أصبحت مفردة «البيان» لعبة حلوة يمارسها من لا يريد أن يصل صوته منفرداً ويتحمس ويتشجع وتأخذه الثقة في أن يكون مع الجماعة، لأن وقوفه منفرداً يكشف خجله ويضعه في مواجهة أسئلة ساخنة لا يملك الرد عليها، ولذا لا بد أن يكون حرفه وصوته من ضمن فريق حتى إن داهمه سؤال شخصي، فلن يعيبه أحد إن استأذن «الجماعة»، ولعل ميزة بياناتنا المحلية أنها تَضم الأصدقاء والأحباب وزملاء المهنة وجيران الحي وبعض أصدقاء الاستراحة ومن نتواصل معهم إلكترونياً، لكنا نحبهم في الله وعن بعد، وكذلك مزجها بين المشهور والمغمور والمعروف والمجهول. وآخر هذه البيانات كان بيان المثقفين السعوديين عن الأحداث الراهنة في مصر، وأكثر ما أعجبني فيه ثقة أهله، كونهم مثقفين سعوديين، ولعل عباءة الثقافة باتت عباءة محببة ومشجعة لأن يرتديها أيُّ أحد، على اعتبار أن لا معايير ولا ضوابط للارتداء، تمنيت لحظة ولادة البيان أن تقول وزارة الثقافة شيئاً ومن حق «السماوة الثقافية» على الأقل، لأن كثيراً من الجهلة والعوام يعتقدون أن الموقعين على البيان هم المتحدثون بالنيابة عن المثقفين السعوديين، إن لم يكونوا هم المثقفون وحدهم. قد تكون وزارتنا الحبيبة مشغولة الآن بالاستقالات وأزمة الأندية الأدبية والاتهامات والتشكيك في نزاهة الانتخابات، وإن كانت تسير وسط هذه الألغام بهدوء وثقة ومحاولة جهدها التثبت من كل خطوة تمضي بها إلى الأمام، لأن مع كل خطوة عمل مصحوبة بجرأة وقرار ستشتعل أوراقاً، وتكتشف صفحات وترضي عقولاً، وتغضب عقولاً أخرى. وبيان المثقفين السعوديين ذو الرقم المميز 6446 يثبت أن الثقافة قد تكون بالتواصل اللاسلكي، ويحدث أن يولد بالاسم الثلاثي، وأنها بلا أم ولا أب، وأن كثيراً من الذين لم يستطيعوا أن يكونوا شيئاً، ويحاولون أن تطل أسماؤهم عبر أي منبر، فلا عليهم إلا أن يلجؤوا إلى الفن الدعائي الجديد «البيان»، خصوصاً إن كان بلا مظلة رسمية ولا غطاء صريح واضح، نعرف من بعده ومن قبله من الذي يجمع هذا العدد المهول ولمصلحة من؟ وهل مؤسساتنا الثقافية ترحّب بهم وتعرفهم كمثقفين؟ لأن من يمثل نفسه كمثقف سعودي ويعبر به من خلال بيان لأحداث دولة مجاورة، ويحاول جمع أكبر عدد من المناصرين والموقعين، ليضع لرأيه اعتباراً شعبياً وشكلياً حتى وإن كان مضاداً لرأي العقل أو الحقيقة التي نكتشفها يوماً بعد يوم، فقد يجمع ذات العدد للوصول إلى كرسي أو مجلس أو تزعم فعل عام تحت حماية ثقافية. وقبل المغادرة، هل كان البيان الثقافي السعودي من إنتاج إخوان الداخل؟ إن كانت الإجابة بنعم، فهل وزارة الثقافة على علم بذلك، وتملك على تصحيح مؤسساتها من هذا الفريق، والوقوف بقوة أمامهم؟ وإن كانت الإجابة بلا، فهل لدى الوزارة قاعدة بيانات عن مثقفيها حتى نعرف هل هؤلاء ممثلون للثقافة أم متسلقون أم حاضرون بالاسم في المكان الخطأ؟ أسئلة مشروعة طبعاً كلها ترى في ظل أن الإجابة حتى تاريخه لا تزال عمياء! [email protected] alialqassmi@