انجز الفنان السوري نضال سيجري في رحيله ما عجز عن تحقيقه في حياته خلال السنتين الماضيتين، وجمع السوريين على «صفحة واحدة» بعد وصول الاستقطاب السياسي الى فج عميق أطفئت انواره وزالت خيوط الضوء من اواخره. وما ان تسرب نبأ رحيل سيجري بين شقوق انشغال السوريين بالآلام ومشاهد الدم والخراب، حتى سارع الى نعيه كثيرون، من موالين ومعارضين، من الساحل والداخل، من «الوطن الام» و «فندق الاغتراب». ولم يسعَ اي «طرف» الى شد سيجري الى معقله السياسي، بل جاء مشيعوه على صفحات «فايسبوك» اليه وساحته في الحديث عن الجامع بين السوريين. وكان سيجري بادر منذ بداية الحركة الاحتجاجية في مطلع العام 2011 الى نقل مطالب المتظاهرين الى الحكومة السورية. وتعالى عن معاناته مع مرض السرطان، ليقدم مبادرات ميدانية لها علاقة بحياة الناس. غلًف حنجرته بشال سميك وراح يجول بين الشوارع والمكاتب بحثا عن نقطة تواصل، كأنه «اسعد» الذي عُرف بقلبه الطيب في اشهر مسلسلاته «ضيعة ضايعة». وكتب ذات يوم: «وطني مجروح وأنا أنزف. خانتني حنجرتي فاقتلعتها. أرجوكم لا تخونوا وطنكم». الصمت الذي فرضه ذاك المرض العضال على حنجرته، قُوبل ب «صمت قاتل». لم يسمع كثيرون «الرجاء» الذي اطلقه. ولم يلتفتوا الى «جرح الوطن»، الى ان قرر ان يعود قبل ايام من لبنان الى اللاذقية في غرب البلاد، ليرحل بصمت ويمضي في مكان ليس بعيدا من «معلمه» سعد الله ونوس في ريف طرطوس. اتفقا في المسرح وفي مقاومة السرطان العام والخاص وبدآ «رحلة في مجاهل موت عابر». ألف السوريون الموت في الشهور ال27 الاخيرة. وتعايشوا مع الغياب المفاجئ والاستثنائي. لكن رحيل «ابو ويليام» المتوقع بحكم مرضه، كان جرس انذار للبحث عن المشترك. وعلق المخرج هيثم حقي ان «تشارلي شابلن السوري» رحل بطريقته الخاصة و»ناشد الجميع من أجل سورية لوقف القتل. بدا في لحظات طوباوياً وفي لحظات يائساً، وأحياناً مفرطاً في التفاؤل أو التشاؤم. لكنه دائماً كان مخلصاً لسورية وشعبها الذي تبادل معه حباً كبيراً»، فيما «ودع» الكاتب وائل السواح الراحل بالقول: «لم يعد لدي الكثير من الدموع». وكان الراحل تخرج من «المعهد العالي للفنون المسرحية» العام 1991 وأدى ادواراً في الكثير من المسلسلات بينها ثلاثية «الحصرم الشامي» للكاتب فؤاد حميرة وحلقات «بقعة ضوء» الساخرة. لكنه اشتهر بدور «أسعد» في «ضيعة ضايعة» لكاتبه ممدوح حمادة الذي كان بين آخر من تواصل معه طالبا منه ان «يرسل قبلة الى الشام». وكتب الكاتب حسان عباس ان الراحل كان مقتنعا بأن المشروع الثقافي «سيعيد الحياة إلى الثقافة في سورية». ونقل عنه في اللقاء الاخير بينهما: «ايدي في يدك لنعيد بناء بلدنا معا»، وقال انهما «سيحتفلان بعودة الحياة». في المقابل، كتب المخرج جود سعيد: «فرقتنا الحياة ونبضها فليلمّنا موت نضال وصمته»، متمنياً ان يكون رحيله يوماً من دون «تخوين» ومن دون «تحريض». فيما ذكًر الكاتب نبيل صالح بصرخته السابقة من «حنجرة نضال» بقوله: «كلما سقطت دمعة أو انفطر فؤاد، كلما أُسقط حجر عن حجر أو أُحرِق مجمع حكومي، كلما اعتُقِل مواطن أو استشهد جندي وقطعت أوصال شرطي، كلما تكلم شاهد عيان أو صرَّح ناطق رسمي، كلما بُثَّ مقطع فيديو أو ذُكرت طائفة، هرب من بلدي الأمان وتزحلق مستقبله وجفت ليرته ويبس فقراؤه... في زحمة الموت السوري يجد نضال مكانا له بين الناس الطيبين، هل ارتحت الآن يا صاحبي، إذ لا راحة لمؤمن بين قومه؟».