لم يستطع البعض أن يستوعب الخطوط العريضة في التواصل الإنساني الذي يظهر في سلوكيات المرء حينما يتعاطى في الأماكن العامة مع الآخرين، فالبعض يتصرف وكأنه مازال في بيته، بعشوائية، وبطريقة لا تتسم بالتهذيب، بل وربما بعد المرء عن الذوق العام وفن الإتكيت الذي لابد أن يتصرف من منطلقه في ذلك التواصل الاجتماعي الكبير خارج البيت، على الرغم من ضرورة أن يتصف الإنسان بالجيد من الأخلاقيات داخل وخارج منزله وليس فقط في الأماكن العامة. ويرى البعض أن هناك إساءة في الذوق العام من قبل الرجل مع المرأة في الأماكن العامة، فعلى الرغم من وجود "رجال" مهذبين، ومحترمين، ويتصفون بتمام الذوق في التعامل، والجاذبية في الأسلوب واحترام الآخرين خاصة المرأة، نجد البعض الآخر بخلاف ذلك يتصف بشكل غير مقبول متناسيا معنى أن يكون رجلاً بمواصفات الذوق العام. احترام طبائع الغير تجربة المصعد التي عاشتها "صالحة سعد" تكشف ابتعاد بعض الرجال عن مفاهيم واحترام الذوق العام، حيث حدث ذلك حينما رغبت "صالحة" في استخدام المصعد كوسيلة لتصل بها إلى الدور الخامس من عمارة سكنية، فحينما دخلت وضغطت الزر الخاص بالدور الخامس لاحظت صغر المساحة الموجودة في المصعد والتي لا تكفي إلاّ لشخصين كحد أقصى فلم تكترث للموضوع، إلاّ أنّ المصعد في طريقه للصعود توقف عند الدور الثالث، حتى فتح الباب وفوجئت برؤية رجل يقف في الخارج ينظر إليها، ثم سريعاً دخل وزاحمها المصعد دون أن ينطق بكلمة واحدة وقد ضغط زر الدور الأرضي، فشعرت بحرج شديد وإرباك خاصة أن المصعد كان ضيقاً جداً والمكان يخلو من أي شخص سواهما بعد أن شعرت بأنها قريبة جداً من ذلك الرجل الذي أثار غضبها، دون أن ينتبه إلى ضيق المساحة ووجود امرأة في المصعد بمفردها، وحينما قارب المصعد على الوصول، التفت الرجل إليها وطلب منها أن تتقدم لتتمكن من الخروج فيما سيحاول الانتقال إلى مكانها لينتظر دوره في النزول، فلم تكد تخرج "صالحة" من ثورة غضبها حتى وصلت إلى الدور الخامس "بامتعاض شديد". أنانية متأصلة طارق:«الإتكيت» ليس حصراً على الرجل وتتفق معها "أم بسام سليمان" التي أخذت تنتظر خارج غرفة الصراف الآلي لأكثر من نصف ساعة تنتظر دورها أن يحين وقد كان هناك زحام شديد من مجموعة من الرجال على تلك الصرافة، فوقفت في الخارج تنتظر بعد أن رأت بأنه لم يتبق إلاّ شخص واحد يجري عملياته الحسابية، وقبل أن ينتهي بثوان، اقترب رجل من الصرافة ودخل عند ذلك الرجل وانتظره حتى أكمل عملياته الحسابية وبعد أن غادر أخذ يجري عملياته الحسابية دون أن يتنبه إلى وجودها تنتظر عند الباب الزجاجي. واعتبرت "أم بسام" ذلك استغلالا لحياء المرأة وعدم قدرتها على المطالبة بحقها، بالجدال في ذلك الموقف، موضحة أن الكثير من الناس يعتبرون في تلك السلوكيات عفوية وعشوائية في التعامل غير مقصودة إلاّ أنها ترى بأنها تنم عن فكر جاهل، وأنانية عميقة في الشخصية، وعدم احترام النظام وحقوق الآخرين، وابتعاد عن الذوق العام من التهذيب الذي لابد أن يكون في سلوكيات المرء رجلاً كان أو امرأة، موضحة