لندن، نيويورك - «الحياة»، أ ف ب، رويترز - أكد الرئيس الأميركي باراك أوباما في لقاءاته في قمة «مجموعة العشرين»، أنه «واثق» من مسؤولية نظام الرئيس بشار الأسد عن «مجزرة الكيماوي» قرب دمشق. وقالت مصادر ديبلوماسية غربية ل «الحياة»، إنه ابلغ قادة الدول الذين التقاهم أن أميركا قادرة بمفردها على القيام بالعملية العسكرية، وأن كل ما يطلبه منهم رفع الصوت واتهام النظام السوري و «توفير الغطاء السياسي للعملية العسكرية». ودعت 11 دولة في القمة في بيان نشره البيت الأبيض إلى «رد دولي قوي» على «الهجوم الكيماوي»، مؤكدة أن مؤشرات تدل «بوضوح» على مسؤولية نظام الأسد. وجاء في البيان، الذي وقّعته بناء على دعوة من أميركا كلٌّ من استراليا وكندا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وتركيا واليابان وكوريا الجنوبية والسعودية وإسبانيا: «ندين بأشد العبارات الهجوم الرهيب بالأسلحة الكيماوية في ضواحي دمشق الذي أسفر عن مقتل عدد كبير من الرجال والنساء والأطفال. والأدلة تؤكد بوضوح مسؤولية النظام السوري عن هذا الهجوم. وندعو إلى رد دولي قوي على هذا الانتهاك الخطير للقواعد والقيم المطبقة في العالم بهدف توجيه رسالة واضحة لعدم تكرار هذا النوع من الفظائع. إن من ارتكبوا هذه الجرائم يجب أن يتحملوا المسؤولية». وتابع البيان أن «الموقعين طالبوا منذ وقت طويل بقرار قوي يصدره مجلس الأمن الدولي، لكن الأخير معطل منذ عامين ونصف العام»، و «العالم لا يمكنه أن ينتظر نتيجة عملية لا نهاية لها آيلة إلى الفشل». ولم يتضمن البيان أي إشارة علنية إلى تدخل عسكري في سورية، لكنه عكس مجدداً انقسام المجتمع الدولي حيال الملف السوري. وكانت قمة «الفرصة الأخيرة» فشلت في تقريب المواقف بين روسيا والولايات المتحدة، وأطلقت نتائج الاجتماع العدَّ العكسي تحضيراً للضربة العسكرية. وبدا الانقسام واضحاً بين البلدان الأعضاء في «مجموعة العشرين» برغم حديث قادة غربيين عن «اتفاق الغالبية على ضرورة الرد على استخدام السلاح الكيماوي واختلاف في التعاطي مع آليات الرد المطلوب». وانتهت اجتماعات قادة «مجموعة العشرين» من دون تحقيق تقدم نحو تقريب المواقف بين روسيا من جانب والولايات المتحدة وحلفائها من الجانب الآخر. وبذل كل فريق جهوداً مضاعفة لحشد أوسع تأييد ممكن، لكن الانقسام كان المسيطر على مواقف المجموعة. وفي تطور مفاجئ، التقى أمس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره الأميركي على هامش القمة، بعدما كانت التوقعات أشارت إلى ضعف فرص عقد لقاء ثنائي، وقال الزعيمان في مؤتمرين صحافيين منفصلين عقدا في ختام أعمال القمة، إن اللقاء كان «صريحاً وبناء، لكنه لم ينجح في تقريب وجهات النظر». وأوضح بوتين أنهما اتفقا على «مواصلة الاتصالات»، وأنه حذّر نظيره من تداعيات العملية العسكرية المحتملة. وشدد الرئيس الروسي على أن استخدام القوة ضد دولة ذات سيادة مخالف للقانون الدولي إلا في حال الدفاع عن النفس أو عبر قرار من مجلس الأمن. وزاد أن معظم المشاركين في قمة «العشرين» أكدوا رفضهم العملية العسكرية ضد دمشق، معتبراً أن العمل على زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط سيأتي بنتائج عكسية. وكرر بوتين اتهام المعارضة السورية بالقيام ب «عملية استفزازية»، معتبراً أن «ما حصل بشأن استخدام الكيماوي هو استفزاز من المسلحين، الذين يأملون باستقدام دعم خارجي». وزاد أن الدول التي رفضت التدخل العسكري خلال أعمال القمة هي روسيا والصين والهند وإندونيسيا والأرجنتين والبرازيل وجنوب إفريقيا وإيطاليا، بينما تعاملت ألمانيا بحذر شديد. وقال بوتين إن بلاده ساعدت سورية بالسلاح وفي المجال الاقتصادي و «سنواصل تقديم العون وخصوصاً في المجال الإنساني». في المقابل، قال أوباما إنه أبلغ نظيره الروسي عدم تفاؤله بتقريب وجهات النظر مع موسكو، لكنه دعاه إلى «نبذ الخلاف والاتفاق على آليات الحل السياسي عبر جنيف-2، لأن العمل العسكري لن ينهي الأزمة في سورية، وثمة مشكلات كبيرة، على رأسها معاناة السوريين وملايين النازحين الذين تنبغي تسوية أمورهم وإعادتهم إلى وطنهم». وأضاف أوباما إن الأمور تزداد سوءاً، ولا بد من تحرك دولي سياسي لتسوية الأزمة، لأنه لا حل عسكرياً طويل الأمد» و «نحن نتحدث حالياً عن رد محدد على استخدام الكيماوي». واعتبر أنه «سيكون من الصعب على بوتين أن يحافظ على موقفه الحالي بعد صدور تقرير الخبراء الدوليين». وأعرب أوباما عن ثقته بأن الكونغرس سوف يتخذ قراراً «صائباً» لدعم موقفه، وأعلن أنه سيوجه الثلثاء كلمة إلى الشعب الأميركي. وأقر أوباما بصعوبة الحصول على موافقة الكونغرس، وقال «كنت أعلم بان الأمر سيكون صعباً»، مقراً بتحفظات الأميركيين في بلد «في حالة حرب منذ أكثر من عشر سنوات الآن». وقال إن غالبية أعضاء «العشرين» متفقون على ضرورة الرد على استخدام السلاح الكيماوي لكنهم مختلفون حول طبيعة الرد المناسب وآلياته. وزاد أن «الجنرالات الذين يأتمرون بأوامر الرئيس السوري لا يخضعون للسيطرة ولديهم أكبر ترسانة سلاح كيماوي في العالم». وتابع أنه «لم تطرح أفكار عملية بديلة من استخدام القوة». وأضاف أوباما أن استخدام السلاح الكيماوي يهدد أمن الدول المجاورة لسورية، بما في ذلك تركيا والأردن ولبنان والعراق وإسرائيل، مشيراً إلى أن ذلك ينطوي على خطر زعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط كلها، ووقوع السلاح الكيماوي في ايدي المجموعات الإرهابية. وشدد على أن العالم «لا يمكن أن يقف متفرجا أمام مشهد جثث الأطفال الذين قتلوا بطريقة وحشية»، مؤكداً تصميمه على مواجهة استخدام الكيماوي لأن «الفشل في التعامل مع النظام السوري سوف يشجع دولاً مارقة على استخدام أسلحة محرمة». وزاد أنه يسعى لحشد أوسع تأييد في الكونغرس، مشيراً إلى أن «البعض دعاني في السابق لضرب سورية والآن يعارضون توجهي». أما الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، فقال إن بلاده ستنتظر تقرير مفتشي الأممالمتحدة بشأن هجوم 21 آب (أغسطس) الكيماوي في ريف دمشق قبل بدء أي عمل عسكري ضد النظام السوري، وأوضح في مؤتمر صحافي: «هل سننتظر تقرير المفتشين؟ نعم، سننتظر تقرير المفتشين، كما سننتظر تصويت الكونغرس» الأميركي. وأشار إلى أن فرنسا لن تضرب سوى أهداف عسكرية، موضحاً: «بالنسبة إلينا سنحرص فقط على استهداف أهداف عسكرية لتجنب تمكين (الأسد) من الإيحاء بسقوط ضحايا مدنيين». وأكد هولاند أن فرنسا والولايات المتحدة تسعيان إلى أوسع تحالف للرد على الهجوم الكيماوي، وأن على بلاده مسؤولية كبيرة، لأن لديها قدرة عسكرية ولن تقبل أن يبقى الهجوم بدون عقاب. وأكد أن لا حل سياسياً سريعاً للنزاع السوري من دون رد عسكري، وقال: «نقول لهؤلاء الذين يعتقدون أن بالإمكان التوجه إلى الحل السياسي وترك من يستخدم الغاز ويقوم بمجازر ضد شعبه من دون عقاب، إن لا حل سياسياً إلا بالضغط العسكري». وقال إنه إذا رفض الكونغرس الأميركي الضربة العسكرية، فستعزز فرنسا دعمها العسكري للمعارضة السورية وتزودها بالوسائل العسكرية التي تحتاجها. إلى ذلك، عقد الموفد الدولي - العربي إلى سورية الأخضر الإبراهيمي اجتماعاً مع وزراء خارجية «العشرين» حضرته رئيسة مجلس الأمن القومي الأميركي سوزان رايس، ودعا الحضور إلى تسريع خطوات عقد «جنيف-2». وأجرى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف سلسلة لقاءات بينها اجتماع مع نظيره الفرنسي لوران فابيوس وآخر مع الوزير التركي احمد داود أوغلو هدفا إلى إقناع البلدين بالتريث وعدم دعم تحرك عسكري. وقالت مصادر ديبلوماسية