قمصان بيضاء في مواجهة قمصان صفراء. على الأولى شعار كتب بالإنكليزية: «مصر تحارب الإرهاب... أكثر من 30 مليون توقيع لا تعني أننا أمام انقلاب بل ثورة شعبية». وعلى الثانية رسم للأصابع الأربعة مرفوعة الى الأعلى في إشارة الى جماعة «الأخوان المسلمين». وما بين الاثنين، ساحة واحدة، ليست إلا «الريفييرا السويدية»، مالمو، لا الميادين المصرية... وتحديداً السجادة الحمراء لمهرجان السينما العربية، حيث خطفت السياسة كل كلام عن السينما منذ المفاجأة الاولى التي كانت بانتظار المدعوين ليلة الافتتاح مع الوقفة الاحتجاجية التي نظمها شبان لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة ضد الفنانين المصريين ل «دعمهم السيسي والجيش المصري»، كما هتفوا في صوت عالٍ. ليس هذا وحسب، بل أن هؤلاء بلباسهم الأصفر ولافتاتهم التي دوّنوا عليها شعارات مؤيدة ل «الإخوان»، لم يتوانوا عن الاعتداء على الوفد المصري الأكثر عدداً بين ضيوف المهرجان... حتى ان الأمر وصل الى حد التهديد بالقتل علناً، كما صرّح أحد المدعوين، من دون أن يُحاسَب أي منهم. فما كان من عدد من المصريين (6 أشخاص من أصل 17) إلا الانسحاب من المهرجان بعد الاتصال بسفير بلادهم في السويد لتأمين عودتهم الى القاهرة حفاظاً على سلامتهم الشخصية بعد ما واجهوه من مضايقات ومحاولة مناصري «الإخوان» (عرّف أحدهم عن نفسه انه ينتمي الى «حماس») اقتحام صالة السينما حيث احتُجزوا لأكثر من ساعة بعد تدخل الشرطة وانسحابها من دون تقديم ضمانات. في المقابل، فضّلت النسبة الأكبر من الوفد المصري «المواجهة وعدم الرضوخ للترهيب» أو «تقديم انتصار مجاني لهؤلاء بإعطائهم حجماً لا يعادل حجمهم الطبيعي»، فأبوا أن يغادروا او يقعوا في الفخ الذي نصب لهم لجعلهم يبدون في هيئة الخائف، وهي الصورة التي أراد «الإخوان» اللعب عليها إعلامياً. وقد بدا ذلك جلياً بتركيز مواقعهم الالكترونية على عنوان واحد هو «هروب الفنانين المصريين من مهرجان مالمو للسينما العربية». لكنّ الفنانين المصريين لم يهربوا. كل ما في الأمر أن المجموعة اعتمدت أسلوبين للمواجهة. ستة وجدوا في الانسحاب سبيلاً لتسجيل موقف، فيما رأى 11 مدعواً أن «شويّة عيال» لن ينالوا مبتغاهم بتسليط الأنظار عليهم وكأنهم قوة مؤثرة... ومن هذه الفئة النجمة الكبيرة لبلبة التي، وبعدما تعمدت عدم إعارتهم أي اهتمام على السجادة الحمراء، حرصت في الحفلة التي كرّمتها على «مسيرتها الفنية الحافلة بالإنجازات والنجاحات» أن تهدي الجائزة الى الشعب المصري، ولكن أيضاً الى جيش مصر في غمزة واضحة من قناة هؤلاء الشبان الذين فاجأوها بوجودهم في حدث سينمائي لم يخطر لها أبداً أن يكونوا موجودين فيه. ولم تغب أغنيات الشيخ إمام عن الحفلة، فعلت أصوات تردد: «ما دامت مصر ولادة وفيها الطلق والعادة حتفضل شمسها طالعة»... ... والسينما؟ ولكن، بعيداً من السياسة ماذا عن الفن السابع والأفلام؟ وهل استطاع مهرجان مالمو للسينما العربية استقطاب الجمهور السويدي، وتحديداً العنصر الشاب؟ يفاخر رئيس المهرجان المخرج الفلسطيني محمد قبلاوي بأن نحو 70 في المئة من جمهور العام الماضي كانوا من السويديين، وبالتالي يبدو ان هذا الحدث السينمائي السنوي الذي انطلق قبل سنتين يسير بخطى ثابتة في الوصول الى أهدافه لناحية «تعريف الجمهور المحليّ بالسينما العربية، وإثارة النقاش حولها مع صانعي الأفلام، والضيوف، ويطمح بأن يكون حدثاً ثقافياً سنوياً، يُساهم في تكريس التفاهم، والعيش المُشترك المبنيّ على الاحترام المُتبادل بين ثقافات الشعوب المُختلفة». ويشدد احد البيانات على ان «مهرجان مالمو للسينما العربية استطاع ومنذ انطلاقته عام 2011 أن يقدم أحدث وأفضل الإنتاج السينمائي العربي للجمهور المحلي الذي يتألف من 175 جنسية مختلفة تتشارك العيش في هذه المدينةالسويدية. ومع هذه الدورة الثالثة لعام 2013، أضاف المهرجان بعض البرامج الجديدة، منها «ليالي عربية» وورشات عمل وعدد من الندوات ليكون المهرجان السينمائي العربي الوحيد في السويد وأكبر المهرجانات السينمائية العربية في دول شمال أوروبا». من شاهد أفلامنا؟ وتمحورت حلقات النقاش لهذا العام حول ثلاثة محاور هي «حقوق المرأة في السينما العربية» و «عامان من الربيع العربي» و «الإرهاب والسينما». شارك فيها عدد من الممثلين والسينمائيين، منهم الفنانة المصرية لبلبة والمخرج المصري محمود كامل والمخرج الإماراتي نواف الجناحي والممثل المصري صلاح حنفي. واللافت في هذه الندوات تنظيمها في جامعة مالمو العريقة بحضور طلابها الذين بدوا متشوقين للتعرف الى المجتمعات العربية من الداخل. ولكن، حين سأل المخرج محمود كامل الطلاب في الندوة الأولى التي نظمت في اليوم الثاني من المهرجان: «كم واحداً منكم شاهد فيلماً عربياً واحداً؟» بدا الخجل مرسوماً على وجوههم حين رفع شخص واحد فقط منهم يده، فكان رد المخرج المغربي محسن البصري: «لهذا هناك اليوم مهرجان للسينما العربية. يمكنكم على مدى أسبوع كامل مشاركتنا في تجاربنا». ميزة أخرى لمهرجان مالمو لهذا العام هي «مشاركة السينمائيين من أصول عربية من أوروبا والدول الإسكندنافية والعالم العربي في ورشتي عمل، تحت عنوانين. الأول «اصنع فيلمك خلال خمسة أيام» من خلال تبادل الخبرات والأفكار بين جميع المشاركين بالمهرجان عبر ندوات ومحاضرات حول التمويل والتوزيع السينمائي والإنتاج المشترك وزيارات لأماكن تصوير وأستوديوات في السويد. والثاني «مخرجات شابات من مصر والسويد» يتم فيها «التركيز على موضوع المرأة في مصر أثناء الثورة وبعدها، في إطار عمل المهرجان نحو إنشاء شبكة إتصال بين جهات المجتمع الفعالة التي تستخدم الإعلام والسينما وأدوات إبداعية أخرى لزيادة الوعي والمعرفة حول مفهوم الديموقراطية وحقوق الإنسان». إذ تقوم المشاركات الخمس من مصر والمجموعة المقابلة السويدية على مدى خمسة أيام بتبادل الخبرات والأفكار، وحضور الندوات والمحاضرات من أجل خلق فرص طويلة للتعاون. كما ينبغي على المشاركين صناعة فيلم قصير خلال أيام المهرجان حول المساواة والديموقراطية. وبالتالي تهدف هاتان الورشتان الى «إنشاء شبكة إتصال بين السينمائيين من دول الشمال والوطن العربي وأوروبا». ومن اللافت ان عروض هذا العام العربية لم تقتصر على مدينة مالمو فحسب، بل تمكن المهرجان هذه المرة من توسيع فضاء العروض كي تصل إلى مناطق ومدن سويدية عدة، في محاولة جادة لتعريف الجمهور السويدي بسينما يجهلها، إن لم نقل بشعوب عربية لا يعرف عنها الكثير رغم أنها موجودة في أوساطه منذ زمن في هذه المملكة. أياً يكن الأمر، وبعيداً من الأجواء الملبدة التي خيّمت على الأيام الأولى للمهرجان الذي انطلق الاثنين ويختتم عروضه الأحد، تبقى أهميته في محاولته ردم