شهدت ساحة الدراما الكوميدية في سورية الفترة الأخيرة تراجعاً واضحاً في عدد أعمالها، فقلّت نسبتها مقارنة بأنواع الدراما المختلفة المزدهرة بعد ظهور الفضائيات، وكان سابقاً قد اعتاد الجمهور على فنانين متخصصين بالكوميديا قدموا أعمالاً هامة، مثل أعمال حكمت محسن وفرقته وعبداللطيف فتحي ونهاد قلعي ودريد لحام وياسر العظمة، وفي الفترات اللاحقة كانت تظهر على الساحة بعض الأعمال الكوميدية الجيدة والهادفة، لكنها بدأت تقل، لنجد العام الماضي وضمن مهرجان الدراما الرمضاني أنه لم تظهر أعمالاً كوميدية، حتى التي اعتاد الجمهور عليها كل عام، مثل مسلسل «مرايا» لفنان ياسر العظمة، فمنذ أربع عوام لم يتم إنتاجه. كذلك اختفت بقعة ضوء بينما معظم الأعمال التي عُرضت تركز العمل على إنتاجها أخذت الطابع الاجتماعي والشعبي، إلا أن أحد الأعمال الكوميدية وهو «ضيعة ضايعة» الذي أُنتج منذ أكثر من عام، أُعتبر من المسلسلات الكوميدية الناجحة جداً، ولقد حظي بنسبة كبيرة من المشاهدة، وهذا ما دعا بالشركة المنتجة للمسلسل لتقديم جزء ثاني منه، وقد انتهت أعمال التصوير فيه منذ فترة قريبة. ولكن رغم النجاح الذي حققه هذا المسلسل، اعتبره البعض أنه مسلسل فاشل وخالي من المضمون، فهل هذا حقيقي وأن المسلسل فاشل والكوميديا فيه كوميديا سيئة رغم أنه حظي بأهم نسبة من المشاهدة؟. كيف نجح؟ الفنان «زهير عبدالكريم» كان ممن وقفوا ضد هذا العمل، وقد شُنّ عليه هجوماً كبيراً في أحد الندوات التي تتحدث عن الكوميديا، فقد تحدث عن «ضيعة ضايعة» وأوجز اعتراضه على العمل بقوله: إنه عمل مليء بالشتائم والإشارات والكلام البذيء، وأنا استغرب كيف نجح جماهيرياً، وبرأيي إن الجمهور في هكذا حال ليس مقياساً دقيقاً، لأن الجمهور يتابع مسلسل «باب الحارة» منذ خمس سنوات ليكون المسلسل المشاهَد رقم واحد، وهو عمل ظهرت فيه المرأة مهانة، وليس برائع بمقاييسه ليحقق هذا النجاح غير المفهوم، إلا أن جمهوره يضم جيلاً تائهاً، ليست لديه ثقافة، وهو جيل بحاجة لأن يوجَّه. وأضاف «عبدالكريم»: الكوميديا يجب أن تكون ناقدة ومشيرة إلى الفساد والضعف في المجتمع، وهي موقف من الحياة وقراءة ما بين السطور، وليس المهم فيها الضحك من أجل الضحك، وهنا أشير لأمثلة عديدة لبعض الأعمال الكوميدية التي أراها تصب في ما يسمى كوميديا الموقف ك «يوميات مدير عام» و»مبروك»، وهناك فنانين أثّروا في حياتنا الكوميدية كدريد لحام ونهاد قلعي وعمر حجو ومهّدوا الطريق للكوميديا السورية. الكوميديا والتراجيديا الفنان «نضال سيجري» أحد أبطال مسلسل «ضيعة ضايعة» تحدث عن العمل مدافعاً عنه فقال: فكرة المشروع كانت موجودة منذ خمس سنوات عند باسم ياخور والمخرج الليث حجو والكاتب الدكتور ممدوح حمادة ومعي، وكان الهدف من المشروع تقديم عمل بسيط قريب من المواطن العربي وليس السوري فقط، يحمل في طياته الكثير من الإشكاليات والوجع ولكن ليس بشكل تراجيديا، بل بصياغة قريبة من الشارع السوري، ولكن المشروع بقي متوقفاً، وقد حاول عدد من مدراء محطة أبو ظبي إقناعنا بأن تقوم المحطة بإنتاج العمل بأجور مضاعفة، ولكن رفضت إلى أن غامرت فيه شركة سامة بعد رفض الكثير من الشركات، وقد لاقى العمل حباً من الجمهور دفعنا إلى تقديم الجزء الثاني منه، ولكن أنا أعلن أنه لن يكون هناك جزءاً ثالثاً قادماً، لأن جمهورنا مازال لا يملك ثقافة الأجزاء. وأضاف «سيجري»: أنا لا أقول عن العمل أنه متكامل فلا كمال في أي عمل، وأرى أن النجاح الذي حققه هذا العمل لا يعني خلوّه من بعض الثغرات.. وطبعاً النجاح الكبير الذي حققه الجزء الأول من مسلسل «ضيعة ضايعة» كما ذكرت وإصرار الجمهور هو الذي أجبرنا على أن يكون له جزء ثانٍ، خاصة أن فكرة الجزء الثاني لم تكن مطروحة نهائياً، بل كانت مرفوضة من قبل جميع الأطراف التي ساهمت في إنجاز الجزء الأول. وعن شخصية «أسعد» التي جسّدها في هذا العمل يقول «نضال»: إنها شخصية تشبه أي مواطن عربي مليء بالانتكاسات.. وتقديمي للكوميديا هو لأنها جزء صغير من حياة الممثل الذي يقدم الكوميديا والتراجيديا من منطلق الهوى الذي يجب أن يتجلى أمام الكاميرا، ليبقى الممثل ابن اللحظة العفوية التي يتقصدها، وأنا أؤكد على أهمية الضحك في حياتنا، وأرى أنه من الجميل أن يُتهم أحد ما بإضحاك الآخرين ورسم ابتسامة على وجوههم، خاصةً في عالمنا الثالث. أمتع الأ‘مال أما الإعلامي والمخرج «علي سفر» فقد دافع عن مسلسل «ضيعة ضايعة» قائلاً: كان هذا المسلسل من أمتع الأعمال التي شهدتها في حياتي، وهو برأيي خلاصة ثقافية ذهنية معرفية لأصحابه، من حيث أنها كانت كوميديا بلا تهريج، وهو لم يكن عملاً أُسقِط بالمظلة، بل هو نتيجة استمرار مشاركة الشباب في الكوميديا، هذه المشاركة التي قدمت كوميديا متجددة وطازجة بعد أن نجح هؤلاء الشباب بحكم الدراسة والثقافة المتعددة في ابتكار أساليب جديدة في طرح الكوميديا كفنّ. وعن التلازم بين الكوميديا والتراجيديا، قال «سفر»: الفصل بين الكوميديا والتراجيديا انتهى منذ زمن، والممثل يجب أن يكون جاهزاً لما يجب أن يقدمه، سواء في التراجيديا أو في الكوميديا. سياق طبيعي وعن اتهام المسلسل بتقديمه للكلام السيء، دافع الإعلامي «أحمد الخليل» عنه بقوله: مسلسل «ضيعة ضايعة» الكلام البذيء فيه لم يسيء للعمل، لأنه جاء في سياقه الطبيعي، والكاتب في هذا العمل وضع الخط العام ولم يضع التفاصيل الحياتية اليومية لكل شخصية، فكان إنجازه أقرب إلى مفهوم الورشة.