الكتابة كانت أكبر معجزة حققتها الإنسانية، كما يقول كار لايل فيوم بدأ الإنسان يسجل أفكاره حفراً في الصخور ونقشاً في الحجارة، ثم كانت الكتب والكتابة، وفي المكتبة التقى الماضي بالحاضر، واستشرف الحاضر للمستقبل، فاتصلت الحضارات وازدهرت العلوم، فالكتب والمكتبات وعاء تجتمع فيه ثقافة الفكر وحضارة الإنسان. وتاريخ الكتب والمكتبات تاريخ طويل وعريض يبدأ من عمق الزمان إلى يومنا هذا وما بعده. ويأتي في حياة الناس فترات تننشط فيها الكتابة وتزدهر المكتبة بأسباب مختلفة، وفي وقت نافست فيه التقنية الكتاب، أثبت الكتاب قوته بانسجامه معها. ونحن في المملكة العربية السعودية نحفل بقوة مكتبية ضخمة، فالكتاب والمكتبة جزءان من التكوين المجتمعي سيّما في بعض الحواضر التي احتضنت الحركات العلمية، وقد تركت إرثاً مكتبياً مهماً ونفيساً، وكان من بين تشكلات تلك الحركة الثقافية المكتبات الشخصية أو الخاصة التي يؤسسها العلماء والمفكرون والأدباء في منازلهم ويقومون بتزويدها وتحديثها بصفة مستمرة على نفقتهم الخاصة، وهي مكتبات تختلف بحسب التخصص والاهتمام الفكري والثقافي لصاحب المكتبة، وتحتوي بعض هذه المكتبات على نفائس ومخطوطات. في تجربة جميلة قام الدكتور عبداللطيف بن عبدالله بن دهيش بتأليف كتاب ماتع «المكتبات الخاصة في مكةالمكرمة»، أحصى فيه 38 مكتبة إلى حين طبع الكتاب عام 1408، وبالتأكيد أن المكتبات أضعافاً مضاعفة بعد هذا التاريخ في مكةالمكرمة وغيرها. كان بعض أصحاب المكتبات يوصي بمكتبته بعد وفاته إلى جهة معينة كالجامعات أو المساجد الكبيرة، إلا أن ذلك قليل جداً نسبة إلى ما تم قسمته كتركة! ومن المؤسف أن بعض هذه المكتبات الخاصة تؤول بعد وفاة مؤسسها إلى ورثة ليست المكتبة من اهتماماتهم فيتم التخلص منها بالبيع، وبالبيع الزهيد أحياناً. والأسوأ حين تقع بيد مشترٍ ليس له فيها اهتمام سوى الربحية. لتنتهي تلك الكتب والنفائس للبيع عند أبواب المساجد وفي أسواق الحراج! لا بد من أن نتدارك هذا الضياع وعلى وزارة الثقافة والإعلام وقد آلت إليها جميع المكتبات العامة في المملكة أن تطلق مبادرة امتلاك مثل هذه المكتبات بعد وفاة أصحابها وفق آلية لتحديد قيمتها الشرائية، كما أن على الجامعات كلها وبالأخص الجامعات الجديدة التي هي في طور تكوين مكتباتها... عليها أن تقوم بدور الإحصاء المعلوماتي عن المكتبات الخاصة والتواصل مع أصحابها. كما أن من الممكن، والعمل الصالح الجميل، أن يكون هناك وقف مالي لشراء تلك المكتبات وإعادة تنظيمها والإشراف عليها. والكتب الوقفية عمل صالح وطريقة محمودة جرى عليها العمل في كل العصور. وفي الختام: أدعو إلى الاهتمام بهذا الموضوع وأن يكون أولوياً في أجندة الجهات المسؤولة. وحتى يمكن الإفادة من مساحة للرأي أكبر حول هذا الموضوع فأنا أدعو إلى مؤتمر عام حول المكتبات الخاصة يتم من خلاله مناقشة واقع المكتبات الخاصة كماً وكيفاً وكيفية الاستفادة منها. * عضو مجلس الشورى. [email protected] alduhaim@