سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الأديب خالد الرفاعي في حوار صريح ( لعاجل ) : رواية بنات الرياض ضمن الروايات الإسلامية .... وعدد غير قليل من نقادنا يمارس الطبطبة لكي يبقى حياً في الساحة
الرواية النسائية والحركة الروائية ... س/ نعيش اليوم زمن الفيضان الروائي , فهل هذا يعني أننا في زمن الحديث عن الرواية النسائية واحتلالها لواجهة الحركة الروائية في السعودية ... ؟ ج/ نحن مصابون بداء التحقيب، ومن مظاهر هذا الداء قولنا بالزمنية: زمن الشعر / زمن الرواية / زمن الفيضان الروائي ،وما إلى ذلك... والصحيح أنّ الزمن الذي نصرُّ على تضييقه يتسع للأجناس، والأنواع، والأشكال، كلِّها، وهذا لا يعني نفي اتساع جنسٍ على حساب آخر، أو شكل على حساب آخر، ولكنه في الأحوال كلها اتساع أوانقباض لا يعادل الزمنية أو ضديدها ... من المؤكد أنّ الرواية أقدر على التعبير عن المجتمع المدني بمسؤولياته وتعقيداته؛ ولأجل ذلك كانت الأكثرَ اتساعاً في زمن المدينة، والأكثر اتساعاً في زمن الانتقال إلى (المدنية) . س/ قدمتم رسالة ماجستير تحت عنوان: " الرواية النسائية السعودية دراسة تحليلية" من خلال رسالتكم نريد إعطاءنا نبذة مختصرة عن الرواية النسائية السعودية منذ نشأتها إلى وقتنا الحاضر ... ج/ بدأت الرواية النسائية السعودية عام 1958 برواية (ودعت آمالي) ل (سميرة خاشقجي) واستمرت بعد ذلك في تصاعد كمي وكيفي لم يتخلله تعثر أو نزول البتة، ومن خلال قراءة في هذا الركام الذي يتجاوز مئة وعشرين رواية أرى أنّ هناك أربعة مفاصل مهمة في رواية المرأة السعودية، هي : - مفصل الريادة تمثله (سميرة خاشقجي) بروايتها (ودعت آمالي) 1958م . - مفصل التأسيس تمثله (هدى الرشيد) بروايتها (غدا سيكون الخميس) 1976م . - مفصل الازدهار تمثله (ليلى الجهني) بروايتها (الفردوس اليباب) 1988م . - مفصل الانتشار تمثله (رجاء الصانع) بروايتها (بنات الرياض) 2005م . ويمكن أنْ نقول إنّ هناك ثراء تاريخياً وموضوعياً يقابله فقر فني كبير . س/ شهد ملتقى الرواية العربية الذي عقد في دمشق في جلساته المتعددة المخصصة " للغة الروائية وتحولاتها " أن الرواية النسائية " ليس فيها إلا الجسد والهروب من المواجهة " وأكدوا على ذلك ... فما رأيكم في هذا ...؟ ج/ يرى غير واحد من النقاد أنّ النصَّ لا يكون نسوياً إلا إذا اشتمل على ثلاثة : الاحتفال بالجسد، والثورة على الأبوية، وتقديم رؤية أنثوية لا مؤنثة، وبالاعتماد على هذا الرأي يتمُّ تسليط الضوء على هذه الأبعاد ..، والصحيح أنّ جميع القراءات القائلة بهذا الرأي تتصف بالانطباعية، وبعض أصحابها لا ينطوون على أدوات تمكِّنهم من البحث الرصين في هذا الاتجاه . ثمة بحث صغير في هذا السياق سأنشره قريباً تحت عنوان (هوامش على نسوية عبد الله إبراهيم). س/ برأيكم ماذا يحدث في الحركة الروائية النسائية... ؟! وما هي الأسباب الدافعة إلى جرأة بعض الكاتبات السعوديات في الدخول إلى عالم " الرواية " أهو الجهل بشروط الرواية وأسسها الفنية ...؟! أم سهولة الاحتفاء والاحتفال بهذه الأقلام ...؟! ج/ عندما يكون الحديث عن الرواية النسائية في السعودية