على مدى عقود طويلة ظل كتاب "فيض الملك الوهاب المتعالي بأبناء أوائل القرن الثالث عشر والتوالي" للعلامة الامام أبي الفيض عبدالستار البكري الصديقي الدهلوي مخطوطاً دون عموم الفائدة منه على الرغم من أهمية الكبرى بين كتب التراجم والطبقات، حتى قيض الله له فضيلة العلامة الشيخ عبدالملك بن عبدالله بن دهيش ليتم تحقيقه ويخرجه إلى النور ويسد به فراغاً كبيراً في المكتبة العربية ويعم فائدته بين الباحثين والمؤرخين والمولعين بأخبار طبقات الرجال فله الأجر على ما قدم وله المثوبة به عند الله على ما أسدى وأنعم. اما الكتاب فيقع في ثلاثة مجلدات جاءت في (2401) صفحةة، ذكر فيه محققه ابن دهيش ان الكتاب اقتفى فيه مؤلفه نهج من سبقه في جمع تراجم أهل القرن الواحد في مؤلف واحد وكأني به امتداد للكتب التي ألف على منوالها كالدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر والضوء اللامع في أعيان القرن التاسع للسخاوي والكواكب السائرة لأهل المائة العاشرة للعامري وحلية البشر في تراجم أهل القرن الرابع عشر للبيطار وغيرها، وقد جمع فيه المؤلف لما يقارب من (1800) علم من شتى حواضر العالم الإسلامي في زمنه مثل الحجاز وبلاد الشام ومصر والعراق والأحساء ونجد والمغرب والهند وجاوة فجاء كتابه في مقدمة وستة مباحث. أما المبحث الأول فترجم فيه المحقق ترجمة وافية عن المؤلف وذكر أن هناك من ترجم له من المؤلفين كالمؤرخ عبدالله الغازي "تنشيط الفؤاد من تذكار علوم الاسناد" وكذلك العلامة عبدالهادي المدراسي في ثبته "هادي المسترشدين" وأيضاً الحافظ أحمد الغماري في "البحر العميق" وزكريا بيلا في "الجواهر الحسان" وعمر عبدالجبار في "سير وتراجم"، وأخيراً محمد سعيد كمال في "الطائف في كتب المؤرخين". اما اسمه ونسبه فهو: عبدالستار بن عبدالوهاب بن محمد خدايار بن عظيم حسين يار بن أحمد يار المباركشوي البكري الصديقي الحنفي الدهلوي وينسب إلى الخليفة الصديق سيدنا أبي بكر رضي الله عنه، وأما الدهلوي فهو نسبة إلى دهلي عاصمة الهند استوطن عمه غلام بن الدهلوي مكة عام 1245ه ثم تبعه والد المؤلف الشيخ عبدالوهاب الدهلوي قادماً من الهند عام 1249ه للحج واحترف التجارة وبيع الكتب حتى توفي بمكة عام 1313ه، وللمؤلف أخوين هما عبدالرزاق الدهلوي وعبدالملك الدهلوي وعاشا بمكة إلى ان توفيا، أما المؤلف فقد ولد بدار والده في محلة الشامية بمكةالمكرمة عام 1286ه وحفظ القرآن قبل أن يبلغ الثامنة من عمره، بل صلى بالناس التراويح في رمضان سنة 1297ه، كما درس بالمدرسة الصولتية وأخذ منها العلوم والآداب ولم يكتف الدهلوي بهذه العلوم بل واصل دراسته بالمسجد الحرام ولازم حلقات العلم بالمسجد الحرام فأخذ من هؤلاء العلماء الشيخ عباس بن صديق والشيخ عبدالرحمن سراج مفتي الأحناف والشيخ أحمد الحضراوي والشيخ محمد سعيد بابصيل مفتي الشافعية والسيد أحمد دحلان والشيخ محمد نواوي البنتني، كما رحل للمدينة المنورة وأخذ العلم عن الشيخ عبدالقادر الطرابلسي والسيد جعفر البرزنجي والشيخ محمد الدسوقي مفتي المالكية والشيخ عثمان الداغستاني مفتي الشافعية، كما ارتحل إلى الطائف وأخذ عن الشيخ عبدالمطلب الطائفي والشيخ عبدالحفيظ القاري. هذا وقد كان للرحلات التي ارتحلها العلامة الدهلوي أثر كبير في هذا المصنف فقد رحل إلى المدينةالمنورة وبلاد الهند والأفغان وكذلك مصر التي اجتمع بمفتيها الشيخ محمد المطيعي ثم سافر إلى الطائف، ومن خلال هذا التجوال نجد أن المؤلف جمع جزءاً كبيراً من علمه ومن تراجم هذا الكتاب، ولمكانته المرموقة في علم الحديث كان يدّرس صحيح البخاري بعيد صلاة العصر، أما في خلوته برباط الداودية فقد كان يدرس تلامذته التفسير والحديث ومصطلحه الأمر الذي جعله أميناً للفتوى في عهد الشريف عون فكان موضع الاعجاب والتقدير، وقد أخرجت دروسه جمهرة من العلماء منهم: الشيخ زكريا بيلا والشيخ سليمان الصنيع والشيخ عمر عبدالجبار والشيخ حسن مشاط والشيخ محمد صالح كلنتن والشيخ عبدالوهاب الدهلوي وللشيخ الدهلوي جملة من المصنفات تصل إلى ست وعشرين مؤلفا أبرزها هذا الكتاب الذي بين أيدينا وكتاب "الآيات العظيمة الباهرة في معراج سيد الدنيا والآخرة" وكتاب "الانصاف في حكم الاعتكاف" وكتاب "تحفة الأحباب في بيان اتصال الأنساب" وكتاب "جواهر الأصول في اصطلاح علم الرسول" وكتاب "سرد النقول في تراجم العلماء الفحول" وكتاب "طبقات المذاهب الأربعة" في أربعة مجلدات وكتاب "طبقات القراء" وكتاب "طبقات الأدباء" وكتاب "نور الأمة بتخريج كشف الغمة" في ست مجلدات وغيرها من الكتب، تلك المؤلفات جعلت الشيخ الدهلوي يحظى بثناء من العلماء الذين اخذوا عنه أو قرأوا بعضاً من كتبه كمحمد سعيد العامودي والشيخ عبدالوهاب أبو سليمان والشيخ زكريا بيلا والشيخ الفاداني، وقد رحل عالمنا عام 1355ه بمكةالمكرمة وله من البنين عبدالغني وعبدالجليل. التعريف بالكتاب: وكتاب "فيض الملك الوهاب المتعالي بأنباء أوائل القرن الثالث عشر والتوالي" قد اجمع المترجمون للدهلوي نسبة هذا الكتاب اليه وقد انتهى من تأليفه في ربيع الأول من عام 1319ه ثم أضاف له المؤلف بعض الاضافات من تراجم ومعلومات وقف عليها بعد هذا التاريخ، وكان منهجه امتداداً لكتب التراجم المؤلفة على القرون وغطى فيه رجال قرنين من الزمان هما القرن الثالث عشر والرابع عشر شملت تراجم أعيان حواضر العالم الإسلامي وقد تفاوتت التراجم طولاً وقصراً، ايجازاً وبسطاً، فبينما نجد ترجمة لا تتجاوز بضعة أسطر نجد اخرى تجاوزت بضع صفحات ولعل مرد ذلك عائد لما للقلم من مكانة مرموقة بين العلماء أو ما له من نفوذ وتقدير في مجتمعه إلى جانب ما توفر للمؤلف من معلومات عنه، وتبدأ الترجمة للمؤلف باسمه ونسبته واسم المترجم له وجدِّ واحد من اجداده، في حين إذا كانت نسبة المترجم إلى بلدة مغمورة فانه يعين مكانها ويضبطها بالحروف، أما إذا كان صاحب الترجمة شاعراً أورد شيئاً من شعره وذكر مناسبتها، وقد يتفاوت أسلوبه في صياغة الجمل والعبارات قوة وضعفاً ويورد للمترجم مصنفات في حالة معرفته بها ونجد المؤلف أيضاً يترجم للنساء، وقد رتب كتابه على حروف الهجاء، وتنوعت فيه التراجم من أمير