شدد الرئيس اللبناني ميشال سليمان في كلمته في القصر الجمهوري خلال اللقاء السياسي الجامع مع البابا بينيديكتوس السادس عشر، على ان «الديموقراطية لا يمكن ان تستقيم ما لم يتحقق اشراك المكونات البشرية والحضارية المتنوعة للعالم العربي، ومن بينها المكون المسيحي، في الحياة السياسية وفي ادارة الشأن العام، ودفع المجتمع الدولي الى فرض حل عادل وشامل لكل اوجه الصراع العربي - الإسرائيلي ولقضية فلسطين وفق جدول زمني ملزم ومحدد». وقال سليمان: «في هذه المرحلة المفصلية من حياتنا الوطنية، التي ينزلق فيها بعضهم من حولنا نحو منطق العنف ومخاطر التشرذم والتباعد الطائفي والمذهبي، وتسعى فيه الشعوب العربية، بتعثر، لتلمس مستقبلها وخياراتها الفضلى، إننا على يقين، أن زيارتكم للبنان ستساهم بإعادة البريق إلى وهج رسالته، وتسليط الضوء على موقعه ودوره الرائد وسط محيطه، كوطن للحوار والتلاقي والتوافق، وكنموذج حي ومركز دولي مرتجى، لحوار الحضارات والثقافات والديانات». وقال: «تعاهدنا منذ البدء على العيش معاً، في كنف الدولة، في إطار نظام ديموقراطي يضمن حرية الرأي، ويسمح بالتداول الدوري والسلمي للسلطة»، مشيراً الى المادة التاسعة من الدستور عن «حرية الاعتقاد في لبنان». وأكد ان «العيش معاً بالنسبة للبنانيين، ليس معادلة جامدة، بل تكامل إنساني بناء، وتفاعل فكري وثقافي منتج، وإغناء متبادل وانتماء، وفي صلب فلسفة كيانهم الوطني، يستند إلى إرادة سياسية حرة ومتجددة، ويترجم على الصعيد العملي، في مشاركة جميع الطوائف والمجموعات المكونة للمجتمع، في إدارة الشأن العام، بصورة متكافئة ومتوازنة، وصولاً إلى الدولة المدنية الضامنة لحقوق جميع المواطنين من دون تمايز أو تفاضل». وأضاف: «هذا جوهر ما توافقنا ميثاقياً عليه، وما نعمل دوماً على تطوير صيغته وترسيخ ركائزه من طريق التفهم والتفاهم والحوار، على رغم ما يعترضنا أحياناً من عثرات ويصيبنا ظرفياً من كبوات». وقال سليمان: «نعلم أن لا مصالح اقتصادية أو مادية للكرسي الرسولي، في رسم سياساته وتوجهاته، بل حرص موضوعي وغيور على الخير العام وعلى كرامة الإنسان وهنائه. لذا تحمل رسالتكم إلى لبنان، وانطلاقاً منه إلى المنطقة بأكملها، بمسيحييها وبمسلميها، وبجميع مكوناتها الدينية والطائفية والاجتماعية، وإلى المنتشرين اللبنانيين والمشرقيين في كل أصقاع الدنيا ورحابها، مضموناً نقياً منزهاً عن الأطماع والأهواء، وخصوصاً من خلال الإرشاد الرسولي للسينودوس الخاص لمجمع الأساقفة من أجل الشرق الأوسط، الذي وقعتم عليه البارحة (اول من امس)، وهو يحمل من المضامين والتوصيات والعبر ما يصلح أن يكون نبراساًَ وهادياً إلى زمن بعيد آت، وخريطة طريق للمسيحيين المشرقيين ولكل سالك لطريق الشراكة والمحبة والعدالة والسلام. ومن هذا المنطلق نضع تجربتنا اللبنانية الفريدة، تحت نظركم الكريم، وهي تجربة لم تنل منها الصعاب التي امتحنت إرادتنا بالعيش معاً، خلال العقود المنصرمة، وإن كانت التحديات ما زالت تعترض مسيرتنا الوطنية، في عالم متقلب ومتداخل». التحديات وعدّد سليمان بعض التحديات ومنها «العمل على تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701 بكل مندرجاته، وثني إسرائيل عن خروقها وتهديداتها المتمادية ضد لبنان، ومواجهة خطر الإرهاب والدسائس والفتن، والحؤول دون أي شكل من أشكال توطين اللاجئين الفلسطينيين على أراضينا، ليس فقط لتعارض التوطين مع أحكام الدستور اللبناني، ومع مقتضيات وفاقنا الوطني، بل كذلك لتناقضه أساساً مع حق هؤلاء اللاجئين الطبيعي في العودة إلى أرضهم وضرورة تحقيق التنمية