فالأسباب في جملتها لا علاقة لها بالفن، كل ما في الأمر أن الباب أضحى مفتوحا للجميع فدخل الجميع، الظرف السياسي: (أحداث الحادي عشر من سبتمبر)/ الاحتفاء الغربي بالمرأة الخليجية – والسعودية تحديداً -/ الاحتفاء الإعلامي بالمرأة – وخاصة الجريئة في طرحها - / الإقبال الجماهيري على قراءة الإبداع الروائي النسائي - وهو إقبال طبيعي ناتج عن الاهتمام الإعلامي غير العادي - / التفاعل الدور نشري – وهو أيضاً ناتج عن الاهتمام القرائي - ... كلها تضافرت لتجعل الطريق مفتوحاً للمرأة، والمرأة الروائية أفادت كثيراً من هذه الطريق. س/ نريد منكم كشف القيمة الحقيقية لهذه الروايات النسائية السعودية التي اشتهرت بجرأتها الصادمة للمجتمع ولأفراده ... ج/ للقيمة التي تسألين عنها مجالات متعددة، وهي متغيرة بتغير المجال، ففي المجال التاريخي نجد للرواية النسائية السعودية قيمة عالية وكبيرة، وقراءة مفصل (الريادة) تكفي للتدليل على ذلك، وفي مجالي الموضوعات والقضايا نجد ثراء مماثلا للرواية النسائية السعودية يتجلى بعضه في تعدد الموضوعات والقضايا، والتجديد في بناء هياكلها، وأما في مجال الفنيات فا لأمر يغدو مختلفاً، حيث نجد أنفسنا أمام أزمة مستعصية، حيث إن عدداً كبيراً من هذه الأعمال الروائية النسائية لا يندرج تحت مصطلح الرواية الفنية، وإن استظهرنا غاية الاستظهار قلنا: إن بعض هذا العدد لا يدخل في باب الرواية أصلاً . س/ ما أبرز ما يميز الرواية النسائية المحلية التي اكتسحت دور النشر العربية...؟ ج/ أبرز ما يميزها اهتمامها بالمرأة، وتأنيث الشخصية الرئيسة (أو ما يسمى بالبطولة في أدبيات النقد الكلاسيكي)، وتمحورها حول العلاقة بالرجل، وجرأتها في نقد المجتمع، وانفعالها، وضيق طاقتها الإبداعية، واحتفالها بالزمن الماضي، ورفضها الواقع الذي تعيشه، وتطلُّعها إلى مكان حالم، تصبح فيه المرأة مدار الذوات والمعاني والأشياء . الرواية النسائية السعودية والنقاد ... س/ نرى اليوم تطبيلاً من قبل النقاد للكاتبات وبالتحديد الشابات وتمجيدهن رغم ضحالة رواياتهنّ ... فالكلُّ يعترف بأنّ النقد لدينا يجامل من لا يستحق على حساب المستحق ؛ نريد أنْ نعرف ما هي الدوافع من وراء هذا التحيز ...؟ ج/ أولا يجب أن نعرف أن لكل ناقد يحترم نفسه منهجاً معيناً أو منهجية محددة، ووصفنا له بالتطبيل دون وعي خطأ محض، الغذامي – مثلاً – حين كتب عن (بنات الرياض) استغرب الكثيرون ذلك، وتساءلوا كيف يقدم الغذامي – وهو من هو - على دراسة رواية ضعيفة فنياً كهذه، ولو أنهم علموا أن الغذامي دخل (بنات الرياض) من باب النقد الثقافي لانطفأت جمرة الغرابة وانطفأوا . ثمة نقاد يجيدون الطبطبة – كما تقول سالمة الموشي – وهم موجودون منذ القدم، وعدد غير قليل من نقادنا يمارس الطبطبة لكي يبقى حياً في الساحة، لكن هذه الطبطبة ليست خاصة بالرواية دون غيرها من أجناس الأدب، وليست خاصة بالإبداع النسائي دون الإبداع الرجالي . س / ما هي أبرز الأخطاء التي يقع فيها النقاد من وجهة نظركم عند تناولهم للرواية النسائية ...؟ ج/ الأخطاء كثيرة ولعلّ من أبرزها تعاطيهم مع رؤية الرواية، واتكاءهم على انتمائها الفكري، فالناقد الإسلامي يدور على هذه الرواية لكونها محافظة، أو ملتزمة، والناقد الليبيرالي يدور على رواية أخرى لكونها استطاعت كسر الحواجز، وقفز الحدود، ومساءلة المجتمع، وكشف حقائقه، وما إلى ذلك، وفيما بين هؤلاء وأولئك ضاع الفنّ، واستطاع كلُّ أحد أن يكون روائياً بمجرد انتمائه إلى أحد هذين الطرفين . س/ هل هناك نقد حقيقي وفعّال للرقي بالرواية النسائية بعيداً عن النقد الصحفي...؟! ج/ نعم، هناك رسائل علمية تحترم نفسها، استطاعت أن تتناول الرواية النسائية السعودية بمناهج محددة، أو منهجيات جيّدة، وأكبر ما يثير في هذا السياق تشابه نتائج هذه الدراسات - رغم تباين صيغها البنائية -. وهي بالمناسبة لرجال ونساء، وهذا يقطع الطريق على من يتهم نتائجها الصادمة بالذكورية . س/ الروائيات السعوديات والنقاد من منهما صنع الآخر ؟ ج/ لا أستطيع القول إن أحدهما كان صانعاً والآخر كان مصنوعاً، لكنني أقول بكل ثقة إن كل طرف منهما أفاد من الآخر بشكل من الأشكال، ومدار الإفادة هنا على البنية الفكرية أكثر من غيرها . الرواية النسائية والضعف الروائي ... س/ وصفتم الروايات النسائية بالضعيفة بنسبة 75 % , فما هي أبرز الأسباب وراء هذا الضعف ؟ هذه النتيجة الرقمية قابلة للاتساع والضيق تبعا لاتساع مادة الدراسة وضيقها، ألقيت في ملتقى الباحة العام الماضي ورقة بعنوان (أزمة الشكل في الرواية النسائية السعودية) اعتمدت فيها على خمسين رواية، وانتهيت منها إلى هذه النتيجة. اللغة كانت مجال الدراسة، فأنا أرى أن اللغة هي أساس العمل الأدبي بشكل عام، وأساس الأساس في العمل الروائي، ومتى سقطت لغة الرواية فكل شيء فيها يسقط، وباعتمادي على دراسة اللغة انتهيت إلى هذه النتيجة الصادمة . وعلى أية حال فالورقة انتهت إلى نتائج متعددة، وأعادت أسباب هذا الضعف إلى ضعف التجربة لدى الروائية السعودية، وانفعاليتها، واضطراب أساسها الفكري، واتخاذها الجنس الروائي لغايات تنتمي إلى أجناس كتابية أخرى . س/ بشكل عام هل الرواية السعودية النسائية مازالت تعاني من النقص ؟ ج/ نعم، النقص هو الأصل في الرواية النسائية السعودية، وما تلك الأسماء الروائية المهمة والفاعلة إلا استثناءات تؤكد القاعدة العامة ولا تنفيها، لدينا : (أمل الفاران)/ و(رجاء عالم) - في روايتين فقط-/ و(ليلى الجهني)/ و(صبا الحرز)/ و(أميمة الخميس) / و(خلود السيوطي) / و(نورة الغامدي / وأخريات، يمتلكن القدرة على تأسيس صوت جديد ينقل رواية المرأة السعودية من التسجيلية إلى التخييلية، ومن التقريرية إلى التصويرية، ومن الوصفية إلى التحليلية . علينا جميعا – بوصفنا قراء – أن ندعم هذه الأصوات الجميلة، وأن نتعامل مع الأصوات الضعيفة بأخلاقيات الناقد الجاد، بحيث يكون حكمنا على النصِّ لا على الناصّ . رواية "بنات الرياض" وتصنيفها الأدبي ... س/ صنفتم في نادي الرياض الأدبي رواية : "بنات الرياض " - من وجهة نظركم - بأنها تدخل ضمن الروايات الإسلامية مما أثار استغراب الحضور ... بودنا لو وضحتم لنا حقيقة ذالك التصنيف وبيانه ... ج/ لا أظنُّ المساحة المحددة لهذا السؤال كافية لإجابة مقنعة، لكن بإيجاز شديد، ترتبط الإسلامية عندي بالرؤية التي تطرحها الرواية – أي الرسالة – فثمة روايات تحتمل شيئاً من الجرأة في لغتها، وأحداثها، وأقوال شخصياتها، وأحوالها، لكنها في المنتهى تنتصر لرؤية تتناسب مع القيم الإسلامية...