عند أول اختلاف فكري، أو حتى تعارض في وجهات النظر في بلدنا، أول ما يشهر المخالفون العنصريون سلاحاً ضد مخالفيهم، ويا للأسف، هو «النسب والأصل والفصل»، وهل أنت سعودي الأصل والمنشأ أم لا؟ ولأن هذا الأمر شائك ومعقد، وأقرب ما يكون إلى حقل ألغام، قد ينفجر في وجه كل من يحاول الاقتراب منه، خصوصاً أننا جميعاً، نبني دولتنا السعودية المدنية، التي تقوم في إيمانياتها على «لا فضل لعربي على عجمي» بحسب الهدي النبوي الشريف، فلابد من تفكيك ذلك الحقل الملغم شعبياً، قبل أن يتم تفكيكه قانونياً وشرعياً، حتى لا يتحول «الفجور في الخصومة» إلى جراح غائرة تحت الجسد الوطني، قد تنفجر دمامل وصديداً في مستقبل أولادنا، لا سمح الله. وفي إيماني العميق أن «السعوديين، كل السعوديين» الذين ينطبق عليهم «سعوديون الأصل والمنشأ»، هم كل الذين كان آباؤهم وأجدادهم موجودين في المملكة العربية السعودية، وتحصلوا على الهوية السعودية وقت التوحيد، وما قبل ذلك التاريخ الذي يصادف العام 1351ه. يضاف إليهم إخوتنا وأبناء وطننا ممن استحق الجنسية السعودية في ما بعد من خلال الأنظمة المعمول بها في البلاد. ولذلك فإن أي سعودي لا يمكن له أن يعلن عن تفوقه الطبقي أو العرقي، ولا تميزه، أو تمايز أصله وفصله أمام أي سعودي آخر استحق الهوية السعودية وقت التوحيد، فكلهم بذلك المبدأ أصبحوا سعوديين «أصلاً ومنشأً»، متساوين أمام الهوية السعودية، لأن تلك الهوية هي المعادلة وميزان الاحتكام والتخاصم. ونتيجة لتساوي الجميع أمام هويتنا الوطنية «حقوقاً وواجبات»، فإن الخروج بقانون حقيقي، يلزم تساوي الجميع أمامه، ويجرم ويعاقب كل من يلجأ للتعريض بأنساب الناس أو أصولهم أو طوائفهم، ويعيب عليهم بما هو ليس عيباً، بما يؤدي للتفرقة والعنصرية، أصبح مطلباً ملحاً، يجب على مثقفينا ونخبنا الوطنية العمل على إنضاجه والدفع نحو إخراجه. وكم كنت أتمنى في كل دورة مجلس شورى أن يكون إصدار قانون الحماية من التعرض للمواطنة والقدح فيها، دينياً وطائفياً أو عرقياً، من أهم مخرجاتهم وأعمالهم التي يفاخرون بها، فهم كما نفترض ضمير الأمة السعودية ولسان حالها، وهم كما نفهم يمثلون الطيف الاجتماعي بكل تنوعاته وأطيافه، ويعون مدى أهمية هذا القانون ليحمينا أولاً من أصحاب أوهام الفضيلة والتفوق، وثانياً ليضمن لنا مستقبلاً نعيش فيه متساوين متصالحين بلا فوقية ولا مزايدات قبلية ولا حضرية ولا طائفية، وتجنبنا المنزلقات التي انجرفت إليها بعض المجتمعات، لأنها لم تعالج مشكلاتها في الوقت المناسب، أو أجلتها من دون سبب سوى المواربة والمجاملة وعدم الإحساس بخطورة المرض الذي أصابها في ضميرها وعين هويتها. [email protected] twitter | @dad6176