يقضي أحمد الصالح جزءاً عظيماً من رمضان بحثاً خلف أصوات المقامات، فلا يستقر في مسجد إلا ويجذبه مسجد آخر ذو مقام جميل إلى صفوف مصليه، وهكذا دواليك. وتعلم أحمد المقامات المعروفة عبر متابعتها في عالم الإنترنت وعبر دورات قصيرة، ولكن للأئمة قصة أخرى مع المقامات، إذ يصلي أكثر أئمة الحرمين بمقام الحجاز، الذي اشتهر بجمله ولا يحيدون عنه كثيراً؛ وهي قراءتهم المعتادة إلا ما ندر، ولا يمكث المُغيِّر فيهم فترة تطول أو تقصر إلا ويعود إلا هذا المقام. ويشتهر مؤذنو المدينةالمنورة بمقامهم الحجازي القوي، الذي يعتبر الشيخ البخاري وأبناؤه من أبرز من رفعوا صوتهم به منذ أيام المئذنة الرئيسة، وكانت وما زالت تشتهر به أسر من المدينةالمنورة. فيما يرفع مؤذنو المسجد الجرام في مكةالمكرمة أصواتهم بمقام الحجاز المطور، وكان أكثر من يرفع بهذا المقام شيخ المؤذنين السابق علي أحمد ملا، والمؤذن الحالي نايف صالح فيدة، ويمتاز بطول جمله، ونهاياته الملحنة، التي يسوقها البعض، ويتغنى بها خاصة في ليالي المواسم كالجمع، والعشر الأواخر من رمضان، ويذكر العارفون بالأصوات، حين قدوم إمام مسجد الحرام السابق علي جابر إلى المسجد الحرام إماماً في منتصف الثمانينات، قوة صوته الحجازي الشجي، فتعلقت قلوب كثير من المصلين، الذين صلوا خلفه حتى إنه يقال مبالغة «صلى خلفه من في جبال مكة من قوة وجال صوته». ولم ينته العقد إلا وكانت طيبة على موعد مع صوت رائع من أصوات الحرمين بصوت القارئ محمد أيوب في الحرم النبوي، والذي استمر نحو خمسة أعوام في المسجد النبوي، ثم تحول بعدها إلى مسجد قباء، وقدم في آخر صلاة فيها القراءة الحجازية التي تُتلى على متن رحلات الخطوط السعودية. ولم تكن المقامات بحكر على أئمة الحرمين الشريفين أو مؤذنيه، بل بدأت تنتقل إلى أئمة أخرى في مناطق مختلفة، كالقارئ توفيق الصايغ في جدة، أو ياسر الدوسري أو خالد الجليّل في الرياض. وتبدأ قصة المقامات مع من يهتم بقراء الألفية الحديث، أو المنشدين الذين يتحولون من الصوت المعتاد الذي يقرأ فيه كثير من القراء الاقدمين كابن ونيان في بريدة، أو الحواشي في أبها، ليتحولوا إلى محاولة محاكاة قراء مصر الذين اشتهروا في نهايات السبعينات وأوائل الثمانينات في المملكة. وكان طول قراءة عبدالباسط عبدالصمد، وحسن تجويد محمد صديق المنشاوي، وتعابير آيات محمود الطبلاوي دافعاً لثلة من القراء للتحول إلى قراء مطورين بأصواتهم، على نسق حديث يجمع بين القوة والقراءة المجودة. وأتى القارئ السعودي أحمد العجمي، وفي بداية الألفية الكويتي مشاري العفاسي، لينقل مقام القراءة الأصيل إلى مجال أرحب، باعتمادهما على قراءة مطورة تجمع بين مقامات مختلفة، فهما من أول من قرأ بمقام «الصبا» و«نهاوند» و«الحجاز» في قراءة واحدة، جامعينها بتلاوة واحدة.