموعات تضمّ فرقاً من منغوليا عروضاً موسيقية مختلفة تتراوح بين الموسيقى الصوفية التقليدية والغناء والرقص الشعبيين، إضافة إلى العزف على آلة «المون خور» المنغولية المصنّفة ضمن «التراث الشفهي للإنسانية» وفق اليونيسكو. ويتميّز المهرجان لهذه السنة، بحضور 1200 فنان موزعين على 304 فرق يمثلون 45 دولة، ما يجعل «فيرّارا بوسكيرز فستيفال» أحد أهم مهرجانات الفنون الشعبية في أوروبا. وإذا كان معظم الفنانين المدعوين سنوياّ هم موسيقيون حصراً، لا يخلو الأمر من وجود فِرَق رقص شعبي ورقص حديث ومبتكري ألعاب سحرية وبهلوانية، ما يحوّل المهرجان إلى متنفّس للأطفال ومحبّي هذا النوع من الفنون الشعبية. وكانت أحداث المهرجان انطلقت في عروض أوّلية تمهيديّة، في مدينة كوماكيو في محافظة فيرّارا، حيث احتلّ الفنانون الساحات العامة. وغصت ّالطرق بهم وبموسيقى الشارع التي حملوها معهم من بلدانهم القريبة والبعيدة. هذه هي حال مجموعة Balinka الألمانية التي صدحت بأنغام الGipsy، وحال مجموعةNeutral Ground Brass Band المؤلفة من عازفين من جنسيّات مختلفة لعبوا على آلات موسيقية تتراوح بين الميغا ترومبون والساكس والطنبوري. وكان لافتاً حضور مجموعةKhunkh Mongol المنغولية ومجموعة Alex Hahn & Blue Riders الأسترالية، إضافة إلى مجموعة Adrian & Martin - Rumba2 الرومانية - الإيرانية المشتركة. أمّا الإفتتاح الرسمي للمهرجان، فاستضافه وسط مدينة فيرّارا، وأحيته أوركسترا Gaga Symphony Orchestra التابعة لمدينة بادوفا، والتي تتألف من عازفين دون الثلاثين. وعلى ايقاع آلات الڤيولا دا غامبا (كمان الساق) والفلوت والترومبون والكونترباص، ألهب المبدعون الشباب ساحة الكاستيلو. في اليوم الأول للمهرجان كان الجمهور على موعد مع عشر فرق أدّت عروضاً مختلفة. ففي ساحة الكاتدرائية، أحيت فرقةOh Peta الآتية من برشلونة الفولكلور الأندلسي على إيقاع أنغام موسيقى الJarocho المكسيكية الأصل. وفي ساحة مجاورة عزفت فرقة Ars Nova Napoli الموسيقى الشعبية المعروفة في مدينة نابولي. أمّا فرقة Skarallaos الإسبانية فلفتت انتباه الحضور والمارة الذين استوقتهم أنغام موسيقاها اللاتينية وحضّت أجسادهم على الرقص. فنانون من مختلف الجنسيّات والإثنيّات أشهروا انتماءهم لإبداعات الشارع وموسيقاه. الخط الرابط بينهم هو البحث عن المقطوعات الموسيقية القديمة والمنسيّة بهدف إعادة توزيعها بأساليب حديثة وراقية تتناسب وضجيج الشارع. يتشارك هؤلاء الفنانون أيضاً متعة الجمهور خلال سفرهم المعاكس، انطلاقاً من الماضي المنسيّ وصولاً إلى التسكّع في أرجاء موسيقى الحداثة وصخبها. أمّا الخط الفاصل الوحيد بين الفنانين فهو تزامن توزّعهم على ساحات فيرارا العامة. هو انفصال موقّت يمتد بضع ساعات ولا يلغي الروح العالمية لموسيقى الشارع التي تجمعهم. ويُختتم مهرجان «فيرّارا باسكرز فستيفال» مساء الأحد المقبل، حين ستكون ساحات المدينة على موعد مع عشرات الحفلات الموسيقية، التي تتفاوت بين الموسيقى الشعبية المتعدّدة الإثنيات وموسيقى الروك والجاز والبلوز وتلك الأكثر حداثة في العالم.