آسف أخي جمال خاشقجي، نعم أخي توفيق السيف، لن أكون طائفياً، مهما كان بعض الشيعة في العالم ضدي، ومهما أضمر بعض السنة العداء للشيعة، بالتأكيد هناك تنافر مذهبي، لكني لست لا أنا، ولا أنتم مسؤولون عنه، بل أقدارنا هي من حمل لنا إرثاً من مئات السنين. هي رسالة ثالثة أضيفها إلى رسالة كاتبينا الكبيرين اللذين طرحاها في مقالين سابقين، منفصلين، عن قضية خارجية يحاكمُ بعضُنا بعضاً من خلالها، ومن خلال تداعياتها علينا. درستُ طوال عمري في مدارسنا السعودية، قولاً عظيماً مأثوراً لعلمائنا الأجلاء، يقول عن تلك الحقبة التي ينكأ البعض جراحها، هي أمة خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، لقد كان فيه من الكفاية ما يريحني عن الخوض في مآسيها، وتحمل تبعاتها. من الممكن أن تخادع أو تحارب إيران العربَ، ومن الممكن أن يخون حزب الله اللبنانيين والسوريين، لكن ذلك لن يدفعني أبداً أن أعادي أبناء وطني الشيعة، وأن أحاسبهم عن قرارات وخيارات اتخذها غيرهم، أو أحملهم نتائج خيانات الآخرين. وبالضرورة ليس من مصلحتنا استقدام قضايا خارجية لنحاكمهم بها، ونطلب منهم في كل قضية تقديم قرابين، يؤكدون بها ولاءهم للعامة والدهماء، وليس للوطن. فالسعودية والسعوديون بكل طوائفهم في نظري تأتي أولاً، وأي شيء آخر لا يمثلها، ليس إلا ثانياً، وربما عاشراً، ولن أقبل بفسطاطي أسامة بن لادن، اللذين قسم بهما العالم إلى إما أن تكونوا معي أو أنت ضدي، هذه النظرية الحادة، والتكفيرية، أو القاعدية، لا تمثلني ولا تقنعني. كما أنني لن أتسامح مع الشيعي، أو السني، الذي يجند قضايا الخارج، ليبرر أجنداته في الداخل، أو الذي يلهب المشاعر، ليبرر عنصريته، وطائفيته تجاه الآخر. ما يقنعني، هو الإجابة عن السؤال الآتي: هل.. هو، هي، وهم، وأنا، سعوديون أم لا؟ ما يمثلني هو من يحب وطني، ولا شيء غيره بسنته، وشيعته، وإسماعيليته، وزيديته، بل بكل أطيافه وألوانه. لن أرتحل أبداً لقضايا الغير، سأتعاطف مع المظلوم، والمضطهد، والمحتل، لكن ذلك التعاطف سيبقى ضمن قدراتي، وإمكاناتي، وإمكانات وتوجهات وطني، أما خلاف ذلك فليس إلا جلباً للنار، وحرب الطوائف، التي أبادت الأنفس والدول على مر التاريخ. لن أراكما يا أخي جمال خاشقجي «السني»، ولا أنت يا أخي توفيق السيف «الشيعي»، إلا أنكما مواطنان مثلي، لكما ما لي وعليكما ما علي، متساوون أمام هويتنا ووطننا. في أميركا حيث درس واشتغل وتعلم وزار كثير من السعوديين، تقود النخب الإعلامية، والثقافية، المجتمع نحو المساواة أمام الهوية الوطنية الأميركية، واستطاعت أن تعبر بالمجتمع الأميركي واحدة من أكبر مشكلاته، وهي مأزق الفصل العنصري بين البيض والسود. اليوم لا تكاد ترى مشهداً في الإعلام الأميركي، ولا في تقاسيم الحياة، لا يوجد به أسود وأبيض في شراكة كاملة. ما نطلبه من نخبنا الثقافية، والدينية في السعودية، أن نتحول لمشهد نحن فقط، وليس نحن، وهم، وطنٌ واحد لا وطنان، أمة واحدة لا أمتان، لأن هذا الدفع نحو التحارب الطائفي لا يمكن أن يكون حلاً، مهما أقنعنا أنفسنا بعدالته، أو أسبقية العداوة. صحيح أن لا أحد يجبرك على محبة أحد، ولا طائفة معينة، ولا مذهب آخر، المطلوب فقط هو التعايش على مبدأ المواطنة، والمساواة أمام وطن واحد، وهوية واحدة. [email protected] dad6176@