أكد الرئيس اللبناني ميشال سليمان «أهميّة استمرار عمل مؤسسات الدولة، وواجب العودة إلى لغة الحوار ونهج الاعتدال، وكذلك الالتزام الدقيق من جميع الأطراف، الداخليين والخارجيين، ببنود وروح إعلان بعبدا»، فيما حيّا الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي زار لبنان أمس ساعات عدة، واقتصرت لقاءاته على الرئيس سليمان في قصر بعبدا حيث عقدا قمة لبنانية-فرنسية، «كل الجهود التي يقوم بها الرئيس سليمان في سبيل إبقاء الحوار وسيلة لا غنى عنها»، محذراً «كل من قد تسول لهم أنفسهم زعزعة استقرار لبنان، لأن فرنسا ستعارض ذلك بقوة». وقال سليمان خلال مؤتمر صحافي مشترك عقده وهولاند في ختام اللقاء، إن هولاند «شاء القيام بزيارة عمل سريعة للبنان من منطلق الصداقة والتضامن والحرص على سيادة لبنان واستقراره وسلامة أراضيه في هذه الظروف المفصليّة والدقيقة التي يمرّ بها الشرق الأوسط ومحيطنا العربي»، مشيراً إلى أن المحادثات «تناولت بشكلٍ خاص التطوّرات الأخيرة للأوضاع على الساحة الداخليّة، ووضعت الرئيس هولاند في أجواء عمليّة التشاور القائمة لإيجاد حلّ للخروج من حالة التأزّم والقلق التي نشأت إثر التفجير الإرهابي الذي أودى بحياة رئيس شعبة المعلومات السابق في قوى الأمن الداخلي اللواء الشهيد وسام الحسن، بموازاة السعي لكشف المسؤولين عن هذه الجريمة وسوقهم إلى العدالة وتعزيز السبل الكفيلة بصون الأمن والحفاظ على الاستقرار في كل الظروف». ولفت إلى أن «إعلان بعبدا» أقرّته هيئة الحوار الوطني، «ولقي دعماً علنياً من مجلس الأمن ومجلس الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، لتمكين لبنان من تمتين وحدته الوطنيّة، وتحييد نفسه عن التداعيات السلبيّة الممكنة للأزمات الإقليمية القائمة، وتوفير الشروط المناسبة لنموّه الاقتصادي والاجتماعي». وأضاف: «اتفقنا على أهمية الالتزام المستمر بقواعد الممارسة الديموقراطيّة التي يتميز بها لبنان، واحترام الاستحقاقات الدستورية، ولا سيما منها الانتخابات النيابية المقبلة، التي تسمح بالتداول الدوري والسلمي للسلطة من ضمن الميثاقية التي تنص عليها مقدمة الدستور اللبناني»، شاكراً للرئيس الفرنسي «التزام بلاده الدائم والثابت في قوات يونيفيل، سعياً لتنفيذ القرار 1701، وأعربت له عن التقدير للتضحيات المادية والبشرية الكبيرة التي قدمتها بلاده في هذا السبيل»، معرباً عن «عزم الدولة اللبنانية التعاون مع القوات الدولية لتنفيذ كامل المهمة الموكولة إليها بعيداً من أي مخاطر أو تهديد». وأعلن أن الرئيس الفرنسي «أعرب عن استعداد فرنسا لمواصلة دعمها القوى الأمنية اللبنانية والجيش اللبناني بالتحديد، وتزويدها الأسلحة والمعدات المناسبة لمساعدتها في الاضطلاع بالدور الوطني والدفاعي الملقى على عاتقها، وفي مجال حماية الديموقراطية والسلم الأهلي ومحاربة الإرهاب»، مضيفاً: «أكدنا أهمية البعد الثقافي للعلاقات اللبنانية الفرنسية وضرورة تعزيز التعاون في هذا المجال على الصعيد الثنائي ومن خلال المنظمة العالمية للفرنكوفونية». وفي الموضوع السوري، قال سليمان إنه أكد لزائره «حرص لبنان على تجنّب التداعيات السلبية للأزمة القائمة في هذا البلد الشقيق، مع الإعراب عن الأمل في أن يتمكّن السوريون من تحقيق ما يريدون لأنفسهم من إصلاح وديموقراطية حقة، بعيداً من أي شكل من أشكال العنف الذي بلغ درجات مفجعة، ومن أي تدخّل عسكري أجنبي». وكشف انه «جرى الإعراب أيضاً عن حرص موازٍ على