يغرد رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون وحيداً في رفضه التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي الذي يحال على التقاعد في أيلول (سبتمبر) المقبل ويتخبط في توجيه الاتهامات في كل الاتجاهات ولا يعفي من حملاته حلفاءه وتحديداً «حزب الله» بسبب عدم الوقوف الى جانبه في تعيين صهره العميد شامل روكز قائداً للجيش على رغم أن هناك عدداً من الضباط الموارنة برتبة عميد يتقدمونه في الأقدمية. ويقول قطب بارز في «قوى 8 آذار» أمام زواره إن عون يدرك جيداً أنه يقاتل من أجل المجهول، وأن حملاته ضد التمديد لقهوجي لن تجدي نفعاً «لأن ما كتب للأخير قد كتب ولن يكون قادراً على تغيير موازين القوى لمصلحة الوقوف على خاطره وصولاً الى قلب الطاولة في وجه التمديد». ويضيف: «عون لم يفاجأ بتأييد الأكثرية في داخل قوى 8 آذار التمديد لقهوجي، وكان حلفاؤه أسرّوا إليه منذ أشهر عدة وجود نية لديهم في السير في خيار التمديد حتى النهاية، لكنه قرر منذ الآن أن يخوض معركته وهو يدرك سلفاً أنه سيصطدم عاجلاً أو آجلاً بحائط مسدود». ويؤكد القطب نفسه أن عون وإن كان يدرك أنه يخوض معركة خاسرة سلفاً، يريد الوصول منذ الآن الى مقايضة تضمن مستقبل صهره العميد روكز على رأس المؤسسة العسكرية في حال أن الظروف القاهرة التي تستدعي حالياً التمديد لقهوجي قد انتفت وأنه لا بد من اختيار البديل. ويعتقد بأن عون «إدراكاً منه أن التمديد لقهوجي سيحصل في اليومين المقبلين، يسعى تحت ضغط التهويل باللجوء الى المجلس الدستوري ومجلس شورى الدولة للطعن بالتمديد، الى انتزاع موافقة حلفائه على عدم وضع فيتو على تعيين صهره فور أن تزول الظروف القاهرة». حماية للصهر ويتابع: «عون يتوخى من توسيع بيكار حملته - مع أنه يعرف أنه يخلط الحابل بالنابل - ومن توزيع اتهاماته، توفير الحماية السياسية لتعيين صهره، خصوصاً أنه لم يأخذ شيئاً من وجهة نظره من حلفائه في مقابل كل ما قدمه إليهم من غطاء سياسي لسلاح المقاومة في الداخل ولضلوع «حزب الله» في القتال في سورية الى جانب الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه، فضلاً عن أنه يدرك أن تكبير حصته في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي لم تمكنه من أن يصرفها في الضغط لإصدار دفعات من التعيينات الإدارية تكون له فيها حصة الأسد». ويضيف القطب السياسي أن عون لا يغفر لحلفائه تخلّيهم عنه في معركة انتخابات رئاسة الجمهورية الأخيرة والتي أوصلت العماد ميشال سليمان الى رئاسة الجمهورية بذريعة أنه الماروني الأقوى وأن وقوفه الى جانب «حزب الله» في خياراته الداخلية والإقليمية والدولية تسبب له «بوجعة رأس» لدى المجتمع الدولي لكنه غير نادم على تموضعه السياسي في تحالف مع قوى 8 آذار مع أنه لم يحصد منهم الأثمان التي يتطلع إليها وفي طليعتها رئاسة الجمهورية. ويعترف هذا القطب السياسي بأن وضعية عون مع رئاسة الجمهورية كانت وما زالت شبيهة بوضعية عميد الكتلة الوطنية الراحل ريمون إده، أي كمرشح دائم للرئاسة الأولى من دون أن تسمح له الظروف الداخلية والخارجية بالحصول على لقب «فخامة الرئيس». ويستبعد أن يكون عون على وشك اتخاذ قرار ينطلق من انتفاء حاجة حلفائه إليه أو العكس، ويعزو السبب الى أن «الجنرال» أدرى من غيره بأن لبعض حلفائه ديناً كبيراً عليه لأن من دونهم كانت أمامه استحالة في أن يتزعم ثاني أكبر كتلة نيابية بعد كتلة «المستقبل». ويؤكد أن لا موقف شخصياً من العميد روكز والمزايا العسكرية والمناقبية التي يتمتع بها، ويرى أن عون مضطر الى شن هجوم كاسح ماسح ضد حلفائه قبل غيرهم في محاولة منه لاستيعاب حال التذمر التي أخذت تتنامى داخل جمهوره من زاوية أنه يأخذ بصدره الرد على الجزء الأكبر من الهجوم الذي يستهدف «حزب الله»، لكنه لا يجني عندما يحين وقت الحصاد «الأرباح» التي تعوض له ما يخسره من جراء الحصار الخارجي المفروض عليه. محاولة لإحراج الحليف لذلك، يأتي إصرار عون على طرح التمديد لقهوجي في مجلس الوزراء إذا كانت هناك إرادة لتمريره ليأخذ قراره