المتوازنة، وحماية البيئة، وتوفير فرص عمل للمواطنين، ولا سيما منه فئة الشباب، لتعزيز محفزات تمسكهم بأرضهم وهويتهم وتراثهم». وإذ رأى ان دعم الفاتيكان للبنان «في هذا الظرف بالذات يرتدي أهمية قصوى، لما تمثلونه من مكانة روحية سامية ومن سلطة معنوية مؤثرة». قال: «سرنا أن يكون مجلس الأمن، ومن بعده مجلس الاتحاد الأوروبي، والعديد من المرجعيات الروحية والدول، أشادوا بالدعوة الى استئناف أعمال هيئة الحوار، «وبإعلان بعبدا» الذي أعاد تأكيد وصوغ مرتكزات وفاقنا الوطني، وأكدوا دعمهم لكل ما يعزز فرص الاستقرار». توافقنا على الحياد وأعاد الرئيس اللبناني التذكير بتوافق اللبنانيين «على ضرورة تجنب التداعيات السلبية الممكنة لما يحصل حولنا من أحداث، وعلى تحييد بلادنا عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والدولية، درءاً للمخاطر، وحرصاً منا على استقرارنا ووحدتنا الوطنية، من دون أن ننأى بنفسنا بطبيعة الحال، عن واجب التزام القضايا العربية المحقة، وعلى رأسها قضية فلسطين، وقرارات الشرعية الدولية، وكل شأن إنساني. ومن هنا إيلاؤنا كل اهتمام ورعاية ممكنة، لعشرات آلاف النازحين السوريين الذين وفدوا إلى الأراضي اللبنانية، نتيجة خوف أو حاجة أو ضيق. كذلك أعلنا منذ البدء أن لبنان يتمنى للشعوب العربية الشقيقة، وللشعب السوري بالذات، ما تريده لنفسها من إصلاح وحرية وديموقراطية، وأن تتمكن من تحقيق مطالبها المشروعة بالطرق الحوارية والسياسية المناسبة، بعيداً من أي شكل من أشكال العنف والإكراه». وأضاف قائلاً: «إلا أن هذه الديموقراطية، على ما يفترض أن توفره من استقرار وهناء، لا يمكنها أن تستقيم وتترسخ، من منظار المنطق والعدل، إذا لم يتيسر لها إشراك المكونات البشرية والحضارية المتنوعة للعالم العربي، ومن بينها المكون المسيحي المتجذر في هذا الشرق منذ أكثر من ألفي سنة متتالية، في الحياة السياسية وفي إدارة الشأن العام، بصرف النظر عن النسب العددية، على قاعدة المواطنة والتنوع من ضمن الوحدة، كما أشرت إلى ذلك في كلمتي أمام القمة العربية في بغداد بتاريخ 29 آذار (مارس) الماضي، فتطمئن هذه المجموعات المكونة للذات العربية بمختلف أبعادها الثقافية والفكرية إلى وجودها وحضورها وتساهم بصورة أفضل في نهضة وتقدم بلدانها، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والتزام الحريات العامة وحقوق الإنسان، ومن ضمنها حقوق المرأة، وإعطاء الشبيبة دورها وحقها في عملية صناعة القرار». وشدد سليمان على ضرورة «الالتزام بصورة أكثر عمقاً وتبصراً بموضوع الحوار بين الحضارات والثقافات والديانات، بما في ذلك الحوار بين الطوائف والمذاهب، على قاعدة الاحترام المتبادل في وجه محاولات التفرقة بعيداً عن منطق التقوقع أو التصادم والغلبة، ودفع المجتمع الدولي إلى فرض حل عادل وشامل لكافة أوجه الصراع العربي-الإسرائيلي ولقضية فلسطين، بما في ذلك مسألة الوضع الخاص لمدينة القدس وللأماكن المقدسة، وفق جدول زمني ملزم محدد، يحول دون تكريس أي أمر واقع يهدف إلى إقامة المستوطنات غير الشرعية وتهويد القدس وتكريس الاحتلال. ومثل هذا الحل، لا يمكن أن يكتسب صفة الثبات، إذا لم يستند إلى القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ومرجعية مؤتمر مدريد، والمبادرة العربية للسلام التي أقرت في بيروت منذ عقد من الزمن». كما شدد على ان «القدس دائماً وأبداً في وجداننا، مدينة السلام ونقطة الجذب التي من المفترض أن يستقيم فيها العدل، فتسير إليها جميع الشعوب المؤمنة وتلتقي، على قاعدة الألفة والمحبة والإيمان، في حضرة الإله الواحد الأحد».