كبير وزاهد فقير وعالم تحرير او شاعر او اديب ويلحظ ان المؤلف قد اهتم بتراجم اهل الحجاز واطنب في تراجمهم واستقصى احوالهم وذكر شيوخهم وذراريهم، ونراه اذا نقل عقب على النقل ان كان الأمر يحتاج الى تعقيب من زيادة او استدراك او تصحيح او تفنيد او موازنة بين رأي وآخر وهذا لعمري دين العلماء، هذا وقد حظي الكتاب بتقريظ من الشيخ محمد الملحاوي. ولقد كان لهذا الكتاب اثر فيمن جاء بعد الدهلوي وكان مصدراً هاماً لكل من ألف في التراجم ككتاب "افادة الأنام" للشيخ عبدالله الغازي وكتاب "اعلام المكيين" للمعلمي وكتاب "الأعلام" لخير الدين الزركلي. والمتصفح للكتاب يجد الدهلوي قد اعتمد على طائفة من المؤلفين والمؤرخين من خلال كتبهم التي من ابرزها "آداب اللغة العربية" لجرجي زيدان و"الاشراف على من فاس من مشاهير الأشراف" للفاسي و"اعلام العراق" للأثري و"البدر الطالع" للشوكاني و"تاريخ الجبرتي" لعبدالرحمن الجبرتي و"تاريخ الخلف برجال السلف" و"الخطط التكوفيقية الجديدة" لعلي مبارك اضافة لبعض الصحف والمجلات كجديدة الأهرام وجريدة النهضة ومجلة المقتطف ومجلة الزهور ومجلة العرفان ومجلة المجمع العلمي ومجلة الهلال وغيرها كثير يصل الى ست وثمانين مرجعاً. وقد اعتمد الدهلوي في تدوين تواريخ الأحداث بحساب الجمل وضمنه باقات من اشعار وقصائد الشعراء منهم عبدالجليل برادة وحكمت عارف وجميل الزهاوي ورفاعة الطهطاوي وجلال الدين السيوطي وزين العابدين جمل الليل ومحمد الأحسائي ومصطفى صادق الرافعي ومحمود سامي البارودي. ومن مصادر وموارد الدهلوي في هذا الكتاب معاصروه من شيوخه وتلامذته كذلك مما سمع في اللقاءات والاجتماعات التي حدثت بينه وبين أصحاب تلك التراجم وجولاته ورحلاته التي لقي فيها لفيف من الأمراء والعلماء والأدباء وقد التقط بعض القصص التي كانت تدور على ألسنة الناس ومكاتبات اصحاب التراجم له وكثيراً ما صرح بذلك كأن يقول: كما شافهني بذلك او كما افادني بولادته او كنت اجتماع بهذ هناك او في الحرم او حضرت مجلسه بمكة او حضرت دروسه وغير ذلك. منهج المحقق في التحقيق والتدقيق ومما يحمد للمحقق انه صاحب خبرة في مجال التحقيق وتمرن ومراس في هذا الفن فقد سبق للشيخ الدكتور ابن دهيش ان حقق كتاب "اخبار مكة" لابي عبدالله الفاكهي المكي في خمسة أجزاء. ولكون المحقق لم يقف الا على نسخة واحدة فقد اعتمد عليها في التحقيق، كما نسخ الكتاب وراجعه وضبط كثيراً من ألفاظه نثراً وشعراً واعتمد كذلك على الطريقة الإملائية الحديثة في الكتابة مثبتاً علامات الترقيم في مواضعها ومميزاً الأيات القرآنية والأحاديث النبوية بأقواس خاصة ومميزاً ايضاً أسماء المصنفات ضابطاً الأسماء والاصطلاحات التي تحتاج الى ضبط ورقم التراجم وأحال الى تلك الأرقام، وقد اخذ الشيخ ابن دهيش في منهج تعليقه رأي بعض العلماء الذين يرون انه من الأفضل توضيح النص بوضع الهوامش والتعليقات وإثبات الاختلافات بين النسخ والتعريف بالأعلام والأماكن والمصطلحات وشرح ما يحتاج الى توضيح، وقد اخذ بهذا الرأي لعدة اسباب منها: 1- ندرة النسخ الخطية الخالية من التصحيف والتحريف. 