في هذا الخصوص، في سياق محاولة مكشوفة لإحراج حليفه الاستراتيجي «حزب الله» وصولاً الى اختبار هذا التحالف الذي يبدو أنه حتى إشعار آخر، يتعرض الى اهتزاز بسبب الاختلاف على الملفات الداخلية التي ما زالت عالقة خلافاً لتوافقهما اللصيق في الملفات الإقليمية والدولية. وتقول مصادر وزارية إن هناك استحالة أمام طرح التمديد لقهوجي في مجلس الوزراء، وتعزو السبب الى أمرين، الأول عدم وجود نية لدعوة مجلس الوزراء للانعقاد في ظل وجود حكومة تصريف أعمال، لأن تعميم مثل هذه التجربة بذريعة أن الظروف القاهرة تستوجب اجتماعه في كل مرة للنظر في تعيينات جديدة يفتح الباب أمام السؤال عن جدوى استقالة حكومة الرئيس ميقاتي طالما أنها قادرة على الاجتماع في كل لحظة وإلا لماذا استقالت وكلف الرئيس تمام سلام تشكيل حكومة جديدة؟ أما الأمر الثاني، فيعود، وفق المصادر ذاتها الى أن مجلس الوزراء سيواجه مشكلة في التفاهم على اسم قائد الجيش الجديد خلفاً لقهوجي، وهذا يعني أن لا حل إلا ببقاء القديم على قدمه، أي لا مفر من خيار التمديد. أضف الى ذلك أن عون، وفق المصادر ذاتها، بادر الى «النفخ» في الجيش لحظة تعرضه الى اعتداء مسلح من محازبي إمام مسجد بلال بن رباح في عبرا الشيخ أحمد الأسير من جهة، ومن جهة ثانية الى توجيه الاتهامات الى «تيار المستقبل» ظناً منه أنه يستطيع الإيقاع بين قهوجي ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري بما يؤدي الى خلق هوّة بينهما يمكن أن تتسع وتترتب عليها ارتدادات سلبية من شأنها أن تعيد خلط الأوراق في شكل قد يقطع الطريق على التمديد له. لكن رهان عون، كما تقول المصادر، لم يكن في محله نظراً لمبادرة الحريري الى إبلاغ من يعنيهم الأمر بأنه مع التمديد على بياض لقهوجي استناداً الى الصيغة التي يراها رئيس الجمهورية مناسبة بالتعاون مع رئيس حكومة تصريف الأعمال ووزير الدفاع الوطني فايز غصن. كما أن البعض حاول أن يوحي بأن تأييد الحريري التمديد لقهوجي سيؤدي الى تخبط في داخل «المستقبل» بذريعة وجود اختلاف بين رأي مؤيد وآخر معارض، لكنه سرعان ما أيقن بعد المشاورات التي أجراها الحريري مع رئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة وقيادات فيه أن لا غبار على خياره في التمديد لمنع حصول فراغ في المؤسسة العسكرية. عودة الخلاف مع فرنجية يضاف الى كل هذه المعطيات التي أملت على عون أن يكون منفرداً في رفضه التمديد عودة الاختلاف بين الأخير وحليفه زعيم تيار «المردة» سليمان فرنجية الذي يأخذ عليه تفرده في اتخاذ المواقف من دون التشاور معه، وتعاطيه مع بعض حلفائه على أنهم ملحقون به وما عليهم إلا السير وراء المواقف التي يقررها. وعليه، فإن الاختلاف بين عون وفرنجية لم يكن وليد ساعته، و «التطنيش» عنه في بعض الأحيان لا يعني بالضرورة أن المشكلة سوّيت وإلا لماذا ما زالت «الكيمياء» السياسية مفقودة بين «المردة» ووزير الطاقة جبران باسيل؟ لذلك، فإن مبادرة الوزير غصن، وهو من أبرز القيادات في «المردة»، الى تكليف محامي الوزارة الوزير السابق ناجي البستاني بأن يعد الصيغة للتمديد لقهوجي ولرئيس الاركان في الجيش اللواء الركن وليد سلمان الذي يحال على التقاعد في الثامن من الشهر المقبل استناداً الى المادة 55 من قانون الدفاع الوطني، من شأنها أن ترفع من منسوب التوتر بين عون وفرنجية. صيغة التمديد ويفترض أن تطرح صيغة التمديد على هامش الاجتماع المقرر غداً لمجلس الدفاع الأعلى برئاسة الرئيس سليمان، وستكون مدار بحث بين الأخير والرئيس ميقاتي والوزير غصن على أن ترى النور لاحقاً، أي بعد تعذر عقد الجلسة التشريعية للبرلمان التي دعا إليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري والتي سيكون مصيرها كمصير الدعوتين السابقتين بسبب تعذر تأمين النصاب القانوني للجلسة مع استمرار الاختلاف على جدول أعمالها وآلية الدعوة إليها. ويكون عون بالتمديد لقهوجي وسلمان قد سجل على نفسه خسارة جولة جديدة سيحاول التعويض المعنوي عنها في اللجوء الى «الدستوري» و «شورى الدولة» للطعن بالمرسوم.