«آلة رافعة تديرها ذراع تنقل من بالأسفل إلى الأعلى» فكر بها «أرخميدس» في القرن الثاني قبل الميلاد، ليعلن الفرنسي «ليون آيدوكس» اختراعه ل «الأسنسير» في عام 1867، ليكون بعد قرابة 23 قرناً وسيلة نقل أساسية للبشر، تقلهم إلى أعالي شواهق مبانيهم ب «كبسة زر». وعلى عكس الطبيعة البشرية، يفتح المصعد قلبه للغرباء، ويحملهم في جوفه آمنين، موفراً لهم كل ما يعينهم على استمرار الحياة لرحلة الثواني المعدودة، من ضوء وهواء، راضخاً لأوامرهم، بكل عدل، إذ لم يتوانَ المصعد الكهربائي يوماً عن فتح قلبه وحمل الأشخاص بداخله، ونقلهم بين الطوابق ما علا منها وما سفل، موفراً على أقدامهم تعب خطوات النزول والصعود. ولم تقف خدمات المصاعد الآلية على نقل الأشخاص فحسب، بل تطورت لتصبح مصاعد حاملة للبضائع، الطعام، وأخرى سياحية وترفيهية ضمن ألعاب الترفيه. وبلسان دائب في صعوده ونزوله، على دندنة «الواد الجن» للمغني المصري حسن الأسمر، مستشهداً بجملته الشهيرة في أواسط الثمانينات التي تصف حاله بدقة «طالع أزن .. نازل أزن .. أنا من يومي غاوي أفن»، يرفه «الأسنسير» عن نفسه بنغمة فتح الباب للمحمولين بداخله، أو للواقفين على عتباته من الراغبين في مشاركة حركة النقل الطوابقية. ولعل مرافقة الخوف والتجهم وعقد الحاجبين تعد بمثابة «تذاكر مرور» نفسية لركاب المصاعد، يقول الاستشاري النفسي الدكتور حاتم الغامدي ل «الحياة» إن ضيق المصاعد، يدفع الإنسان غالباً بالشعور بالوحدة، العدوانية، الخوف، والتوتر، وأضاف «في علم النفس نقول إن الخوف من الأماكن المرتفعة والضيقة يتكرر في المصاعد، الحافلات والطائرات، فأي مجتمع يكون به كثافة إنسانية في مكان واحد، ما يدفع الإنسان للوقوع في موقع دفاعي نتيجة الشعور بالخوف، الأمر الذي يندر وجوده في الأسواق، فالمكان المغلق يجعل الإنسان في حال من الدفاع تنعكس على إيماءات جسده». ولتحفظ لغة الجسد بتكتيف الأيدي وعبوس الوجه دلالات عدة لدى علم النفس، كشف عنها الدكتور الغامدي، بقوله إن وقوف الرجل والمرأة بإعطاء الطرفين ظهره للآخر دلالة على عدم رغبته في فتح طريق للحوار والتحفظ، لأن كليهما يكون في موقع دفاعي أو هجومي، وأضاف «العلاقة ما بين الرجل و المرأة خصوصاً إذا كانت علاقة غرباء تعتبر اكتشافاً للشخص الآخر، فالرجل ينظر للمرأة من منظور جنسي والمرأة تنظر إليه على أنه المهدد والشخص الذي يبحث عن الشهوة معها وفي جميع الحالات هو متحفز من الآخر». ولا بد أن يكون للخوف سبب آخر يدفع ركاب رحلة الدقائق القصيرة على موعد من القلق، ألا وهو خوف الاحتجاز، أو انقطاع التيار الكهربائي الذي يعد بمثابة «أكسير» الحياة للمصاعد، إذ أوضحت إحصاءات للمديرية العامة للدفاع المدني في عام 2010 أن نحو 18 ألف حادثة احتجاز في المصاعد خلال الخمسة أعوام التي سبقت ذلك العام، أصيب فيها 33 شخصاً، وتوفي أربعة أشخاص بداخلها. السرعة وكسب الوقت، هما العاملان الأساسيان لركوب المصعد، إضافة إلى البحث عن عدم العناء بإرهاق الأقدام على عتبات السلالم، فالمصاعد عادة ما تبدأ سرعة صعودها في تلك القديمة المتهالكة بما بين اثنين وتسعة كيلو مترات في الساعة، لينتهي المطاف بأسرع المصاعد في العالم الموجود في برج خليفة بسرعة صعود تصل إلى نحو 60 كيلو متراً في الساعة. وإذا كان «15رجلاً ماتوا من أجل صندوق»، الجملة جادت بها بنات أفكار «روبرت ستيفنوس» في قصته «جزيرة الكنز» التي وضع آخر نقطة في سطورها في عام 1880، أتى «المصعد» الحديث ليحور مفهومها إلى «15رجلاً حملوا في جوف صندوق» فأصبحت الصناديق، من جمادات محمولة، إلى أخرى حاملة لمن كانوا يحملونها، لتختصر عليهم مفهومي «الجهد والوقت» الفيزيائيين، واختلاف الكنوز من ذهبي يقاتل عليه، إلى إنساني يخاف عليه من القتل.