كلما مرت الأيام والأشهر وحتى السنوات كبرت معها الأحلام الوردية التي تسبق الزواج لدى الشباب في الجزائر، لكن تلك الأحلام تتلاشى شيئاً فشيئاً وتتكسر أمام متطلبات بيت الزوجية. فالتأثيث صار من الصعوبة بمكان لدى كثيرين، خصوصاً أن تلك الخطوة توقظ الفتاة والشاب من سبات عميق، فالجيوب أفرغتها متطلبات الزفاف والتحضير للحفلة، في وقت صار المهر في العديد من الولاياتالجزائرية مرادفاً للحبل الملتف على عنق الشاب. في حديث عابر بين شاب وفتاة أمام محال بيع الأجهزة الإلكترونية في شارع ديدوش مراد أرقى شوارع العاصمة الجزائرية يعتبر الشاب أن شراء غسالة أو فرن أو ثلاجة يعني إما الاقتراض أو التقسيط، أي في الحالتين هو استمرار للعبء المادي لما بعد الزواج. لكن الفتاة عيناها معلقتان بالغسالة وقلبها بفساتين الزفاف وعددها يفوق ستة ذات تكلفة باهظة، لينتهي المطاف بالعروسين إلى مشادات كلامية لا يحلها إلا تناول البعض من المثلجات وانتظار الفرج. لكن الفرج ليس هنا، في محال بيع الأثاث والآلات الكهربائية الحديثة التي تليق بأي بيت جديد وزوجين مقبلين على الحياة. ولكن ما باليد حيلة فتأسيس عش الزوجية ليس سهلاً، كما تقول مليكة بناي التي تتحدث عن تجربة ابنها المقبل على الزواج. وتوضح: «بداية المشوار ستكون صعبة جداً لأن ابني موظف في مؤسسة حكومية ولا يمكنه أن يوفر ثمن قاعة أفراح فعليه أن يدفع مسبقاً إيجار سنتين للشقة التي سيسكنها بعد الزواج ثم عليه شراء أثاث البيت الذي يبقى عثرة صعبة في حياة العديد من الشباب المقبلين على الارتباط». تأسيس عش الزوجية يتطلب مصاريف كثيرة يقول مراد عبيدات (35 سنة) وقد وجد نفسه عند مفترق طرق صعب. فإما أن يحجز قاعة لإقامة حفلة الزواج وتكلفه أكثر من 120 ألف دينار جزائري ثم يقوم لاحقاً بتجهيز البيت أو يلجأ إلى الاقتراض وشراء أثاث قديم يبدأ به حياته. وبنبرة حزينة يقول مراد إن أحلامه باتت كوابيس يومية، فما اعتقده صعباً قبل 5 سنوات تبين إنه شبه مستحيل اليوم. ويقول: «كان الزواج مشروعاً صعباً وخلت أنه مع الوقت سيهون لكنه اليوم كرة ثلج تتدحرج ويكبر حجمها». وفي «وادي كنيس» الحي الشعبي في قلب منطقة «الرويسو» أو الينابيع في قلب العاصمة الجزائرية، تنتشر محال بيع الأثاث القديم. من هنا بدأت حكاية سمير بن نابي (33 سنة) الذي يقول:»قرأنا الفاتحة منذ نحو خمس سنوات وأخيراً قررنا الزواج وبدأت المصاريف الكبرى من المهر ثم تأجير شقة من غرفتين فمتطلبات العرس لهذا اخترنا أثاثاً قديماً نيسر به أشهر حياتنا الزوجية الأولى». ويعتبر تأثيث الشقة أصعب من إيجادها سواء كان جديداً أم قديماً. ويقول سمير إنه بعد مفاوضات «ماراثونية» كادت تعصف بعلاقاته مع خطيبته، نجح في إقناعها بشقة مؤجرة وأثاث مستعمل كبداية لحياتهما المستقبلية. وبدأت رحلة البحث عن الأثاث من سوق شارع «وادي كنيس» نفسها التي كانت تقليدياً سوق الأسر المتوسطة الحال أوالفقيرة، لكنها هذه المرة «أصبحت مزار الشباب المقبلين على الزواج في ظاهرة جديدة لم نعهدها من قبل ترافقت مع أزمة البحث عن سكن ومظاهر الأفراح التي أصبحت لا بد منها». وتحول الحي قلعة تجمع بين جدرانها دكاكين لبيع الأثاث القديم حيث كل ما يلوح لعين الناظر من بعيد هو أغراض مرت الأشهر والسنوات عليها، لكنها لا تزال قابلة للاستخدام ولو موقتاً بسبب أثمانها الزهيدة وضرورتها الملحة. وتقول الدكتورة كريمة بن عتورة أستاذة علم الاجتماع التربوي في جامعة البليدة غربي العاصمة: «في السابق، نادراً ما كان الزوجان الحديثان يلجآن إلى الأثاث القديم، لكن في الوقت الحالي أصبحت التكاليف باهظة ويصطدم بها الشباب». ويقول حسين زافور (37 سنة)، إن الأثاث المستعمل هو عبارة عن حل موقت بالنسبة إليه أو مرحلة انتقالية حتى يستقر به الأمر وتتحسن به الأوضاع المادية لتغييره بآخر جديد. لكن غالباً ما يحدث أن الحياة العائلية تفرض متطلباتها أيضاً فتبدأ دوامة أخرى. ويقول الدكتور محمد بوشان من جامعة الاقتصاد وعلوم الشريعة في العاصمة: «تخرج غالبية المتزوجين حديثاً من تبعات الاحتفال بالزواج وعداد القروض يقوم بعملياته الحسابية لتبدأ ساعة الحقيقة ومستحقات إيفاء الأقساط الشهرية»، لافتاً إلى أن الأزواج الجدد ينطلقون في حياتهم الجديدة بحلول موقتة وديون قد لا يتمكنون من إنهائها في السنوات الأولى من الزواج».