ستظل قضية الثقافة الشغل الشاغل للنخبة المثقفة في العالم العربي ، إذ إنها القضية المحور والمنطلق الذي سيضئ الطريق أمام الصياغة الحقيقية للمشروع العربي الحلم. إن دعوة تستشرف المستقبل للثقافة العربية وتعتمد العقل العربي بمضمونه الإنساني والفكري لا تستطيع ان تغفل أهمية التقابل العضوي بين المثقف والسلطة وأيضا بين المثقف والمجتمع، وبالتالي لا تستطيع أن تعزل مستقبل الثقافة نفسه. المتغير العالمي من حولنا أكثر حركة وأكثر فاعلية، ثورة الاتصالات التي جعلت العالم قرية واحدة تحتم علينا إعادة النظر في أمور كثيرة، فالاعتراف بدور الثقافة اعتراف بالمثقف وأهميته ودوره فلا فعل دون فاعل ولا إبداع لأمة تطفئ شمعات مثقفيها أولا بأول. نحن أمة لها مرجعيتها الثقافية، لها لغتها الخاصة وتراثها المتفرد وخصوصيتها الاجتماعية التي يمكن لها أن تعضد وتسهم في ثقافة العالم. المثقف العربي لا يستند الى فراغ ولا يتجه الى فراغ لأنه محمل بإرث عظيم وتقع عليه مسؤولية الفرز والتقييم ومسئولية التوظيف والبناء فكيف يضطلع بذلك دون اعتراف به وبدوره ودونما أمن يتيح له العيش الكريم والكرامة ومساحة للقول والرأي. إن الحديث عن الأمن الثقافي ومجابهة الآخر ثقافيا عبر مشروع ثقافي عربي أمر هام وقضية تستلزم التفكير الدقيق والإعداد الجيد والحوار الذي لا يقطعه التشنج والقصور الفكري والنعرة الإقليمية القاصرة، فنحن في دائرة واحدة يتعامل معنا الغرب ككل، ولا أحد يستطيع أن يجعلنا خارج لعبة الثقافة العالمية والنظام العالمي قديمه وجديده، لنا ثقافتنا ولنا ابداعنا ومفكرونا، لكن هل هذا يكفي لنتبوأ مكانا في العالم الجديد ويكون لنا دور فاعل؟ الإجابة واضحة ومتفق عليها. لدينا مؤسسات ثقافية حاضرة في الرسميات، لكنها غائبة الفاعلية والدور ، كان يمكن لها أن تشكل نواة لنظام ثقافي عربي، لكنها أضحت شكلا جماليا قاصرا ومتجاهلا القاعدة العريضة صاحبة الحق والمعنية بالخطاب الثقافي. إن مستقبل الثقافة العربية مسألة هامة وضرورية وصعبة وتتطلب الإجابة عن أسئلة كثيرة لعل أهمها : من هو المثقف المنوط بحمل رسالة الثقافة؟ وما المساحة المتاحة للتعبير ؟ إن الإجابة على هذه الأسئلة تستوجب بالتأكيد تعريف الثقافة العربية والإجابة عن أسئلتها الراهنة واستقراء ملامح المستقبل دونما تجاهل للعالم المحيط بنا، فكيف لنا أن نجابه دون ان تكون لدينا القدرة على المجابهة ودون إكتمال البناء الداخلي لثقافتنا حتى يصمد ونحن نرى الجديد في تفجير الصراعات في العالم والمواجهة بين القوميات والعرقيات. تلك ملامح أولية لا تجيب ولا تطرح الحلول ولا تطمح سوى الى طرح الأسئلة والثقافة تبدأ بالسؤال.