الهوة بين شرق- غرب أو تغيير أفكار مسبقة عن المهاجرين العرب، من خلال رسم صورة أخرى غير تلك التي رسّخها الإرهاب... كل هذا من دون أن ننسى الأهمية السينمائية لهذا الحدث الفني بفسح المجال أمام الجاليات العربية للتعرف الى جديد السينما في بلادها. بيان الوفد المصري في مهرجان مالمو نظراً لسرد الوقائع من أكثر من وجهة نظر مما أثار خلافاً حولها سواء في الوفد المصري او من إدارة المهرجان نفسها، اصدر الوفد المصري في مهرجان مالمو البيان الآتي: «وقف أمام السينما يوم حفل الافتتاح 2/9/2013 حوالى 18 شخصاً بلافتات تحمل علامة رابعة العدوية التي أطلقها أردوغان كما هتفوا ضد ثورة 30 يونيو والجيش المصري... وإن كان ذلك يعد في إطار التظاهر السلمي، إلا ان تعدي هؤلاء على مساحة السجادة الحمراء الخاصة بضيوف المهرجان المصريين والذين هتفوا بدورهم ضد المرشد وضد دولة الإخوان الفاشية الفاشلة، يعد هذا التجاوز خرقاً لتصريح التظاهر الذي حصلوا عليه وتعدياً على مساحة خاصة، وهنا قامت إدارة المهرجان بإبلاغ الشرطة الذين أبعدوا المتظاهرين خارج حدود المهرجان، وهذا التعدي موثّق بصور منشورة في الجريدة المحلية لمدينة مالمو بتاريخ 3/9 وكاميرا نايل سينما... وعند انتقالنا الى حفل العشاء وتكريم الفنانة لبلبة وجدناهم داخل أسوار المكان وقد زاد بينهم عدد الفلسطينيين. وهنا حدث اشتباك لفظي بين المتظاهرين المؤيدين للإخوان بعد هتافهم ضد ثورة 30/ 6 والجيش المصري وهتافات تحمل شعار مصر إسلامية ورد المؤلف سيد فؤاد مع آخرين بهتاف مصر مصرية مصر مدنية عاش كفاح الشعب المصري عاش كفاح الجيش المصري... وهنا بدأ المتظاهرون بالسب بألفاظ خارجة يصعب سردها... ونؤكد هنا للمرة الثانية أنهم تجاوزوا المكان المصرح لهم بالتظاهر فيه ثم اعتدوا جسدياً بالضرب على مخرج عراقي اختلف معهم في الحوار وتم تصوير الواقعة وتحرير محضر بها ونشرت وقائعها في الجريدة المحلية ليوم 5/9 ولكن الشرطة أبعدتنا الى خارج السور واستمروا في وجودهم حتى لاحقوا الوفد المصري أثناء خروجه بإشارات خارجة عن القانون. وهنا نرى ان الشرطة لم تقم بالدور المتعارف عليه بعد العنف الذي حدث بإبعادهم عن المكان تماماً... في اليوم التالي للمهرجان تحدثنا مع إدارة المهرجان حول خروج المتظاهرين الموالين للإخوان بقيادة من قيل لنا انه رئيس جمعية الصداقة المصرية في مالمو ويدعى سامي صادق... وطالبنا بالتعامل مع الخروقات لقوانين التظاهر. وفي اليوم الثاني وأثناء التجهيز لعرض الفيلم المصري «فبراير الأسود» بحضور مخرجه محمد أمين... حضروا ثانياً وتوجّهوا بسبّ الفنانة عبير صبري وبدأ الموقف في التوتر بعد رد احد أعضاء الوفد المصري الأستاذ عبدالجليل حسن على هذا السباب لفظياً وتم إدخاله هو وعبير صبري الى السينما منعاً للاحتكاك ولكن بدأ المتظاهرون في دفع أعضاء الوفد المصري ومحاولة اقتحام باب السينما مطالبين بتسليم مصور نايل سينما لهم والذي كان يحاول ان يقوم بالتصوير... تم استدعاء الشرطة التي سمعت أقوالها وأقوالهم ولكنها رحلت للمرة الثانية تاركة إيانا في الداخل وهم يهددوننا بالخارج، فتمت الاستعانة بالسفير المصري الذي ارسل الينا للأسف سامي صادق السابق ذكره والمتورط تنظيمياً مع المتظاهرين، وواضح الانتماءات والذي دافع باستماتة عن موقف المتظاهرين على رغم العنف السابق ذكره (...)».