لم يكن «الربيع العربي» سوى رافعة لمحاولات الإسلام السياسي الصعود إلى السلطة ببرامج قديمة بعضها يعود إلى عشرينات القرن الماضي، كما في مصر، وبعضها حاول استنساخ تجربة حزب «العدالة والتنمية» التركي الذي وجد الفرصة سانحة لمد نفوذه إلى كل المنطقة، بمباركة أميركية. فقد وجدت واشنطن في الحكم التركي المتحالف مع إسرائيل والعضو في الحلف الأطلسي النموذج المطلوب تعميمه في العالمين العربي والإسلامي، كما أنه أفضل رد على النموذج الإيراني الذي، على رغم دعمه «الإخوان المسلمين» قبل وصولهم إلى السلطة وبعد وصولهم، بقي في نظر الأكثرية نموذجاً لحكم خارج إطار «الشرعية» الإسلامية التاريخية، فضلاً عن تصنيفه أميركياً في محور الشر. لكن كل الوقائع تشير إلى أن تجربة الإخوان في العالم العربي فشلت، وأن الولاياتالمتحدة التي أعلنت دعمها لهم في البداية تراجعت، بعدما وجدت أنهم ليسوا مقبولين شعبياً، خصوصاً في مصر، حيث ثقلهم الأساسي، لذا اتخذت موقفاً «حيادياً» من حركة الجيش الذي أطاح حكمهم، وامتنعت عن نعت تحركه بالانقلاب وعن المطالبة بعودة «الرئيس الشرعي»، مكتفية بالدعوة إلى الهدوء. وحذت أوروبا وباقي الدول حذوها، فلم تطالب بعودة مرسي كي لا تقف ضد رغبة عشرات ملايين المصريين الذين نزلوا إلى الميادين مطالبين بتنحيته، ومؤيدين خطوة الجيش. لم يبق مؤيداً لحكم الإخوان سوى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، هو الوحيد الذي اعتبر تحرك الجيش انقلاباً على الشرعية، وطالب بعودة مرسي إلى السلطة. وأمر حزبه وإعلامه بشن حملة على الحكم الجديد، وشارك في الحملة شخصياً، فأعلن أن نائب الرئيس محمد البرادعي طلب مقابلته لكنه رفض، وسأله: «كيف يمكن ان أتحدث معك وأنت لم تنتخب، وقد عينك قادة الانقلاب؟». لكن تبين في ما بعد أن أردوغان فبرك الرواية كلها، فالبرادعي لم يتصل به ولم يطلب مقابلته. واقع الأمر أن موقف أردوغان مفهوم، فقد راهن على اختراق الإخوان «ربيع العرب» لدعم موقفه في الداخل وتطبيق حلمه في شرق أوسط جديد مرجعيته اسطنبول باعتبارها عاصمة «الخلافة»، بعدما فشلت الأنظمة العسكرية في المنطقة طوال العقود الماضية. وموقفه مفهوم أيضاً لأن إسلاميي تركيا عانوا الكثير عندما كان الجيش لهم بالمرصاد، فأجبر زعيمهم نجم الدين أربكان على التخلي عن الحكم عام 1997، فضلاً عن أن الرجل يخشى تكرار تجربة الانقلابات في الثمانينات، ووقوف العسكر في مواجهة التحولات التي بدأها في أنقرة ويسعى إلى تعميمها في باقي العالم الإسلامي. من هنا كان دعمه إخوان العراق ممثلين ب «الحزب الإسلامي»، ومحاولاته المتكررة قبل تطور الأزمة في سورية إجراء مصالحة بين النظام والإخوان، متعهداً باسمهم المشاركة في إخماد التحرك الشعبي. لهذا الغرض تكررت زيارات وزير خارجيته أحمد داود أوغلو دمشق، وعندما لم يجد آذاناً صاغية في قصر المهاجرين بدأ المطالبة برحيل الأسد، وفتح الحدود أمام المسلحين، وأقام لهم مراكز تدريب وقيادة تشرف عليها استخباراته، وأسس تجمع «المجلس الوطني» الذي انهار بسبب الصراع بين الإخوان والآخرين المدعومين من أكثر من جهة إقليمية ودولية. بعد التحولات الميدانية في سورية، وفي العراق أيضاً، وبعد إطاحة حكم الإخوان في القاهرة، شعر أردوغان بأن حلمه السلطاني في طريقه إلى التلاشي، فراح يصعّد حملته في الداخل والخارج. الزلزال السوري في بداية تفاعلاته. ومن المبكر التكهن بحجم ارتداداته في المشرق وفي الإقليم.