أهمية توفير الدعم اللازم، وخصوصاً في مجلس الأمن، لمهمة المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي، تمكيناً له من المساهمة بصورة فعلية في إيجاد حل سلمي عادل وسريع ومتوافق عليه للأزمة السورية. كذلك اتفقنا على ضرورة تقديم المزيد من المساعدات المادية من المجتمع الدولي للعدد المتزايد من النازحين السوريين، لتلبية حاجاتهم الإنسانية الأساسية، وذلك في انتظار التوصل إلى الحل السياسي الذي يسمح بعودتهم إلى بلادهم بكرامة وأمان». وقال: «توافقنا أخيراً على أهمية عدم إغفال واجب السعي، لإيجاد حل عادل وشامل لكل أوجه الصراع في الشرق الأوسط، على قاعدة قرارات الشرعية الدولية، التي يلتزم بها لبنان، ومرجعية مؤتمر مدريد والمبادرة العربية للسلام، التي تشير في أحد بنودها إلى ضرورة ضمان عدم توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية التي لا تسمح أوضاعها الخاصة بمثل هذا التوطين على أراضيها، وعلى رأس هذه الدول لبنان»، معلناً أنه وجه دعوة لهولاند للقيام بزيارة رسمية للبنان في وقت يتم التوافق عليه بالطرق الديبلوماسية. هولاند واستهل هولاند كلمته بالتأكيد لسليمان إصراره على أن تكون زيارته الأولى لمنطقة الشرق الأوسط هي للبنان. وقال: «آتي في وقت بالغ الخطورة بالنسبة للمنطقة، وتالياً للبنان، بعد الاغتيال الجبان الذي طاول شخصية مميزة واستثنائية هو اللواء وسام الحسن. وأصررت أن أعبّر لكم هنا عن كامل تضامننا، لأن الاغتيال يشكل تجربة جديدة، ولأن لبنان يجب أن يكون قادراً على الحفاظ على وحدته واستقراره وسلامته»، مؤكداً أن بلاده «لن تدخر أي جهد في سبيل ضمان استقلال لبنان وسيادته ووحدته». وأضاف: «أريد أن أذكّر مرة جديدة أولئك الذين قد تكون لديهم أي مصلحة في زعزعة استقرار لبنان، أن فرنسا ستعارض ذلك بشدة وبكامل طاقاتها، ذلك أن لبنان يشكل نموذج وحدة، وهو عاش في الفترة الأخيرة صعاباً جمّة، ومن الواجب حمايته»، لافتاً إلى أن سليمان ساهم في حمايته. وأعلن تمسكه «في هذا الظرف الدقيق، الذي تعرف فيه سورية حال حرب، أن نعطي كل الضمانات لأمن لبنان واستقراره. كيف يمكن تجسيد عمق الروابط التي تجمعنا وتأكيد هذه الإرادة؟ اولاً من خلال وجود قوات فرنسية عاملة ضمن إطار قوات حفظ السلام في جنوب لبنان (يونيفيل)، والتي تضمن السلام في هذه المنطقة». وزاد: «على الصعيد السياسي، من الواجب القيام بكل ما من شأنه تجسيد هذه الإرادة. على اللبنانيين ان يقدروا ذلك، لكن فرنسا ستنظر دوماً بعين الاهتمام والدعم لكل ما من شأنه خدمة هذا التوجه. كذلك علينا القيام بواجبنا على الصعيد الإنساني، فهناك نحو مئة ألف لاجئ سوري اليوم في لبنان، وهذا من شأنه تحميل اقتصادكم أعباء معيّنة. إن فرنسا وأوروبا والمنظمات الدولية بجانبكم، ومن واجبها أن تكون أيضاً أكثر التزاماً»، معلناً أن «واجب التضامن يقتضي منا أن نقدم إليكم ما تسألونه ضمن إطار تعاوننا العسكري، بحيث تتمكن القوى المسلحة اللبنانية من الإفادة من العتاد الذي يتيح لها حماية الحدود ومحاربة الإرهاب». وتابع: «علينا أيضاً دعم مستلزمات ما نسميه شراكة «دوفيل»، أو بمعنى آخر كل ما التزمت الدول الكبرى به في إطار ما اصطلح على تسميته «الربيع العربي». هنا في لبنان، لديكم كل نتائج اللااستقرار على أبوابكم، ومن واجبنا أن نقدم لكم كل الدعم الممكن». وأكد أنه سيلبي دعوة سليمان إياه لزيارة لبنان «ببالغ الامتنان. في لبنان لديّ الانطباع على الدوام أني في بلد