في العادة، لا ينشغل الرأي العام في إسرائيل بانتخاب «الرابانية الرئيسية»، وهو المجلس الديني الأعلى في الدولة اليهودية، ثم انتخاب «الحاخام (رجل الدين اليهودي) الرئيسي» للطائفتين الشرقية والأشكنازية، فهي انتخابات تعني أساساً الأحزاب الدينية المتزمتة التي يمتثل نوابها في الكنيست إلى فتاوى رجال الدين الكبار، وأحياناً قبل امتثالهم للقانون. لكن الانتخابات القريبة ل «الحاخام الرئيسي»، خصوصاً لليهود الشرقيين (سفاراديم)، تستأثر باهتمام منظمات حقوقية وأوساط ليبرالية ويسارية على خلفية حقيقة أن اثنين من ابرز المتنافسين على المنصب يتنافسان على من منهما أكثر تطرفاً وعنصريةً تجاه المواطنين العرب في إسرائيل، وسجِلُّ كل منهما حافل بتصريحات عنصرية مليئة بالتحريض على العرب، من دون أن تتحرك النيابة العامة وتقدم لوائح اتهام ضدهما، علماً أن «التحريض على العنصرية» هو مخالفة جنائية يهدد «كتاب القوانين» بالاقتصاص الشديد من المحرضين عليها. واشتهر الحاخام شموئيل الياهو بدعواته الى طرد الطلاب العرب من كلية أكاديمية في مدينة صفد وعدم تأجيرهم شققاً للسكن، وهو ما ترجم مرات كثيرة بإحراق سياراتهم واعتداءات جسدية وشعارات جدارية «الموت للعرب»، فيما منافسه الحاخام أفراهام يوسف (نجل الزعيم الروحي لحركة «شاس» الدينية المتشددة عوفاديا يوسف) لا يكتفي بالدعوة الى عدم تأجير العرب الشقق السكنية، إنما يدعو إلى عدم بيعهم أراضيَ ليقيموا عليها بيوتاً، وإلى مقاطعة الفنادق التي تشغّل عمالاً عرباً في المطابخ بداعي أنهم «يحضرون طعاماً ملوثاً». الربانية الرئيسية وينص القانون الإسرائيلي على انتخاب المجلس الأعلى للحاخامات (الربانية الرئيسية) من 16 عضواً مناصفةً بين الشرقيين (سفاراديم) والغربيين (أشكناز) يقف على رأسهم «الحاخامان الرئيسيان» اللذان ينتخبهم 80 حاخاماً و70 علمانياً ليقفا على رأس المحكمة الدينية الاستئنافية. وعلى مدار السنين، أثار معظم من شغل منصب «الحاخام الرئيسي» نقاشات حامية بين المتدينين المتزمتين والعلمانيين، خصوصاً في قضايا سياسية واجتماعية، مثل معارضتهم التيارات اليهودية التقدمية، ورفضهم «يهودية» كل من لم «يتهوَّد» على أسس توراتية متزمتة، ومعارضتهم الزواج المختلط بين اليهود و «الأغيار» وغيرها من المسائل التي أثارت في أحيان كثيرة صدامات بين المتزمتين والمعارضين. وتخضع «الربانية الرئيسية» إلى وزارة القضاء بعد أن كانت تابعة لسنوات كثيرة لوزارة الأديان حيث شعرت أنها في ملعبها. ومع اقتراب الانتخابات، توجه عدد من النواب اليساريين والعرب إلى المستشار القضائي للحكومة يهودا فاينشتاين للعمل على منع الحاخام شموئيل الياهو من الترشح بداعي مواقفه العنصرية من العرب. وأعلن المستشار أنه سيدعو الحاخام الياهو الى «جلسة استماع»، وهي خطوة مستوجبة قانونياً قبل اتخاذ إجراء بمنعه من الترشح، ليبرر تصريحاته التي اعتبرها فاينشتاين لا تؤهله فعلاً لتسلم هذا المنصب، لكنه تراجع عن قرار سابق بتقديم لائحة اتهام ضده. من جهتها، تتخبط وزيرة القضاء تسيبي ليفني في كيفية التعامل مع الياهو، فهي من جهة تخشى ردة فعل الحزب الديني «البيت اليهودي» الشريك معها في الائتلاف الحكومي، ومن أخرى تخشى على «صورة إسرائيل في العالم في حال انتخب الياهو»، كما نقل على لسانها. وكتب كبير المعلقين في «يديعوت أحرونوت» ناحوم برنياع أمس، أنه لدى مراجعة تصريحات الياهو ومنافسه افراهام يوسف والفتاوى التي أصدراها «يصعب علينا تحديد من منهما أكثر عنصريةً وظلاميةً وانقطاعاً عن الواقع»، مضيفاً أنه لا يمكن استبعاد أن يكون الياهو أقل تطرفاً، مع كل تصريحاته المتطرفة والمتكررة. ويقدم أمثلةً على تطرفهما مثل إعلان الياهو أن من يؤجر شقة سكنية للعرب فإنه يخالف تعاليم التوراة، مستهزئاً من إمكان تقديمه الى المحاكمة على عنصريته بالقول: «إن أحداً لن يغلق فمي... نعم يجب قذف الطلاب العرب من صفد، أقول ذلك بكل وضوح ولا أخاف أحداً ... للمجتمع العربي توجد أجندة تقضي بأسلَمة العالم، هذا المجتمع عنيف... الفلسطينيون في إسرائيل يحاربوننا من خلال بناتنا، يتعاملون معهن كخادمات... وعلينا أن نعرف كيف نحميهن». من جهته، يرى الحاخام يوسف أنه يحظر تأجير شقق ل «الأغيار»، منهم العرب والمهاجرون من دول الاتحاد السوفياتي السابق «المشكوك في يهوديتهم»، مضيفاً أنه «محظور على اليهود أيضاً شراء زيت الزيتون من العرب... ويجب تحريض المستهلكين على مقاطعة كل فندق يشغل عمالاً عرباً لأنه إذا اهتموا بنظافة الفندق كما يهتمون بنظافة قراهم، فإن وضع الطعام سيكون سيئاً... حان الوقت لنقول الحقيقة: إعطاء أعدائنا لقمة العيش يؤدي إلى نتائج خطيرة». ويشن كلاهما هجوماً عنيفاً على المحكمة العليا والجهاز القضائي برمته، وبرأي الياهو فإن القضاة ممنوعون من دخول الكنيس، معتبراً أن المحكمة العليا هي المؤسسة الأكثر عنصرية في إسرائيل ضد الشرقيين، «ويجب أن نقوم باضطرابات كي تخاف المحكمة منا».