لن يكون مكان مهرجان بعلبك الدولي على مسماه هذه السنة، ولن تحضن «مدينة الشمس» مهرجانها السنوي. أصداء الموسيقى لن تصدح في أرجاء بعلبك القلعة الأثرية الرومانية. لا حناجر ستغني في حضرة معابد جوبيتر وباخوس وفينوس. «مدينة الشمس» ستسأل عن جمهورها وتصرخ بأعلى صوتها «وينن وينن؟». مهرجانات بعلبك الدولية، التي تنطق بالإرث الثقافي على وقع حناجر فنانين كبار، تهجر مسارحها الأثرية بحثاً عن الأمان، وهو ما حدث مرتين أثناء الحرب في عام 1975 حين توقف لمدة 22 سنة، وفي عدوان إسرائيل على لبنان عام 2006. وسيسجل تاريخ «مدينة الشمس» أنه في عام 2013 تغلب صوت المدافع والصواريخ التي تعرضت لها بعلبك ومحيطها أكثر من مرة من حدود «الجارة» اثر تداعيات الأزمة السورية الداخلية، على أصوات مريان فيثفول واليان الياس ومرسيل خليفة وفاديا طنب. لكن قرار إدارة «مهرجانات بعلبك الدولية» كان نفض الغبار عن مصنع سابق للحرير في جديدة المتن، يعود إلى القرن التاسع عشر وينتمي إلى العمارة العثمانية ويعرف ب «La Magnanerie»، ليحتضن أحداث المهرجان هذه السنة. المكان بدوره له خلفية تاريخية وثقافية ويشكل وجهاً من وجوه الهوية اللبنانية للصناعه والاقتصاد الوطنيين. والواضح أن قرار نقل مهرجان بعلبك الدولي استثنائياً كان أمراً في غاية الصعوبة فرضته أوضاع أمنية غير مستقرة في المنطقة وجوارها، ما دفع بالسوبرانو الأميركية رينيه فلمينغ إلى إلغاء حفلتها. بعد ذلك أيضاً طلب الفنان عاصي الحلاني تأجيل حفلته إلى السنة المقبلة، على أمل أن تكون الأوضاع الأمنية أفضل. عندها كثرت تساؤلات بقية الفنانين، وانتاب إدارة المهرجان خوف وقلق من أن يلغوا حفلاتهم «فكان هناك خياران، إما إلغاء المهرجان أو نقله إلى مكان آخر، فاختير أهون الشرين ونقل المهرجان إلى مكان يتناسب والأوضاع الأمنية الراهنة»، تقول رئيسة مهرجانات بعلبك الدولية السيدة نايلة دو فريج. ولما كانت عيون العالم على مهرجانات بعلبك الدولية، كانت عيون إدارة مهرجانات بعلبك على «الفنانين والجمهور الذين يؤمنون بنا وبرسالتنا ما يحملنا مسؤولية الحفاظ على أمنهم»، تقول دو فريج. لكن لماذا مصنع الحرير دون غيره؟ تجيب رئيسة المهرجانات في حديث إلى «الحياة»: «انه موقع تراثي له روح خاصة به ورسالته تشبه الرسالة الثقافية التي نقدمها في بعلبك، ونال إعجاب الفنانين المشاركين وإجماعهم. صحيح هو ليس هياكل بعلبك، إذ لا يوجد مكان في لبنان ولا في العالم يشبه معابد جوبيتر وباخوس وفينوس، فلا مجال للمقارنة حتماً، لأنها تبخس خصوصية الموقع الجديد ورمزيته». وتضيف: «لمصنع الحرير ميزته وطابعه الخاص وجماليته أيضاً، واسمه مرتبط بازدهار صناعة الحرير في لبنان، قريب من بيروت، الوصول إليه سهل من كل المناطق، وتستعد اليوم أحجارة الأثرية وقناطره التي تعود إلى القرن التاسع عشر لتحكي تاريخها للجمهور في 17 من الشهر المقبل تاريخ افتتاح المهرجان». وتذكّر دوفريج بأنها ليست المرة الأولى التي تنتقل فيها مهرجانات بعلبك الدولية إلى موقع آخر، مشيرة إلى أنه في عام 2006 عند العدوان الإسرائيلي على لبنان ألغي المهرجان ونظمت أربع حفلات لفيروز تحت شعار مهرجانات بعلبك في وسط بيروت، وقبل الحرب الأهلية التي اشتعلت في عام 1975 كان هناك مركز لمهرجانات بعلبك في بيروت بالقنطاري لتنظيم الحفلات فيه. ويشيّد المدرج في الموقع الجديد ليتسع ل 2000 شخص، والمسرح سيكون كبيراً بما يكفي ليستقبل الرقص الحديث، وسيقام مدخلان للمسرح مع موقفين يتسعان ل 700 سيارة. فضلاً عن كل ذلك ترى رئيسة المهرجانات أن «الموقع يمثل فرصة للجمهور اللبناني ليكتشف المكان الرائع الذي يتميز بنبض تراثي وروح خاصة ويقدم رسالة مهمة». ويبدو أن إدارة المهرجان لا تعول هذا الموسم على جمهور من السياح بل ينصبّ اتكالها بشكل أساسي على الجمهور المحلي والمغتربين اللبنانيين، مشيرة إلى أن الأقبال على بيع التذاكر جيد جداً حتى الآن. وتنفي دوفريج الإشاعات التي ترددت الأسبوع الماضي حول «أن حزب الله يرفض إقامة أي مهرجان في بعلبك بسبب الأوضاع وأنه ممتعض من استقدام فرق أجنبية إلى بعلبك»، مؤكدة أن الخبر عار عن الصحة. وشددت على أن نقل مهرجانات بعلبك الدولية هو «استثنائي»، وهناك «تعاون مع جميع القوى السياسية لإنجاح المهرجان، وما أشيع غير صحيح» . ولأن مصنع الحرير يمثل قيمة أثرية وتاريخية، ستحرص إدارة مهرجانات بعلبك على «استخدام تقنيات ضوئية عالية الجودة في المسرح تظهر قيمة الحجر التراثية وجمالية قناطره كخلفية». وعلى رغم أن المهرجان انتقل من بعلبك، ستكون المدينة حاضرة بالذاكرة من خلال معرض مصاحب يتضمن صوراً لأجمل حفلات الفنانين التي قدمت في مهرجانات بعلبك الدولية.