صديق ومضياف. وأنا اليوم هنا لأقول لكم إننا إلى جانب لبنان، وأنتم مدركون أن لكم دعمنا المطلق، مجدداً لكم دعم فرنسا المطلق لاستقرار لبنان وأمنه ووحدة أراضيه». حوار وسئل الرئيسان عن اغتيال اللواء الحسن وتقييمهما لمخاطر زعزعة الاستقرار وخطر عدوى الأزمة السورية، فأكد سليمان أن «عدم الاستقرار في لبنان تم تجاوزه بعد الجريمة التي أودت بحياة اللواء الشهيد وسام الحسن، ومتابعة الموضوع وطمأنة المواطنين يكونان عبر متابعة السير في التحقيقات بشكل جدي لكشف الفاعلين وتوقيفهم»، معتبراً أن «الانفعالات بحد ذاتها تؤدي إلى نتيجة أسوأ عن العمل الذي أدى لحصول هذه الانفعالات». ودعا اللبنانيين إلى «تجاوز الحدث والعمل يداً واحدة عن طريق الحوار والتعاون لمنع حدوث أعمال مماثلة وضمان وحدة الوطن خاصة في هذا الظرف الذي تمر فيه المنطقة وخصوصاً سوريا من اضطرابات وحوادث دموية وعنيفة». ورد هولاند مؤكداً أنه «لا يمكن أن تكون هناك حال إفلات من العقاب بالنسبة إلى اغتيال اللواء وسام الحسن، تماماً كما أنه لا يمكن أن تكون هناك مثل هذه الحالة بالنسبة إلى منفذي عملية اغتيال الرئيس الحريري»، وأضاف: «فرنسا، كدولة صديقة، ستقدم كل الدعم لمعرفة كل الحقائق في سياق عملية التحقيق الجارية وكل المعلومات التي من شأنها السماح بكشف مرتكبي هذا الاغتيال الجبان، وسوقهم إلى المحاكمة». وتابع: «اللبنانيون يطالبون بذلك. وهنا أيضاً أُعرب عن تضامني التام، فغداة عملية الاغتيال طرحت أسئلة كثيرة، وأُثيرت حال من القلق، وعلى اللبنانيين معرفة أننا إلى جانبهم. وتسألونني عما يمكن لفرنسا أن تقدمه أكثر إلى لبنان. سبق وذكرت أوجه التعاون السياسي والعسكري والثقافي والإنساني، ودعم مسيرة الحوار. ولعل ما يميّز فرنسا، واليوم يمكنني أن أتكلم مع جميع الفرقاء، أن لديها علاقات طيبة مع كل القوى الديموقراطية في لبنان. يمكننا أن نتكلم معهم، من دون أن يُعتبر ذلك بمثابة تدخل، فنقول لهم هناك ضرورة للوحدة. وعلى هذه القوى أن تجد الطريق المؤدي إلى ذلك. لا يعود لفرنسا أن تقول أي طريق، بل بإمكاننا أن نقول لجميع اللبنانيين عبر المؤسسات الديموقراطية التي اختاروها، إنه لمكسب ترغب فرنسا في أن تضعه في خدمة لبنان». وأعلن أنه «على الصعيد الاقتصادي، نحن جاهزون في هذا الظرف العصيب أن نضع الأطر التي من شأنها تفعيل العلاقات بين بلدينا وتزخيمها. اليوم، أدرك الجميع أنه تجب حماية لبنان من أي محاولة لزعزعة استقراره، ولدى فرنسا النية في القيام بذلك»، موجهاً التحية للجهود التي يقوم بها الرئيس سليمان «في سبيل إبقاء الحوار وسيلة لا غنى عنها». وعما يمكن فرنسا أن تفعله للبنان على الصعيد المؤسساتي من تدابير، أجاب سليمان: «فرنسا وقفت دائماً إلى جانب لبنان وهي تستطيع مساعدته، عبر حفظ حياده عن تداعيات الاحداث التي تحصل في الشرق الاوسط ودعمه، وخصوصاً في سورية، تطبيقاً لإعلان بعبدا، الذي أقرّ عبر هيئة الحوار الوطني. أما دعم المؤسسات، ففرنسا تقوم بذلك إلى جانب الدولة اللبنانية منذ زمن، وهناك تعاون دائم بين المؤسسات اللبنانية والفرنسية على كل المستويات السياسية والأمنية وأيضاً على المستوى المطلوب في حال احتاج لبنان إلى دعم في إجراء التحقيقات بشأن الجريمة التي وقعت، وخصوصاً لجهة المساعدة التقنية في إجراء هذه التحقيقات». وأضاف: «فرنسا هي دولة كبرى في مجلس الأمن ولها تأثير في القرارات الدولية وهي دولة صديقة للبنان وتشارك بصورة رئيسية في يونيفيل، وايضاً