بأن قلة الذوق قد لا تبدر فقط من الرجل تجاه المرأة بل قد تبدر من المرأة أيضا تجاه الرجل. التعامل مع المقربين وترى "نعيمة عبد الرحمن" أن البعد عن احترام الذوق العام والتعامل مع المرأة بشكل متحضر وراقٍ لا يحدث فقط من قبل الغرباء، بل ان هناك من المقربين لنا في الحياة من يسيء الأدب مع المرأة في الأماكن العامة دون الشعور بذلك السلوك، سواء أكانت أختاً أو زوجة أو ابنة، موضحة أنها كثيراً ماترفض أن تخرج مع زوجها في الأماكن العامة خاصة الأسواق، وذلك لأن زوجها يتصف بالعصبية، فيخرج عن هدوئه ويغضب لأبسط الأمور فيتلفظ عليها بألفاظ غير لائقة في الأماكن العامة وبصوت مرتفع حتى أنه يتسبب لها بإحراج كبير خاصة حينما تكون تلك الأماكن مليئة بالنساء، فالمرأة تكره أن يوبخها زوجها أمام نساء أخريات لأنها تعرف أن المرأة فقط من تفهم مشاعرها فتشعر بالحرج. إحراج كبير الغلاييني: الذوق العام يبدأ من التربية واستشهدت "نعيمة" بموقفها مع زوجها حينما دخلت ليلة العيد محلا للملابس النسائية ترغب في تبديل قطعة كانت قد اشترتها فلم تكن مناسبة، وقد رفض البائع إعادة القيمة وطلب منها أن تستبدل القطعة بقطعة أخرى، وقد كان المحل مزدحما بالنساء وبعض الرجال وبينما هي تبحث حتى صرخ زوجها موجهاً "شتائم" غير لائقه لها يطلب منها السرعة في الاختيار حتى ساد صمت كبير في المحل، فالجميع أخذ ينظر إليها وسط إحراج كبير شعرت فيه، وحينما حاول البائع أن يمتص الموقف ويطلب من زوجها أن يهدأ وقد قرب إليه مقعدا ليستريح وينتظر، توجه زوجها إلى البائع بغضب يطلب منه عدم التدخل فيمالا يعنيه، فما كان منها إلاّ أن رمت بالقطعة وخرجت من المحل وهي تبكي وسط تعاطف الآخرين. خلافات كبيرة وأكدت على أنّ الكثير من السلوكيات التي يتصرف بها الآخرون يعتقدون أنها سلوكيات عادية وتلقائية تحدث في التواصل الإنساني؛ إلاّ أنها قد تسبب خلافات كبيرة خاصة حينما تصل إلى العلاقات الخاصة كعلاقة الزوج بزوجته أو علاقة الأخ بأخته، فالاحترام مطلوب لكنه لابد أن يكون أكبر حجماً وعمقا في الأماكن العامة، فحتى الأشياء العادية التي من الممكن أن يتحدث بها الشخص في البيت لابد أن يكون فيها الكثير من الحدود في الأماكن العامة كالضحك المرتفع أو الأحاديث الشخصية بصوت يلفت الانتباه لصاحبه، أو حتى تناول الطعام في المطاعم المفتوحة بشكل غير لائق، أو التصرف بهمجية في تناول الأشياء، مضيفة: ويقاس على ذلك أيضاً تعاطي المرأة مع أبنائها التي لابد أن لا تسمح لهم بإفساد جمال المكان العام كتكسير بعض الألعاب التي وضعت لتسلية الأطفال أو تقطيع النباتات الجميلة، أو رمي المخلفات على طاولة المقهى ثم سكب الشراب على الأرض فكلها سلوكيات لابد أن تأخذ معنى الجدية في التصرف من باب تحضر تربوي كبير. البعد عن الذوق العام أم بسام: البعض يستغل حياء المرأة ويختلف معهم "طارق المرجعي" الذي يرى بأن الخروج عن الذوق العام وفن الإتكيت ليس حصرا على الرجل فقط بل ان هناك من النساء من تتصف بالهمجية والعشوائية في تصرفاتها على نطاق الأماكن العامة، في