2- معظم المخطوطات العربية لم تصل الينا بخط مؤلفيها وإنما بخط النساخ. 3- لم يعن جمهرة المؤرخين والنساخ بالاعجام ووضع الحركات الموضحة للنص. 4- افتقار المؤلفين والنساخ الى وحدة كتابية واحدة ما ادى الى التباين في رسم الكلمات. لذا سار المحقق في التهميش والتعليق على جملة من النقاط منها عزو الآيات القرانية الى مواضعها في القرآن الكريم مع ذكر اسم السورة ورقم الآية، وأيضاً تخريج الأحاديث النبوية والأقوال والأمثال الواردة، كما فسر الغريب من الكلام وعرف بالأعلام والأماكن والبلدان وفسر أيضاً المصطلحات التاريخية والحضارية، اضافة الى مقارنة النص ببعض الكتب المخطوطة او المطبوعة التي اوردت المادة العلمية، كذلك قارن الشيخ ابن دهيش النص ببعض الكتب التي نقلت عن "فيض الملك المتعالي والوهاب" ورجع الى المعاجم الجغرافية القديمة منها والحديثة لتحيد اماكن بعض المدن والقرى التي ذكرت في النص، كما فصل الفقرات بعضها عن بعض مع جعل بداية مميزة لكل فقرة، وصحح ما فيه من اخطاء في النحو والإملاء، وحذف الألفاظ المكررة وأكمل بعض العبارات الناقصة ولم ينس المحقق تعريفه بأسماء المصنفات الواردة فيه قدر الوسع وعرف بالأماكن التي لم يعرفها الدهلوي او زاد في تعريفها ومن جهود الدكتور ابن دهيش تعريفه بأعلام قدر الحاجة ورجوعه الى كتب التراجم التي ذكرت التراجم فيها وأكمل بعض التراجم الموجزة قدر ما اسعفته المصادر معلقاً على بعض ما جاء في التراجم، وذاكراً سبب نسبة بعض المترجمين ان دعا الى ذلك داع مع ذكر تاريخ الوفاة ممن لم يذكر وفاته ثم صنع ابن دهيش فهارس لمن ترجم لهم المؤلف وللأعلام الواردة في السياق وللأماكن والكتب ابرز من ترجم لهم صاحب الكتاب حمل الكتاب بأجزائه الثلاثة قرابة (1800) ترجمة كان من ابرزهم: ابراهيم اباطة باشا ابراهيم الصنعاني الأمير، ابراهيم الاسكوبي، ابو بكر العيدروس، ابو بكر زرعة، ابو بكر خوقير، احمد زني دحلان، احمد بافقيه، احمد مرداد ابو الخير، احمد الحضراوي، احمد حسين المرصفي، احمد حكمت عارف، بشارة الخوري، بطرس البستاني، بكري شطا، جبران خليل جبران، جرجي زيدان، جميل الزهاوي، جورج الامريكي، الحسن البهكلي، حسين اليافي، حفني ناصف، خديجة الطبرية، خير الدين التونسي، داود باشا، رفاعة الطهطاوي، زينب فواز، سعود الأول بن محمد بن مقرن، سليم تقلا، شبلي شميل، شكيب ارسلان، صباح الاول الصباح الكويتي، عائشة التيمورية، عباس حلمي، عبدالجليل برادة، عبدالحميد الثاني، عبدالرحمن الفيصل آل سعود، عبدالرحمن السعدي، الملك عبدالعزيز آل سعود، عبدالله الحداد، عبدالله الشببي، عبدالله نديم، عبدالواحد الجوهري، علال الفاسي، علي مبارك، علي السويدي العباسي، عون الرفيق، فؤاد الخطيب، فرنسيس مراش، الملك فيصل بن عبدالعزيز، متعب الرشيد، محمد علي الشوكاني حافظ ابراهيم، محمد رشيد رضا، محمد علي باشا، محمود الآلوسي محمود سامي البارودي، مصطفى المنغلوطي، معروف الرصافي، ملك حفني ناصف، نوري باشا، ولي الدين يكن، يوسف العظمة وغيرهم.