لفرنسا تأثير كبير في الاتحاد الأوروبي، واليوم يقوم الاتحاد الأوروبي بدور كبير لناحية الدعم السياسي للبنان وأيضاً لناحية دعم المؤسسات اللبنانية». وعن الشعور الفرنسي لاحتمالات تطور الأوضاع في لبنان في حال استقالة الحكومة وجهود سليمان لإنهاء الأزمة: «هناك حال سياسية معيّنة في لبنان أنا مدرك لها، وهي صعبة. وهناك انتخابات نيابية في الربيع المقبل إضافة إلى مسألة وضع قانون جديد للانتخابات. ليس على الرئيس الفرنسي أن يقول أي قانون انتخابي على اللبنانيين أن يتوجهوا للاقتراع على أساسه. كما أنه ليس على الرئيس الفرنسي أن يقول كيف يجب تشكيل الحكومة. في المقابل، ما يجب على الرئيس الفرنسي أن يقوله لكل من باستطاعتهم المساهمة في استقرار لبنان ومستقبله أن يعملوا في روح الحوار، بحيث لا تكون هناك أي قدرة لكل من تسوّل له نفسه زعزعة الاستقرار في لبنان، وهناك من يسعون لذلك وهم ليسوا ببعيدين، وكل واحد باستطاعته معرفتهم»، وزاد: «هناك الأزمة السورية التي يجب إيجاد حل لها. وانتم تعرفون موقف فرنسا حيالها. لبنان على رغم كونه قريباً جداً من سورية، لا يجب أن يكون ضحية هذه الأزمة، وكل شيء يجب القيام به من اجل حمايته. هذا هو موقف فرنسا. إن هذا الموقف ليس بتدخل، بل على العكس إنه نداء من اجل الحفاظ على استقلال لبنان ووحدته، إنه نداء من أجل الحوار». وعما إذا كان صحيحا أن جهاز المخابرات الفرنسي جنّد الوزير السابق ميشال سماحة للإيقاع بالنظام السوري؟ وهل من علاقة بين اغتيال اللواء الحسن وتوقيف سماحة، أجاب هولاند: «ليس هناك من علاقة مع الشخص الذي تتحدثين عنه. لا أدرك ما إذا كانت من علاقات معه في السابق، ولكن منذ وصولي إلى سدة الرئاسة بإمكاني تأكيد ما أقوله لكم. هذا الشخص تم توقيفه مع شبهات كثيرة حول ما كان يقوم به. ولا يمكنني أن أقول اكثر من ذلك، ويعود للقضاء اللبناني أن يحكم في القضية. ما يمكنني قوله أننا على استعداد لتقديم كل المعلومات والتحقيقات التي يمكننا القيام بها في خدمة القضاء اللبناني كي لا يكون هناك استغلال». وأضاف رداً على سؤال آخر: «منذ زمن بعيد لدي علاقات مع مختلف القوى السياسية اللبنانية الديموقراطية. ويعود لي أحياناً أن التقي مع البعض منهم. وأنا أحضّهم على الحوار والوحدة، وبعدها يعود لكل منهم أن يتحمل مسؤولياته. وفي هذا الوضع البالغ الخطورة، لا تحجب الوحدة مستلزمات التنافس الانتخابي». إلى السعودية وكان هولاند وصل عند الثامنة صباحاً إلى مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، حيث استقبله نائب رئيس الحكومة سمير مقبل وعدد من أركان السفارة الفرنسية. وبعد استراحة قصيرة في صالون الشرف، انطلق الموكب الرئاسي الفرنسي إلى القصر الجمهوري حيث أقيمت مراسم استقبال رسمية له واستقبله سليمان على مدخل القصر قبل أن يتوجها إلى منصة الشرف ليتم عزف النشيدين الفرنسي واللبناني. ثم توجه الرئيسان إلى صالون السفراء حيث عقدت القمة اللبنانية -الفرنسية التي استمرت نحو نصف ساعة، وقّع بعدها الرئيس الفرنسي السجل الذهبي. واستكملت المحادثات اللبنانية-الفرنسية على فطور عمل ضم، إلى الرئيسين، أعضاء الوفدين اللبناني والفرنسي، تلاه مؤتمر صحافي مشترك عقداه في قاعة 22 تشرين. وبعد انتهاء المؤتمر، غادر الرئيس الفرنسي لبنان متوجهاً إلى المملكة العربية السعودية. ويضع السفير الفرنسي لدى لبنان باتريس باولي اليوم الإثنين، بطلب من هولاند وباسمه، إكليلا على ضريح اللواء وسام الحسن.