لا تخفي الممثلة الخاصة للأمين العام للامم المتحدة لشؤون الاطفال والنزاعات المسلحة ليلى زروقي ان «الرغبة» التي ابداها مسؤولون في النظام السوري التقتهم في دمشق (ابرزهم مسؤول الاستخبارات العامة اللواء علي المملوك) ب «المحاولة الجدية لحماية الاطفال» في هذا البلد من آثار الحرب الاهلية الشرسة الدائرة فيه، تخفي وراءها «احساساً لدى هذا النظام بانتصاره على معارضيه، وهو مستعد لإظهار الوجه الآخر بعد ما حصل». وقالت زروقي في لقاء مختصر دُعي اليه امس عدد محدود من ممثلي الصحافة المكتوبة وبينهم «الحياة» في فندق «بالم بيتش» في بيروت غداة عودتها من دمشق مع فريق عملها، ان «ما لمسته، ولا استطيع ان اجزم، ان الحكومة السورية تريد هذه المرة ان تثبت انها مستعدة للتعامل مع الأممالمتحدة، ولم اشعر بأن هناك باباً مسدوداً انما رغبة في المحاولة». لم تكن الزيارة الاولى لزروقي الى دمشق. سبق ان زارتها قبل اكثر من سبعة اشهر، ونقلت طلبات مماثلة الى السلطات كما الى المعارضة، بحماية الاطفال والحفاظ على المدارس وعدم استخدام الاطفال في اعمال عسكرية. لكنها هذه المرة التي امضت فيها اربعة ايام في العاصمة السورية، قالت انه كان «صعباً عليّ التواجد في غرفة الفندق وأنا اسمع اصوات القصف والانفجارات». زارت مناطق في ريف دمشق وقصدت مراكز تؤوي نازحين داخل سورية وشاهدت عائلات «خسرت فرداً على الاقل من الاسرة، او لديها جريح على الاقل او معوق وجميعهم خسروا كل شيء يملكونه»، قالت: «هذه الحقيقة يمكن رؤيتها في عيون كل من تحدثت اليهم». وشملت «كل الاطراف» في اتهامها ب «عدم اتخاذ اجراءات وقائية لحماية المدنيين من الاذى اللاحق بهم، مع ان كل طرف باستطاعته ان يكون مؤثراً، في سورية كما في خارجها وفي المنطقة». وقالت المسؤولة الدولية التي خصت بزيارتها ايضاً المخيمات التي نزح اليها السوريون الفارون من هول الحرب في تركيا والاردن ولبنان: «اينما ذهبت داخل سورية وخارجها ولكل طرف تحدثت اليه كنت أقول انه يوماً ما ستتوقف هذه الحرب وستتخذون قراراً بإنهائها لكن تكونون خسرتم جيلاً كاملاً من الاطفال، فهناك كراهية كبيرة ومعاناة وجيل أمّي بكامله. حالياً هناك اقل من 30 في المئة من اطفال سورية يذهبون الى المدارس و70 في المئة من هذه النسبة يتسربون من المدرسة لأسباب عدة، هناك اطفال بُترت اعضاء من اجسادهم، او خسروا كلية او بنكرياس، والناجون من هؤلاء سيواجهون وضعاً بلا امل في المستقبل». لكن زروقي تعتقد في ضوء لقاءاتها مع المسؤولين السوريين واتصالها بقيادات من المعارضة لتعذر الوصول اليهم (في الزيارة السابقة زارت حمص)، ان «عقلية الحرب موجودة والصراع باق وهناك صعوبة في اقناع المتورطين بالحرب بعدم جدواها، والمشكلة اليوم في سورية انه حتى الطرف الآخر (المعارضة المسلحة) يرتكب فظائع وهو مشتت. لم يعد هناك من هو يهتم بالسوريين ومن هو يقتلهم، المشكلة اننا في وضع خطير جداً وليس لدينا مجال لتقويم ما اذا كانت هناك رغبة أم لا في حماية المدنيين. المطلوب ان نصرّ ونضغط ولدينا امكان ايصال الامور الى مجلس الامن، صحيح اننا لا نستطيع اصدار قرار لأن ثمة من يمنع ذلك، لكن سورية تحتاج الى اعانات وتقديم خدمات لم يعد في امكانها تقديمها، لذا هي بحاجة للتعامل مع الاممالمتحدة التي عليها في المقابل إقناع سورية بأن التطرف والقتل ليسا الحل». قالت زروقي: «مشكلة النظام انه يريد التأكد من ان المساعدة تصل الى الناس وليس الى المسلحين انفسهم وهنا تكمن الصعوبة... كإيصال الادوية الى مناطق تحت سيطرة المعارضة. وصحيح ان الادوية لا تدخل في اطار العقوبات المفروضة على سورية، لكن ايصالها في ظل هذه العقوبات صعب لأنه لا يمكن تحويل الاموال من سورية الى الخارج، ثم ان الطواقم الطبية غير متوافرة وهي تغادر سورية خوفاً من الحرب او لأنها مستهدفة او لأنها قد تتعرض للقتل». من الوعود التي حصلت عليها من النظام السوري نتيجة النقاشات التي خاضتها في الايام القليلة في دمشق «اهمية ان تكون للأمم المتحدة حرية الوصول الى الناس لتقديم الدعم لهم وأن تتوافر سلامة الوصول الى اماكن القتال والعودة منها». وقالت انها ذكرتهم بأن «قانون حماية الاطفال من استخدامهم في الحروب ومعاقبته الموقعة عليه سورية يشمل الاطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و18 سنة ايضاً وبالتالي عند السماح بمرور المدنيين من اماكن القتال يجب عدم التعرض لهؤلاء الفتية لأنهم يخشون المغادرة خوفاً من القتل او الاعتقال، وبالتالي يجب على السلطات بالتنسيق مع منظمة «يونيسف» القيام بحملة تطمين لهذه الفئة العمرية بأن احداً لن يتعرض لهم. وإذا طبقوا هذا الامر فسيساعدوننا في تشجيع الطرف الآخر على عدم استخدام الاطفال وانما رعايتهم والعناية بهم واذا تحقق ذلك سيكون نجاحاً». ونقلت زروقي عن النظام السوري وعده بأن «من يريد العودة الى البلد بعدما نزح منه مرحب به». وقالت معلقة: «علينا العمل لنرى اذا كان يمكن ان نقدم الدعم لأولئك الذين يريدون العودة»، لكنها لم تذكر الى اين في ظل الدمار الهائل الذي يطاول الأحياء السكنية في المناطق التي خيضت فيها المعارك وفي ظل التغيير الديموغرافي الذي يتسرب الكلام عنه.