إن الوزيرين أبلغا لافروف بضرورة القيام برد حازم على استخدام الكيماوي، وبأن الأدلة المتوافرة «مقنعة وثابتة». وأوضح مصدر ديبلوماسي فرنسي إن باريس طلبت من الأوروبيين خلال القمة «الحديث بلغة واحدة» لأن «الآتي سيكون أسوأ». وزاد إن الموقف الفرنسي يؤيد عقد «جنيف-2» لكن باريس «لا ترى في السلطة السورية شريكاً يمكن التفاوض معه». من جهة ثانية، أوردت وكالات أنباء روسية امس أن موسكو سترسل المزيد من السفن إلى سواحل سورية في خطوة تقول إنها ستساعد في منع الهجوم الأميركي. وقالت وزارة الدفاع الروسية أواخر آب (أغسطس) إنها ستنفذ عملية تناوب روتينية لسفنها قبالة الساحل السوري، لكن وسائل إعلام محلية قالت أمس إن وحدات تقليدية في طريقها أيضاً إلى هناك. ونقلت وكالة «انترفاكس» للأنباء عن مصدر بالبحرية الروسية لم تسمه قوله، إن سفينة الإنزال الضخمة «نيكولاي فيلشنكوف» في طريقها إلى الساحل الشرقي للمتوسط. وأضاف: «سترسو السفينة في نوفوروسيسك حيث سيجري تحميلها بشحنة خاصة وستتجه إلى منطقة الخدمة العسكرية المحددة في شرق البحر المتوسط». كذلك نقلت وكالة الإعلام الروسية عن مصدر لم تذكر اسمه في الأسطول قوله، إن «الفرقاطة سميتليفي ستتجه إلى البحر المتوسط في الفترة من 12 إلى 14 أيلول (سبتمبر) وأن السفينة الحربية شتيل وزورق الصواريخ إيفانوفيتس سيقتربان من سورية بحلول نهاية الشهر». ميدانياً، انسحب مقاتلو المعارضة السورية من أطراف بلدة معلولا ذات الغالبية المسيحية الواقعة شمال دمشق والتي كانوا اقتحموها قبل يومين، وفق ما أعلن «الائتلاف الوطني السوري». وأكدت المعارضة السياسية والعسكرية الحرص «على معالم البلدة الأثرية والدينية». في المقابل، قصفت قوات الأسد بتسعة صواريخ أرض-أرض مدينة معضمية الشام في جنوب غربي العاصمة في محاولة للسيطرة عليها قبل ضربة عسكرية محتملة، بسبب قربها من مطار المزة العسكري ومواقع عسكرية أخرى. وفي نيويورك، رد السفير السعودي لدى الاممالمتحدة عبدالله المعلمي على رسالة السفير السوري بشار الجعفري الى الأممالمتحدة التي اتهم فيها المملكة العربية السعودية ب «دعم الإرهاب في سورية». وقال المعلمي إن «الرسالة تدل على أن النظام السوري يمر في مرحلة فقدان التوازن وفقدان الصواب»، مؤكدا ان «سجل المملكة في مكافحة الإرهاب لا يحتاج الى إيضاح أو الى من يدافع عنه». وقال العلمي ان «المشكلة الأساسية في القضية السورية هي أن النظام السوري لا يعترف بإرادة شعبه ويسعى الى تصوير القضية واختصارها في أنها حرب مع فئات إرهابية، وهذا يتنافى مع الواقع الذي أبرزه الشعب السوري في تضحياته العظيمة حينما قدم أكثر من 100 ألف شهيد سقط آخرهم في الغوطة نتيجة الاستخدام الفاضح للنظام السوري للأسلحة الكيماوية المحظورة. ونتيجة ردود الفعل الدولية الحاصلة حالياً، تأتي مثل هذه الرسالة لتحاول صرف الأنظار عن واقع الأمر المرير في داخل سورية». وفي ما يخص تصريحات الممثل الخاص المشترك الى سورية الأخضر الإبراهيمي حول التقيد بالقانون الدولي في أي عمل عسكري، في إشارة الى احتمال ضربة أميركية ضد سورية، قال المعلمي «إن السيد الإبراهيمي يقول، ونحن نوافقه، بأنه لا ينبغي له أن يصدر آراء شخصية». وتابع «وإن كان الإبراهيمي يتحدث عن القانون الدولي فإننا نرجو أن يتفضل معاليه بإيضاح موقف القانون الدولي من الاستخدام المحظور للأسلحة الكيماوية وموقف القانون الدولي من عمليات الإبادة الجماعية التي يمارسها النظام السوري ضد شعبه». وقال «كما نتمنى أن يتمسك معالي السيد الأخضر الإبراهيمي بدوره ومهمته كممثل لجامعة الدول العربية ومنظمة الأممالمتحدة». وكان الإبراهيمي قال في سان بطرسبرغ إن «القانون الدولي يقول إنه لا يمكن لأي دولة أن تتولى تطبيقه بنفسها بل من خلال مجلس الأمن».