تتميز أعمال الروائية المصرية هالة البدري، بكسر القواعد المعروفة والإبحار نحو شكل سردي خاص بها عبر لغة تتراوح ما بين المُعاش والتخيلي. «امرأة ما»، «مطر على بغداد». هنا حوار معها: هل هناك أدب نسوي، أم أنكِ ضد هذا المصطلح؟ - أنا مع مصطلح كتابة المرأة. الإبداع لا يقبل التصنيف سواء أكان كاتبه رجلاً أم امرأة، فلا يوجد شيء اسمه الكتابة النسائية، أو النسوية، وأنا لا أكتب في شكل خاص عن المرأة، وفي روايتي «مطر على بغداد» كانت هناك مفاجأة عندما أتيت بشخصية مثقفة تعمل صحافية وهي أيضاً أم ناجحة، لكسر الاعتقاد بأن المرأة المثقفة العاملة لا تهتم بالأسرة أو لا تهتم بالأمومة، وقال البعض عنها إنها نسوية تماماً، ولكن لا يعني هذا القول عن الرواية ككل إنها ضمن الأدب النسوي. اعتقد أن هذا التصنيف هو مثل تصنيف الأجيال الذي كان ولا يزال مرض الثقافة المصرية. ماذا تعني الكتابة بالنسبة إليك؟ - الإبداع عندي هو معرفة نفسي والعالم المحيط بي، بمعنى آخر هو الرصد وإعادة الرصد معاً. والكتابة هي شيء في داخلي ومحاولة إخراجه تمثل سعادة مطلقة لي. الكتابة متعة مطلقة أيضاً على رغم عذاباتها. ويبدو أن المتعة والعذاب هما مسألتان موجودتان في الطبيعة البشرية، وأعتقد أنه جزء من الكون أن تكون المتعة مرهونة بألمها، وبالنسبة إلي الكتابة هي المنافس الوحيد للحب المتحقق والمنتشي بين رجل وامرأة، والكتابة في ما أظن تعلو فوق الحب، والإبداع عموماً هو ما يعطي حياتي معاني سامية، وحالات الكتابة عندي ترتبط بالعزلة نتيجة تماهي العلاقة بيني وبين شخوص أعمالي الى حد يكاد يفصلني عما يدور حولي من أحداث. لا أكتب عن شخصية من دون معرفة أدق تفاصيلها أولاً، فالشخصية الروائية تنبع من نقطة ضوء لتتحول بعد هذا إلى لحم ودم. ولكن ماذا عن الحذف والإضافة داخل العمل الإبداعي عندك ونحن نعلم أن غالبية أعمالك كُتبت في فترات زمنية طويلة؟ - هذا بالضبط يمثل المشكلة الأكبر عندي، وأعتقد لأنني أنهي عملي في فترات زمنية طويلة أجدني أحذف وأضيف داخل النص بما يتوافق مع رؤيتي النهائية وقناعتي بالعمل، ولكن من دون المساس بمسار الشخصية درامياً في الأساس. ذلك يجرنا إلى شخصية «أنهار» في «مطر على بغداد»، كيف بدأت علاقتك بها وكيف انتهت؟ - الرواية كُتبتْ في فترة زمنية طويلة نسبياً، إضافة إلى أنها كانت أكبر مما خرجت عليه من حيث الحجم، لدرجة أنني وقعت في مشكلة السيطرة على عالمها، وبعد صدورها قلت لنفسي لماذا لم أخرج هذا الجو وهذه الرواية في أكثر من عمل؟ شخصية «أنهار» فتنتني أثناء الكتابة المدهشة لرغبتي في تقديم نموذج للمرأة العراقية، وهنا بدأت العلاقة معها، إلا أنها كانت تفاجئني طوال الكتابة، بتطورها إلى أن صارت نموذجاً لإمرأة تكمن قوتها داخلها، وهذا هو حالي شخصياً. كثيرون حاولوا الربط ما بين شخصية نورا في «مطر على بغداد» وبين سيرتك الذاتية ولم يتحدث أحد عن ذلك التشابه مع «أنهار» مثلاً، كيف ترين ذلك؟ - أنا تسببت في ذلك الربط، عندما قلت لبعض وسائل الإعلام إنني أعطيت «نورا» خبرتي الصحافية، ولكن «نورا» بعيدة كل البعد عن شخصيتي. هذا الربط لا يهمني، لأنني لو أردت لكتبت يوميات هالة البدري، وأعتقد أن من آمن بهذا الربط لم يقرأ العمل بعقلية نقدية جادة. هل يعني هذا عدم رضاك عن حال النقد الأدبي عموماً؟ - نجيب محفوظ أجاب عن هذا، فهو كتب الكثير من الروايات والقصص ولا يمكن في أي حال من الأحوال حصر هذا الأديب الكبير في شخصية واحدة من مئات الشخصيات التي أبدعها. قلت من قبل إنني ضنينة في الكتابة عني داخل روايتي، أو عن مقربين لي، والسبب أخلاقي، فقد أظلم نفسي أو غيري من دون وعي، ولكن من الممكن أن آخذ جملة من شخصية أعرفها ثم أبني عليها عملاً روائياً. النقد بالفعل في مأزق، ليس بسبب قلة النقاد، بل بسبب غياب المساحات التي تتيح لهم الكتابة، فنحن لا نملك مثلاً مجلة أدبية نقدية في الأساس، وأيضاً انتشار النقد الأدبي الصحافي أضر بالعملية النقدية عموماً. الحضور الإبداعي العربي غائب عالمياً، لماذا؟ - أستطيع أن أقول إن المشكلة تنحصر في من يقدم المنتج الإبداعي العربي إلى الغرب، فإذا قدمت لهم عملاً ضعيفاً، سيحكمون علينا بضعف مستوى الإبداع، وتلك مسألة معقّدة لا أريد الخوض فيها أكثر. هل تتعمدين بلورة أعمالك الإبداعية وفق تصور مسبق؟ - العمل الأدبي يولد بروحه وشكله غالباً، وأحياناً يحدث التدخل واختيار اللغة والشكل، وهذا حدث في «مطر على بغداد». في رواية أخرى، اضطررت أن أضيف قاموساً يشمل الجغرافيا والطقس وأسماء الشهور والمصطلحات التي تخص الريف المصري. فعلت هذا لأنني أردت أن تخرج روايتي من طين الأرض، والمغامرة في هذا كانت رائعة بالنسبة إلي. الكتابة عموماً هي خليط من الموهبة والخبرة. كيف ترين المشهد المصري ثقافياً وسياسياً الآن؟ - المشهد معقد جداً. لا شك في أننا قمنا بثورة عظيمة، لكن من وصلوا إلى حُكم البلد أخيراً يرغبون في الدخول بها وبنا في نفق مظلم. عموماً لا ينبغي للمرء أن ييأس، فأهداف الثورة لا يمكن أن تتحقق في يوم وليلة. ستتحقق مطالب الثورة بلا شك، والتخبط السياسي الحالي ليس إلا موجة من موجات الثورة، فنحن ما زلنا في مرحلة لفظ كل ما يعوق تحقيق الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية. أنا شخصياً أفضّل تأمل ما يحدث، فملامحه لم تتبلور بعد في شكل يتيح لي الخوض في تجربة إبداعية. وعموماً الأدب نفسه في ثورة لا تنقطع، لأننا نكتب عن الحرية مثلاً، ولكن لا يجب ربط الحرية بتواريخ محددة وأحداث بعينها، أو أن يخرج علينا من يقول، عبر عمل أدبي، إنه تنبأ بالثورة، فهذا عبث بالطبع.