يبدو أن النظام السوري سيواجه ضربة عسكرية محتملة من الولاياتالمتحدة الأميركية وحلفائها الغربيين، على إثر اتهامه باستخدامه السلاح الكيماوي ضد المدنيين في الغوطة الشرقية التي أثارت مشاهدها على شاشات الفضائيات الرأي العام العالمي، وهو ما استدعى الولاياتالمتحدة الأميركية لاتخاذ موقف حازم تجاهه، خصوصاً أنها وضعت خطوطاً حمراء لهذه القضية منذ بداية الأزمة السورية، لذلك لا بد لها من اتخاذ موقف يعتمد مداه وحجمه على تقويمها لنتائج الموقف ومن بعدها نتائج الضربة. بالنظر إلى تطورت الموقف الدولي تجاه سورية باتجاه اتخاذ إجراء عسكري، لا بد من تحليل العوامل والمواقف كافة حول هذه التطورات، فبالنسبة إلى استخدام الأسلحة الكيماوية، يبدو أن النظام مسؤول عنها بحسب المعلومات التي تقوم الدول الغربية على تحليلها، كما أنه هو الجهة التي يفترض أنه مسؤول عن الأسلحة الكيماوية وحمايتها وتخزينها، لذلك تنطلق رؤية الدول الغربية من أن النظام وبسبب الدعم الروسي السياسي والعسكري، تمادى في استخدام هذه الأسلحة في شكل واسع، كان آخرها في الغوطة الشرقية، اعتقاداً منه أنه في ظل وجود المحققين الدوليين في سورية لن توجه إليه أصابع الاتهام، ولذلك، حاول احتواء الموقف من خلال السماح للمحققين بالوصول إلى المواقع التي تم استخدام السلاح الكيماوي فيها، لكن تلك الخطوة لم ولن تؤثر في الموقف الغربي المقتنع باستخدام النظام للسلاح الكيماوي، ويبدو أن النظام لن يستطيع الإفلات من العقاب هذه المرة على فعلته. يبدو أن مواقف الدول الغربية بقيادة الولاياتالمتحدة الأميركية توحدت تجاه قضية استخدام السلاح الكيماوي في سورية، وأن خيار توجيه ضربة عسكرية للنظام في سورية أصبح أمراً مفروغاً منه. وما يتعلق بالموقف الروسي فقد ظهر معارضاً لأي إجراء خارج نطاق مجلس الأمن الدولي، لكنه ليس بالتصميم السابق في مقابل تصميم غربي على توجيه ضربة عسكرية لنظام الأسد، وهو مؤشر على أن هناك تغيراً في الموقف الروسي، لا أحد يعرف سببه، لكن هناك احتمال في الوصول إلى قناعة من الروس باستحالة صمود نظام الأسد. ولذا، فلا بد من درس خيارات التخلي عنه في مقابل صفقة مع الغرب أو أنها تمتلك الدلائل باستخدامه للأسلحة الكيماوية في الغوطة الشرقية، وأحرجها هذا الاستخدام في هذا الوقت بالذات، ويبدو أن الموقف الروسي سيستمر بالمعارضة السياسية في مجلس الأمن، وإدانة أية ضربة عسكرية للنظام السوري من دون القيام بأي إجراءات أخرى تتعدى ذلك. بالنسبة إلى الموقف الإيراني، فهو منذ البداية مؤيد للنظام وداعم بالوسائل كافة، ومتورط في الأزمة مباشرةً، لكن التغيير السياسي في إيران بعد وصول روحاني إلى الرئاسة من الممكن أن يكون له تأثير، إضافة إلى وصول رسالة واضحة عبر زيارة السلطان قابوس، وفيلتمان مفادها إذا أرادت إيران أن تكون عضواً فاعلاً في المنطقة فعليها معالجة الملفات العالقة كافة بينها وبين المجتمع الدولي، وأن الوضع في سورية لا يمكن أن يستمر في هذا الشكل، إذ يتعرض الشعب السوري لأبشع أنواع القتل، ولذا فإن نتائج هذه الرسالة ستنعكس على الموقف الإيراني على رغم التصريحات النارية التي يدلي بها بعض المسؤولين الإيرانيين، ومن المعروف عن الإيرانيين أنهم حاذقون في السياسة، ولن يدخلون في مواجهة مع الغرب من أجل النظام السوري التي إن حصلت ستكون انتحاراً لإيران الطامحة بأن تلعب دوراً إقليمياً كبيراً، فالقيادة الإيرانية لن تجازف بالدخول في معركة خاسرة في سورية، فالنظام بعد عامين ونيف لم يعد بإمكانه الادعاء بأنه الأقوى في سورية. إن الإسرائيلي بالنسبة إلى ما يجري في سورية هو الكاسب منذ بداية الأزمة، فالطرفان في الأزمة السورية يعملان لتدمير بعضهما، وهذا يصب في مصلحته، لكن ما يتعلق بالضربة العسكرية التي ستوجه إلى سورية، فإن إسرائيل ستحاول أن تنأى بنفسها عن التدخل أو أن تكون طرفاً في الأزمة، حتى لا تعقد الموقف الدولي تجاهها، لكن من المحتمل أن يقوم النظام بضربها مباشرة أو من طريق أحد حلفائه كحزب الله أو أحد المنظمات الفلسطينية الداعمة له، على رغم أن احتمال ضربه المباشر لإسرائيل مستبعد، بسبب عدم رده عليها خلال الغارات المتعددة التي قامت بها ضده قبل وخلال الأزمة، ولذلك يعتقد عدد من المحللين والخبراء أن إسرائيل لن تنجر للاستفزازات من النظام أو حلفائه خلال توجيه ضربة عسكرية له. الجميع مقتنع ومتأكد بأن هناك ضربةً ستوجه إلى النظام السوري، إذ بدأت مؤشراتها تظهر من خلال الاتصالات المكثفة بين القادة الغربيين، وكذلك طلب الرئيس أوباما من البنتاغون بوضع الخيارات العسكرية، للرد على استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية، وإعادة تموضع عدد من القطع البحرية في البحر المتوسط، واستدعاء مجلس الأمن الوطني البريطاني من الإجازة والتصريحات الفرنسية والألمانية المؤيدة لإجراء عسكري ضد النظام السوري، وتساؤلات المحللين هي عن حدود الضربة وأهدافها، فهل هي لخلق نوع من التوازن على الأرض بين النظام والمعارضة أم هي لمعاقبة النظام وإسقاطه، بسبب استهتاره بالمجتمع الدولي باستخدامه السلاح الكيماوي؟ ما تحتم على المجتمع ومن الجانب الأخلاقي الرد على تصرفاته، فيبدو أن حادثة الغوطة الشرقية هي من كسر التردد الغربي في التعامل مع النظام بحزم، فدوره في المنطقة أصبح سلبياً جداً وغير مقبول إقليمياً ودولياً، إضافة إلى الكارثة الإنسانية التي يعاني منها الشعب السوري. يتفق معظم المحللين والخبراء أن الضربة التي ستوجه إلى النظام السوري ستقتصر على غارات صاروخية وجوية عن بعد، من دون أن يكون هناك تدخل عسكري مباشر يكون بمثابة عقاب له، لكن هناك رأياً آخر، يقول: من الممكن أن تتطور المسألة لتصل إلى حد التدخل المباشر وإسقاط النظام، على رغم أن الإدارة الأميركية لا تحبذ ولا ترغب في هذا السيناريو، ويبدو الآن، أن الخيارات متروكة لتطور الأحداث بعد الضربة. * أكاديمي سعودي [email protected]