بين فترة وأخرى تدور بعض «الرسائل البريدية» محملة بصديد وقيح اجتماعي لا يمكن تصوره أو تخيل أن يخرج من بين يدي متعلمين قادرين على استخدام التقنية الحديثة، ما أتحدث عنه رسائل بريدية محملة بالعنصرية والطائفية، تطوف كل يوم بين ملايين العيون، ناشرة فسادها وغرورها الطائفي، في عقول البسطاء والجهلة والمسيرين. وعلى رغم تعددها، إلا أن أبرز تلك الرسائل «المتردية والمتبجحة» هي ما يمس إخوتنا الشيعة، وسأقف أمام رسالتين استوقفتاني طويلاً، الأولى رصدها «باحث مشوه النفس والعقل» عن العائلات والأسر الشيعية المنتشرة في المملكة، ويرجو من كل من تصله تلك الرسالة إيصالها بدوره لأكبر عدد ممكن من السعوديين، ليس من أجل المعرفة والرصد، ولكن من أجل إفساد العلاقة بين السعوديين. الرسالة بها عشرات الأسماء لأسر شيعية كريمة، تعيش وعاشت في مدن المملكة المختلفة، خصوصاً تلك العائلات التي تعيش في خارج الكثافات السكانية الشيعية المعروفة، منصهرة بين الناس منذ مئات السنين. تحاول تلك الرسالة البغيضة - كما في «سمها الزعاف» - التحذير من تلك الأسر، ومن الزواج والاختلاط بها، وكأنها ليست جزءاً أساسياً من النسيج الاجتماعي لهذا الكيان العظيم. فوجئت بتلك الرسالة الضاربة في الطائفية والعنصرية وهي تتحدث عن أسر عشنا معها من دون أن نسألها، أو تسألنا عن الطائفة التي ننتمي لها، ولم يكن يهمنا ولا يهمها في يوم من الأيام من نكون، فكلنا مسلمون نتعبد الله وندين بدينه وبنبيه المصطفى «صلى الله عليه وسلم». أما الرسالة الأخرى التي لا تقل فجوراً وعدوانية، وهي أحدث في ما يبدو، فهي تصور مجموعة من الفنانين الكويتيين والخليجيين، ومن ضمنهم سعوديون، تصورهم وهم في مساجدهم أو احتفالاتهم الدينية باعتبارهم شيعة يجب الحذر منهم أيضاً. هؤلاء المغفلون الذين يقضون الساعات الطويلة في البحث عن طوائف الفنانين ومرجعياتهم الدينية، هؤلاء «الآفات» يجب أن يحاكموا أولاً على تضييع وقتهم في ما لا يفيد، وفي إشغال الناس بأخبار لا تفعل شيئاً سوى زيادة الطائفية وتفكيك اللُحمة الوطنية، كما يجب أن يحاكموا على العنصرية الطائفية والعرقية التي تفرغوا لنشرها في أبناء البلد الواحد. نعود لأولئك الفنانين الذين عاشوا في نفوسنا وحياتنا طوال السنوات الماضية، وربما العقود الماضية، ربما نتفق مع ما يقدمونه، وربما كثيراً نختلف، لكن ليس من مبدأ الطائفية بل من «مكمن الأفكار» لا مكمن الانتماء الشيعي أو السني. كم أتمنى أن نصل اليوم الذي نرى بعضنا البعض بالعين نفسها، ففيهم الصالح والطالح، وفيهم الوطني وفيهم غير الوطني، وفيهم المتدين وفيهم الذي ليس له علاقة بالدين إلا ما ورثه عن آبائه. إننا في آخر الأمر سعوديون نحتكم الى هويتنا الوطنية، فأنا نصفي سني ونصفي شيعي، ليس بالاعتقاد ولكن بروح المحبة والوطنية، ونصفي حجازي ونصفي نجدي، ونصفي جنوبي ونصفي هواه شمالي. يجب أن نرسخ مبدأ مناقشة الأفكار لا مناقشة العقائد والإيمانيات، خصوصاً مع من توارثوا معتقداتهم «كابر عن كابر»، وأن نحاكم الناس على منتجها الوطني، وانتمائها وولائها، لا شخصياتها وإيمانياتها الموغلة في القدم والتجذر. [email protected]