استشهاد 12 فلسطينيًا    رياح نشطة على أجزاء من عدة مناطق بالمملكة    الأمم المتحدة: تدمير إسرائيل يقضي على آمال العثور على المدفونين    أسواق    105 تراخيص جديدة .. ارتفاع الاستثمارات والوظائف الصناعية في السعودية    بديل "إكس" تستعير واحدة من أبرز ميزاتها على منصتها    رئيس وزراء جمهورية الهند يغادر جدة    إطلاق أكثر من 30 كائنًا فطريًا في محمية الملك خالد الملكية    الاحتلال يُدمر آليات الإنقاذ استهدافًا للأمل في النجاة.. مقترح جديد لوقف الحرب في غزة وسط تصعيد متواصل    الأردن يستعد لكشف تفاصيل جديدة عن "خلية الإخوان"    عودة رائد الفضاء دون بيتيت بعد 220 يوما    تدريب الطلبة على اختراق تطبيقات الويب    مصر ولبنان يطالبان بتطبيق القرار 1701 دون انتقائية    عقدا جلسة مباحثات وترأسا مجلس الشراكة الإستراتيجية السعودي- الهندي.. ولي العهد ورئيس وزراء الهند يستعرضان تطوير العلاقات الثنائية    فريق عمل مشروع توثيق تاريخ كرة القدم السعودية ينهي أعماله    إعلاميون ل"البلاد": خبرة الهلال سلاحه الأول في نخبة آسيا    رئيس الوزراء الهندي في المملكة    استمرار تحمل الدولة رسم تأشيرة عمالة مشروع «الهدي».. مجلس الوزراء: إنشاء غرفة عمليات لاستقبال ومعالجة بلاغات الاحتيال المالي    السجن والغرامة لمستخدمي ملصقات الوجه على WhatsApp    وفاة إبراهيم علوان رئيس نادي الاتحاد الأسبق    ضربات تُسقط مهربي ومروجي السموم في عدة مناطق    سفراء الوطن يحصدون الجوائز العالمية    مؤتمر مكة للدراسات الإسلامية.. فكر يبني وانسانية تخدم    15.5 مليون ريال إيرادات السينما في أسبوع و" شباب البومب2″ يتصدر    السفير الرشيدان يلتقي رئيس مجلس النواب الطاجيكي    أمانة الشرقية تنظم معرضًا للابتكار والإبداع    إطلاق «مركز الابتكار» لتقنيات الحكومة الرقمية الحديثة    أمانة مكة تعلن ضوابط الشهادات الصحية للحج    مؤشرات إيجابية ترجح زيادة معروض إيجارات «السكني» في مدن المملكة    محمد بن ناصر: فرسان تشهد تنميةً وتطوراً    أمير الرياض يستقبل السفير الإندونيسي    «التواصل الحضاري» يدرّب 89 طالبًا من 23 جامعة    جامعة الملك سعود تحتفي باليوم العالمي للغة الصينية    معرّفات ظلامية    أمير المدينة المنورة يطلع على جهود "الأمر بالمعروف"    دليل الرعاية الصحية المنزلية.. خارطة طريق لكفاءة الخدمات    «صحي نجران» يُدشن عيادات لعلاج السمنة    المملكة تستعرض تجربتها في تنظيم الطب التكميلي    أسباب الصداع الصباحي وآلام الفك    "هيئة الأدب" تدشن جناح مدينة الرياض في معرض بوينس آيرس الدولي للكتاب    عالم خلف العدسات نعرض حياتنا لا نعيشها    بائع البوظة يؤكد تهافت الرواية التاريخية    المصادقة على مشروع توثيق تاريخ كرة القدم السعودية    7 مليارات ريال تمويل القروض الزراعية    ما الأقوى: الشريعة أم القانون    نائب أمير الرياض يُشرف حفل السفارة الأمريكية بمناسبة ذكرى اليوم الوطني    7.7 مليار ريال أثر مالي لكفاءة الإنفاق بهيئة تطوير المنطقة الشرقية    "جامعة جدة" تحتفي بأبطال المبارزة في بطولة المملكة للمبارزة SFC    بنزيما يحظى بإشادة عالمية بعد فوز الاتحاد على الاتفاق    موجبات الولادة القيصرية وعلاقتها بالحكم الروماني    أمير الشرقية يرعى حفل تخريج الدفعة ال 46 من طلاب جامعة الإمام عبد الرحمن    بدءاً من الغد.. منع دخول المقيمين إلى مكة دون تصريحي عمل أو حج    رئيس المالديف يستقبل البدير    محافظ الطائف يطلق ملتقى أفهموني لدعم أطفال وأسر التوحد    أمير تبوك يستقبل القنصل العام لجمهورية أفغانستان لدى المملكة    نائب وزير الخارجية يستقبل مساعد وزير الخارجية مدير عام إدارة الشرق الأوسط وأفريقيا بوزارة خارجية اليابان    الرئيس العام للهيئات يلتقي منسوبي فرع المدينة المنورة    قوميز: مواجهة الرياض "نهائي جديد".. ونركز على التفاصيل والخروج بأفضل نتيجة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدينة الضفتين
نشر في الحياة يوم 05 - 08 - 2013

إنها المرة الاولى أزور إسطنبول. هذه المدينة لا يمكن الغريب أن يدرك سرّها إلا عندما يزورها، ويجوب شوارعها وساحاتها مشياً، ويجول في مناطقها مستقّلاً التراموي البديع أو الباص. إسطنبول الواقع أو الحقيقة هي غير اسطنبول الكتب. ومهما قرأت عنها تظل عاجزاً عن التعرف اليها ومعانقة روحها. اسطنبول مدينة لا تأسرها النصوص ولو أمعنت في وصفها. حتى روايات أورهان باموك، وبخاصة كتابه الذي أفرده لها «اسطنبول المدينة والذكريات»، تظل عاجزة عن كشف ما خفي من هذه المدينة. وهو ما تشعر به من غير أن تفهمه، منذ أن تطأ قدماك أرضها وتتنزّه على ضفة بحرها أو بحريها، الاسود ومرمرة، اللذين يلتقيان في البوسفور، هذا المضيق الذي يتسع أمام المخيّلة ويفتح نوافذها على الزرقة والشمس، على التاريخ المتوالي حقبات وحضارات.
