على مر التاريخ لم تبرز وتسيطر ثقافة التسامح والتآلف إلا في أزمان الهدوء ورغد العيش، التي عادة ما تحفل بالآراء الفلسفية والجدل الكلامي المبني على علوم المنطق على مر التاريخ لم تبرز وتسيطر ثقافة التسامح والتآلف إلا في أزمان الهدوء ورغد العيش، التي عادة ما تحفل بالآراء الفلسفية والجدل الكلامي المبني على علوم المنطق، إضافة إلى تطور العلوم الطبيعية والفلك، ولذلك يشتهر العلماء والأدباء كثيرا في تلك الأزمنة، وتظهر الكتابات التي تتقمص الهم العام، وغالبا لا يظهر فيها أي نفس طائفي أو فئوي. ولكن عندما تشتد المحن على أية أمة تتبدل الكثير من السحنات والوجوه الثقافية وتسقط الكثير من نظريات الوحدة والتسامح، وتتلاشى الحواجز الفكرية بين العامل البسيط الذي ترك أمر التفكير لغيره واستظل بظل القبيلة أو الطائفة وبين المفكر أو المبدع الذي كان بالأمس يتحدث بلسان أممي وإنساني. بل إن بعض المثقفين والمفكرين والعلماء المسلمين أو غيرهم من الأمم، كان يزدري القبيلة أو الطائفة التي يصنف في إطارها. وفجأة تراه، يرتمي بكامل فكره، في أحضانهما لمجرد شعوره بخوف ما، أو لأن هذه القبيلة أو الطائفة، نادته بصوتها هي، لا بصوته الذي عرف به، فكانت استجابته أسرع مما يتخيل من يقرأ مؤلفاته السابقة. وفي عصرنا الحالي الذي تمر فيه الأمة العربية والإسلامية بعواصف فكرية واجتماعية مخيفة حقا، لم يختلف الوضع كثيرا، إن لم يكن زاد سوءا، فالصدمات والمفاجآت التي يكون أبطالها مفكرين ومثقفين ومبدعين، كنا نظنهم رموزا للوحدة، ودعاة فكر إنساني كسر القوالب الصغيرة (القبيلة والطائفة). تتوالى بشكل لا يدعو للتفاؤل كثيرا بصدق معظم من يتصدر المشهد الثقافي العربي، وقد انكشف الأمر بشكل جلي في بؤر التوتر العربية مثل العراق وإلى حد ما في اليمن. وعلى الرغم من ندرة تلك الحالة بين مثقفي ومبدعي المملكة، إلا أن الأمر ليس ناصعا تماما، فبعض من يعتبرون رموزا فكرية وثقافية، كادوا يسقطون في أول اختبار بسيط مروا به، وهو مجرد اختلاف في الرأي لا غير (فأفسدوا كل الصور الناصعة التي التقطتها العقول والعيون لهم). ولعل "تنابز" الدكتور عبدالله الغذامي مع الشاعر محمد العلي خلال الأعوام الأخيرة أقرب مثال على ذلك حتى وإن أعلنا لاحقا الصلح الشخصي بينهما، فالمسألة ليست تصالحا وقبلات باردة، إنها مؤشر على أن نداء القبيلة والطائفة، لم يزل حاضرا في عقول وآراء الكثير من المثقفين والمبدعين. وبالطبع هذا لا يعني عدم الاستفادة من اختلاف الرؤى والاتجاهات الفكرية (الدينية والاجتماعية) في تكوين منتج ثقافي وإبداعي مختلف عن السائد، ولكن المهم كيف يوظف ومتى؟. والسؤال الأهم: هل خرج المثقف والمبدع السعودي من عباءة القبيلة أو الطائفة؟. الأيام ستكشف الحقائق، ومع ذلك ما زلنا نأمل أن تكون الإجابة: نعم. حسن ال عامر صحيفة الوطن