، هنا لا نستطيع إلا أنْ نصفها بأنها رواية إسلامية. رواية (بنات الرياض) من هذا القبيل، فالرواية (تكرس) في الأخير قيم المجتمع الإسلامي المحافظ، فكيف أخرجها من دائرة الإسلامية ؟ لا أجد مسوغاً لهذا الإخراج إلا إذا كنا نكفِّر بالكبيرة !! هل يخرج الإنسان من الإسلام إذا سرق أو كذب أو قتل ؟ حتما لا – ما لم يستحلّ - ! إذن لا أستطيع إخراج الرواية من دائرة الإسلامية لأنّ شخصية من شخصياتها سرقت، أو كذبت ، أو قتلت . الرواية مثل الإنسان تماما قد تقترف في رحلتها شيئاً من الموبقات لكنّ الأعمال بالخواتيم. ومن الممكن أن يتابع القارئ تفصيل هذا الرأي في الفصل الأول من كتابي المتواضع. الروائيات والأدب الروائي ... س/ هل ترون أن الكاتبة السعودية نجحت في تصوير حقيقة المرأة في مجتمعها ورسم علاقتها بمجتمعها وإبراز المشكلات المحيطة بها ...؟ ج/ من الخطأ أن يظنّ قارئ ما أنّ الرواية تصور المجتمع أو تسجله أو تعكسه، الرواية ما هي إلا رؤية تجاه هذا المجتمع، ولذلك تتعدد صورة المجتمع السعودي بتعدد الروايات، لأن كل رواية تنظر إلى المجتمع من خلال رؤية خاصة بالكاتبة . لكننا نستطيع القول بأنّ الروائية السعودية قد نجحت في تحويل المرأة السعودية إلى قضية إبداعية خطيرة ومهمة، ونجحت كذلك في مشاغبة وإرباك كثير من الأنساق المتجذرة في الخطاب الثقافي العام . س/ الروائيات يسرن على نمط موضوعي واحد في كتاباتهن ونلحظ في أقلامهن الضعف في الطاقة الإبداعية فما هي الأسباب من وجهة نظركم ...؟! ج/ هذا مجال دراسة واسع، أشتغل عليه الآن بخطاب إشكالي لا حلولي . س/ أطلق الغرب عبارة " الأدب النسوي " فهل ترى أنه تهميش لإبداع المرأة كما يزعم البعض ؟ ج/ لا، الأمر على النقيض، فالأدب النسوي يسلط الضوء أكثر وأكثر على الإبداع النسائي، ويجعله أكثر تعرضاً للنقد، وأكثر قرباً من القارئ . س/ كيف يمكننا أن نحدّد ملامح الأدب النسائي ؟ وكيف يمكن أن نعرّفه ...؟ وهل هناك فرق بينه وبين الأدب الذكوري ؟ ج/ أولاً لم يكن هذا السؤال يشغلني أثناء إعداد الدراسة، لأنه سؤال خطير لا يمكن أن نبدأ به في ظل غياب دراسة عن (النسائية)، أو في ظل غياب البينات والمواد التي تساعدنا على معرفة ما يمتاز به نصُّ المرأة عن نصِّ الرجل . وهنا أريد أنْ أؤكد شيئين مهمين، أولهما: أنّ النسائية معيار يؤثر في النقد وليس له انعكاس على الإبداع، وثانيها: أنّ إثبات الخصوصية يحتاج إلى عمق قرائي غير عادي وهو ما لا يتصف به كثير من الذين ينفون هذه الخصوصية. وغاية القول في هذه المسألة أنه إذا كان الحديث عن (النسائي) فلا يجوز السؤال عن الفروق؛ لأن (النسائية) معيار يتوجه إلى جنس المبدع لا الإبداع، وأما إذا كان الحديث عن (النسوية) فهنا يمكن أنْ نتحصّل على عدد من الخصائص الأسلوبية العامة، نفرق بها بين إبداع الرجل وإبداع المرأة، وهي فروق متطورة، تختلف من جنس إلى آخر، ومن زمن إلى آخر، ومن إقليم إلى آخر .