ليست إسطنبول مدينة... إنها مدن، مدن تتداخل وتفترق، مدن معلنة وأخرى خفية، مدن ينصهر فيها الدنيوي والمقدس، العابر والأزلي. والزائر الغريب يلحظ للتوّ أنه في مدينة فريدة في كوزموبوليتها، شرقية وغربية، إسلامية وعلمانية، تتآخى فيها التناقضات، وفي ساحاتها تتلاقى الثقافات والهويات واللغات والاعراق... وفي سمائها ترتفع المآذن والقباب، وفي أسواقها الشعبية تفوح روائح الأطعمة والتوابل والحلوى.
تجذبك ساحة تقسيم الفسيحة التي ما زالت تحتفظ ببعض من ثوارها، يفترشون زوايا حدائقها، في الليل والنهار، وبعيداً عنهم قليلاً يقف رجال الشرطة متأهبين للإنقضاض على أي حركة شغب. وفي ظلال بضع شجرات زُرعت صور الشهداء الشباب الذين سقطوا في الانتفاضة الاخيرة وحولها شموع وكتابات بالتركية. إنها ساحة الحرية مهما شهدت من أعمال قمع. الناس هنا يعيشون كيفما يحلو لهم، شبان وشابات، نسوة وأطفال وعجائز، محجبات وسافرات، مؤمنون ينتظرون موعد الافطار ومفطرون...
وفي جولة على معالم بارزة، دينية وأثرية، يكتشف الزائر - لا سيما العربي- الوجه الآخر للتاريخ العثماني وللعثمانيين الفاتحين الذين حكموا بقاعاً من العالم... لا مشانق هنا ولا «سفر برلك» ولا جندرمة بالبنادق والعصي. جامع السلطان أحمد تحفة تاريخية، عمرانية وفنية، وبالقرب منه متحف أيا صوفيا الذي يتداخل فيه الفن المسيحي البيزنطي والفن الاسلامي في تناغم غريب لا يخلو من الاختلاف الظاهر. هذا المتحف كان كنيسة أيام الحقبة القسطنطينية حتى العام 916 ثم أصبح جامعاً طوال 481 عاماً ثم حوّلته الدولة عام 1935 متحفاً مشرعاً أمام الجميع. ثم لا بد من زيارة المتاحف العظيمة: متحف الآثار التركية، متحف الفسيفساء... ثم القصور والمقصورات والاسواق القديمة...
لكنّ الجولة لا تكتمل إلا عندما تجد نفسك في مركب يشقّ مياه البوسفور. إنك في المضيق الذي يفصل بين تركيا الآسيوية وتركيا الأوروبية، صانعاً أسطورة رائعة نادراً ما تمثلت في الجغرافيا والتاريخ، في اليابسة والماء. إنك وسط مياه البحر الاسود وبحر مرمرة، في هذا المدّ الذي تحرسه ضفتا اسطنبول، المتقابلتان والمتحدتان. هذا هو البوسفور. يجب أن تحدق في مياهه وسمائه وأن تتهادى على وقع أمواجه، لتعلم ما هو هذا المضيق الذي لا تحدّه حدود. هنا تتخيل مع بطل رواية باموك «الكتاب الاسود» وهو يدعى جلال، كيف أنّ هذا المضيق جفّت مياهه وراحت تظهر في أسفله آثار التاريخ: سفن محطمة وعربات وبقايا بيوت وهياكل عظمية بعضها لفرسان الحملة الصليبية وصناديق وعلب ودروع... عالم يتخيله باموك راقداً تحت مياه البوسفور. هنا تذكّرت أيضاً أن أول نص قرأته أيام المدرسة، عن البوسفور الذي كنت أجهل إسمه، كان للكاتب النهضوي وليّ الدين يكن، التركي الاصل، وعنوانه «خليج البوسفور في إحدى ليالي الشتاء».
عندما رحت أمشي في شارع «الاستقلال» المتفرع من ساحة «تقسيم» لفتتني واجهة إحدى المكتبات التي يعجّ بها هذا الشارع التجاري الطويل، وقد احتلتها كلها كتب أورهان باموك وصوره. الآن هو روائي إسطنبول وتركيا والعالم أيضا، بعدما فاز بجائزة نوبل التي يستحقها. قبل أعوام قرئت نصوص له في إحدى ساحات المدينة في حملة تشجيع على القراءة. اليوم أصبح هو أشهر كاتب تركي. بل هو تخطى العملاق ياشار كمال روائي الريف التركي الذي كان يعدّه أحد معلميه. خلال هذه النزهة سألت نفسي: لماذا نجهل الأدب التركي؟ لماذا لم يترجم باموك الى العربية قبل نوبل؟ ثم استعدت الاسماء التركية الادبية التي نعرفهاعربياً فلم أُحص سوى أسماء قليلة: ناظم حكمت، ياشار كمال، عزيز نيسين، اليف شافاق، نديم غورسيل، ثم سعيد فائق قصاص البحر الذي ترجمت له حديثاً بضع قصص. هذه هي الاسماء التي نعرفها من الادباء الاتراك الذين يمثل أدبهم «قارة» بذاتها. ما أحوجنا حقاً الى اكتشاف الأدب التركي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.