حين قد نجد بأن الكثير من الرجال يتصفون بالاحترام والتهذب وحسن التعامل مع المرأة، فهناك من يقف في أماكن الجلوس بعد أن يدعو امرأة للجلوس في المقعد بدلا عنه، وهناك من يساعد امرأة طاعنة في حمل أكياسها الثقيلة حينما ترغب في صعود السلم، بل ان هناك الكثير من الرجال من يرفض أن تنتظر المرأة في طوابير القطاعات الحكومية لتخليص أوراق ما تخصها فيأخذ عنها الأوراق وينهيها لها، مشيرا إلى أنه في مقابل ذلك نجد نساء يسئن احترام المكان الذي يتواجدن فيه. غياب ثقافة الإتكيت ورأت "أروى الغلاييني" -المستشارة والمدربة بالتربية وتطوير الذات- أن الإتكيت وفن التعامل في الذوق العام لابد أن يكون من أساسيات التربية التي يتلقاها الفرد في بيته إلاّ أن هذه الثقافة للأسف مغيبة، فليس هناك خبرات في الواقع تربي الأم أبناءها عليها، فعلى سبيل المثال تعليم الأطفال "احترام الأدوار في الحصول على الشيء" ثقافة غير مدعمة في حياتنا اليومية، بل إنها موجودة فقط في المدرسة في صف الطالب عند المقصف والطابور الصباحي وماعدا ذلك فهي مغيبة في تفاصيل الحياة اليومية، فالتجارب التربوية ينقصها التجارب الواقعية التي تدعمها وذلك مايبني الخلل. احترام الأنظمة وأضافت: فليس هناك ربط المنهج بالواقع، فنجد الأب هو من يقطع التذاكر في المطار والأبناء يتفرجون، كذلك في قيادة السيارة الشباب يتعمد الدخول بين السيارات يمينا ويسارا دون مراعاة للنظام وفن احترام الآخرين، وحينما تقر عليه مخالفة مرورية يذهب الأب ويدفع عنه ويخرجه أو يتشفع له عند الآخرين دون أن يدرك أن هذا الشخص لابد أن يتعلم فن احترام الأنظمة والذوق العام، وذلك ينطبق على إخراج القدمين لبعض الشباب من نوافذ السيارة وترجيع المقعد بشكل مبالغ فيه إلى الخلف كلها سلوكيات تبعتد عن الذوق العام هدفها لفت الانتباه بعشوائية وبسلوكيات مغلوطة، مؤكدة بأن ثقافة تنمية قوة الاختيار غير موجودة وهذا مايزيد الحماقة في السلوكيات العامة والبعد عن الذوق العام. تدعيم التواصل نعيمة: أخاف من عصبية زوجي وأوضحت "الغلاييني" أن الغالب احترام المرأة في الأماكن العامة في مجتمعنا، فما يصدر من سلوكيات تخرج عن حدود الذوق العام ليست شائعة كثيرا بل ان السائد أن تحترم المرأة إن وجدها الرجل في المصعد بمفردها، وأن تقدم في الطوابير وعند أجهزة الصرافات، على الرغم من مطالبة المرأة الدائمة بالمساواة مع الرجل، إلا أنها كثيرا ماتعود لتطلب الرفق بها والتعاطي معها في مواضع معينة كامرأة لها خصوصيتها وفي ذلك ازدواجية في الفكر، مشيرة إلى أن المرأة مقدمة في الأماكن العامة فعلى سبيل المثال حينما يرى الرجل المرأة واقفة في باص فإنه يتنحى بأدب ويطلب من المرأة الجلوس، مضيفة بأن هناك أخلاقيات مهمة لابد أن تكون جزءا أساسيا في فن الإتكيت والتعامل كإشاعة الابتسامة، وتدعيم التواصل الحميم بين الجيران وبين أفراد المجتمع، وإشاعة السلام بين أفراد المجتمع على من تعرف ومن لا تعرف، وليس كما يحدث من حصر السلام على من نعرف فقط وفي ذلك بعد عن الإتكيت وفن الذوق العام.